بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (306)
سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
صـ 229 إلى صـ 235
المسألة الثامنة
اعلم أن جماهير القائلين بالقياس يقولون : إنه إن خالف النص فهو باطل ، ويسمون القدح فيه بمخالفته للنص فساد الاعتبار . كما أشار إليه صاحب " مراقي السعود " بقوله :
والخلف للنص أو إجماع دعا فساد الاعتبار كل من وعى
كما قدمناه في سورة " البقرة " .
واعلم أن ما يذكره بعض علماء الأصول من المالكية وغيرهم عن الإمام مالك من أنه يقدم القياس على أخبار الآحاد خلاف التحقيق . والتحقيق : أنه يقدم أخبار الآحاد على القياس ، واستقراء مذهبه يدل على ذلك دلالة واضحة ، ولذلك أخذ بحديث المصراة في دفع صاع التمر عوض اللبن . ومن أصرح الأدلة التي لا نزاع بعدها في ذلك أنه يقول : إن في ثلاثة أصابع من أصابع المرأة ثلاثين من الإبل ، وفي أربعة أصابع من أصابعها عشرين من الإبل . كما قدمناه مستوفى في سورة " بني إسرائيل " . ولا شيء أشد مخالفة للقياس من هذا كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن لسعيد بن المسيب حين عظم جرحها ، واشتدت مصيبتها : نقص عقلها . ومالك خالف القياس في هذا القول ، سعيد بن المسيب : إنه السنة ، كما تقدم . وبعد هذا فلا يمكن لأحد أن يقول : إن مالكا يقدم القياس على النص ، ومسائل الاجتهاد والتقليد مدونة في أصول الفقه ، ولأجل ذلك نكتفي بما ذكرنا من ذلك هنا .
المسألة التاسعة
اعلم أن أكثر أهل العلم قالوا : إن الحرث الذي حكم فيه سليمان وداود إذ نفشت فيه غنم القوم بستان عنب ، والنفش : رعي الغنم ليلا خاصة ، ومنه قول الراجز :
بدلن بعد النفش الوجيفا وبعد طول الجرة الصريفا
وقيل : كان الحرث المذكور زرعا ، وذكروا أن داود حكم بدفع الغنم لأهل الحرث عوضا من حرثهم الذي نفشت فيه فأكلته . وقال بعض أهل العلم : اعتبر قيمة الحرث فوجد الغنم بقدر القيمة فدفعها إلى أصحاب الحرث ، إما لأنه لم يكن لهم دراهم أو تعذر بيعها ، ورضوا بدفعها ورضي أولئك بأخذها بدلا من القيمة . وأما سليمان فحكم بالضمان على [ ص: 230 ] أصحاب الغنم ، وأن يضمنوا ذلك بالمثل بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان حين نفشت فيه غنمهم . ولم يضيع عليهم غلته من حين الإتلاف إلى حين العود ، بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم . وقد اعتبر النماءين فوجدهما سواء ، قالوا : وهذا هو العلم الذي خصه الله به ، وأثنى عليه بإدراكه . هكذا يقولون ، والله تعالى أعلم .
المسألة العاشرة
اعلم أن العلماء اختلفوا في مثل هذه القصة . فلو نفشت غنم قوم في حرث آخرين فتحاكموا إلى حاكم من حكام المسلمين فماذا يفعل ؟ اختلف العلماء في ذلك ، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن ما أفسدته البهائم ليلا يضمنه أرباب الماشية بقيمته ، وهو المشهور من مذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد - رحمهم الله . وقيل : يضمنونه بمثله كقضية سليمان . قال ابن القيم : وهذا هو الحق ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، ووجه للشافعية والمالكية ، والمشهور عنهم خلافه . والآية تشير إلى اختصاص الضمان بالليل ؛ لأن النفش لا يطلق لغة إلا على الرعي بالليل كما تقدم . واحتج الجمهور لضمان أصحاب البهائم ما أفسدته ليلا بحديث حرام بن محيصة ، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها " رواه الأئمة : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والدارقطني ، وابن حبان ، وصححه الحاكم ، فقال بعد أن ساق الحديث المذكور : هذا حديث صحيح الإسناد على خلاف فيه بين معمر والأوزاعي ، فإن معمرا قال : عن الزهري ، عن حرام بن محيصة ، عن أبيه ، وأقره الذهبي على تصحيحه ولم يتعقبه .
وقال الشوكاني - رحمه الله - في ( نيل الأوطار ) في الحديث المذكور : صححه الحاكم ، والبيهقي . قال الشافعي : أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله . ا هـ منه . والاختلاف على الزهري في رواية هذا الحديث كثير معروف .
وقال ابن عبد البر : وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور ، أرسله الأئمة ، وحدث به الثقات ، واستعمله فقهاء الحجاز وتلقوه بالقبول ، وجرى في المدينة العمل به ، وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث ، وعلى كل حال فالحديث المذكور احتج به جمهور العلماء ، منهم الأئمة الثلاثة المذكورون على أن [ ص: 231 ] ما أفسدته البهائم بالليل على أربابها ، وفي النهار على أهل الحوائط حفظها . ومشهور مذهب مالك وأحمد والشافعي أنه يضمن بقيمته كما تقدم . وأبو حنيفة يقول : لا ضمان مطلقا في جناية البهائم ، ويستدل بالحديث الصحيح : " العجماء جبار " أي : جرحها هدر . والجمهور يقولون : إن الحديث المذكور عام ، وضمان ما أفسدته ليلا مخصص له . وذهب داود ومن وافقه إلى أن ما أتلفته البهائم بغير علم مالكها ولو ليلا ضمان فيه ، وأما إذا رعاها صاحبها باختياره في حرث غيره فهو ضامن بالمثل .
واعلم أن القائلين بلزوم قيمة ما أفسدته البهائم ليلا يقولون : يضمنه أصحابها ولو زاد على قيمتها ، خلافا لليث القائل : لا يضمنون ما زاد على قيمتها ، وفي المسألة تفاصيل مذكورة في كتب الفروع ، وصيغة الجمع في الضمير في قوله : لحكمهم [ 21 \ 78 ] الظاهر أنها مراد بها سليمان ، وداود ، وأصحاب الحرث ، وأصحاب الغنم ، وأضاف الحكم إليهم لأن منهم حاكما ومحكوما له ومحكوما عليه .
وقوله : ففهمناها أي : القضية أو الحكومة المفهومة من قوله : إذ يحكمان في الحرث [ 21 \ 78 ] وقوله : وكلا آتينا [ 21 \ 79 ] أي : أعطينا كلا من داود وسليمان حكما وعلما . والتنوين في قوله : وكلا عوض عن كلمة ، أي : كل واحد منهما .
قوله تعالى : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه سخر الجبال ، أي : ذللها ، وسخر الطير تسبح مع داود . وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من تسخيره الطير والجبال تسبح مع نبيه داود بينه في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير الآية [ 34 \ 10 ] . وقوله : أوبي معه أي : رجعي معه التسبيح . والطير أي : ونادينا الطير بمثل ذلك من ترجيع التسبيح معه . وقول من قال أوبي معه : أي : سيري معه ، وأن التأويب سير النهار - ساقط كما ترى . وكقوله تعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب [ 38 \ 17 - 18 ] .
والتحقيق : أن تسبيح الجبال والطير مع داود المذكور تسبيح حقيقي ؛ لأن الله - جل وعلا - يجعل لها إدراكات تسبح بها ، يعلمها هو - جل وعلا - ونحن لا نعلمها . كما قال : [ ص: 232 ] وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ 7 \ 44 ] وقال تعالى : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله الآية [ 2 \ 74 ] وقال تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها الآية [ 33 \ 72 ] . وقد ثبت في صحيح البخاري أن الجذع الذي كان يخطب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتقل عنه بالخطبة إلى المنبر سمع له حنين . وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن " وأمثال هذا كثيرة . والقاعدة المقررة عند العلماء أن نصوص الكتاب ، والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها المتبادر منها إلا بدليل يجب الرجوع إليه . والتسبيح في اللغة : الإبعاد عن السوء ، وفي اصطلاح الشرع : تنزيه الله - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية وسخرنا مع داود الجبال [ 21 \ 79 ] أي : جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح ، والظاهر أن قوله : وكنا فاعلين مؤكد لقوله : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير [ 21 \ 79 ] والموجب لهذا التأكيد أن تسخير الجبال وتسبيحها أمر عجب خارق للعادة ، مظنة لأن يكذب به الكفرة الجهلة .
وقال الزمخشري وكنا فاعلين أي : قادرين على أن نفعل هذا . وقيل : كنا نفعل بالأنبياء مثل ذلك . وكلا القولين اللذين قال ظاهر السقوط ؛ لأن تأويل وكنا فاعلين بمعنى كنا قادرين بعيد ، ولا دليل عليه كما لا دليل على الآخر كما ترى .
وقال أبو حيان وكنا فاعلين أي : فاعلين هذه الأعاجيب من تسخير الجبال وتسبيحهن والطير لمن نخصه بكرامتنا . ا هـ . وأظهرها عندي هو ما تقدم ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون .
الضمير في قوله : وعلمناه راجع إلى داود ، والمراد بصيغة اللبوس : صنعة الدروع ونسجها . والدليل على أن المراد باللبوس في الآية الدروع أنه أتبعه بقوله : لتحصنكم من بأسكم [ 21 \ 80 ] أي : لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض ؛ لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف ، والرمي بالرمح والسهم كما هو معروف . وقد أوضح [ ص: 233 ] هذا المعنى بقوله : وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد [ 34 \ 10 - 11 ] فقوله : أن اعمل سابغات أي : أن اصنع دروعا سابغات من الحديد الذي ألناه لك .
والسرد : نسج الدرع . ويقال فيه : الزرد ، ومن الأول قول أبي ذؤيب الهذلي :
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
ومن الثاني قول الآخر :
نقريهم لهذميات نقد بها ما كان خاط عليهم كل زراد
ومراده بالزراد : ناسج الدرع . وقوله : وقدر في السرد أي : اجعل الحلق والمسامير في نسجك الدرع بأقدار متناسبة ، فلا تجعل المسمار دقيقا لئلا ينكسر ولا يشد بعض الحلق ببعض ، ولا تجعله غليظا غلظا زائدا فيفصم الحلقة . وإذا عرفت أن اللبوس في الآية الدروع فاعلم أن العرب تطلق اللبوس على الدروع كما في الآية . ومنه قول الشاعر :
عليها أسود ضاويات لبوسهم سوابغ بيض لا يخرقها النبل
فقوله : " سوابغ " أي : دروع سوابغ ، وقول كعب بن زهير :
شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل
ومراده باللبوس التي عبر عنها بالسرابيل : الدروع . والعرب تطلق اللبوس أيضا على جميع السلاح ، درعا كان أو جوشنا أو سيفا أو رمحا . ومن إطلاقه على الرمح قول أبي كبير الهذلي يصف رمحا :
ومعي لبوس للبئيس كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل
وتطلق اللبوس أيضا على كل ما يلبس ، ومنه قول بيهس :
البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها
وما ذكره هنا من الامتنان على الخلق بتعليمه صنعة الدروع ليقيهم بها من بأس السلاح تقدم إيضاحه في سورة " النحل " في الكلام على قوله تعالى : وسرابيل تقيكم بأسكم [ 16 \ 81 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فهل أنتم شاكرون [ 21 \ 80 ] الظاهر فيه أن صيغة الاستفهام هنا يراد بها الأمر ، ومن إطلاق الاستفهام بمعنى الأمر في القرآن قوله [ ص: 234 ] تعالى : إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [ 5 \ 91 ] أي : انتهوا . ولذا قال عمر - رضي الله عنه - : انتهينا يا رب . وقوله تعالى : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم الآية [ 3 \ 20 ] أي : أسلموا . وقد تقرر في فن المعاني أن في المعاني التي تؤدى بصيغة الاستفهام : الأمر ، كما ذكرنا .
وقوله : شاكرون شكر العبد لربه : هو أن يستعين بنعمه على طاعته ، وشكر الرب لعبده : هو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل . ومادة " شكر " لا تتعدى غالبا إلا باللام ، وتعديتها بنفسها دون اللام قليلة ، ومنه قول أبي نخيلة :
شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضي
وفي قوله : لتحصنكم ثلاث قراءات سبعية : قرأه عامة السبعة ما عدا ابن عامر وعاصما ليحصنكم بالياء المثناة التحتية ، وعلى هذه القراءة فضمير الفاعل عائد إلى داود أو إلى اللبوس ؛ لأن تذكيرها باعتبار معنى ما يلبس من الدروع جائز . وقرأه ابن عامر وحفص عن عاصم لتحصنكم بالتاء المثناة الفوقية ، وعلى هذه القراءة فضمير الفاعل راجع إلى اللبوس وهي مؤنثة ، أو إلى الصنعة المذكورة في قوله : صنعة لبوس وقرأه شعبة عن عاصم لنحصنكم بالنون الدالة على العظمة وعلى هذه القراءة فالأمر واضح .
قوله تعالى : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين .
قوله : ولسليمان الريح [ 21 \ 81 ] معطوف على معمول " وسخرنا " ، في قوله : وسخرنا مع داود الجبال [ 21 \ 79 ] أي : وسخرنا لسليمان الريح في حال كونها عاصفة ، أي : شديدة الهبوب . يقال : عصفت الريح أي : اشتدت ، فهي ريح عاصف وعصوف ، وفي لغة بني أسد ( أعصفت ) فهي معصف ومعصفة ، وقد قدمنا بعض شواهده العربية في سورة ( الإسراء ) .
وقوله : تجري بأمره أي : تطيعه وتجري إلى المحل الذي يأمرها به ، وما ذكره في هذه الآية من تسخير الريح لسليمان ، وأنها تجري بأمره بينه في غير هذا الموضع ، وزاد بيان قدر سرعتها ، وذلك في قوله : ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر [ ص: 235 ] [ 34 \ 12 ] وقوله : فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب [ 38 \ 36 ] .
تنبيه
اعلم أن في هذه الآيات التي ذكرنا سؤالين معروفين :
الأول : أن يقال : إن الله وصف الريح المذكورة هنا في سورة " الأنبياء " بأنها عاصفة ، أي : شديدة الهبوب ، ووصفها في سورة " ص " بأنها تجري بأمره رخاء ، والعاصفة غير التي تجري رخاء .
والسؤال الثاني : هو أنه هنا في سورة " الأنبياء " خص جريها به بكونه إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين ، وفي سورة " ص " قال : تجري بأمره رخاء حيث أصاب [ 38 \ 36 ] وقوله : حيث أصاب يدل على التعميم في الأمكنة التي يريد الذهاب إليها على الريح . فقوله : حيث أصاب أي : حيث أراد ، قاله مجاهد . وقال ابن الأعرابي : العرب تقول : أصاب الصواب ، وأخطأ الجواب ، أي : أراد الصواب وأخطأ الجواب . ومنه قول الشاعر :
أصاب الكلام فلم يستطع فأخطأ الجواب لدى المفصل
قاله القرطبي . وعن رؤبة أن رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه عن معنى " أصاب " ، فخرج إليهما فقال : أين تصيبان ؟ فقالا : هذه طلبتنا ، ورجعا .
أما الجواب عن السؤال الأول فمن وجهين : الأول : أنها عاصفة في بعض الأوقات ، ولينة رخاء في بعضها بحسب الحاجة ، كأن تعصف ويشتد هبوبها في أول الأمر حتى ترفع البساط الذي عليه سليمان وجنوده ، فإذا ارتفع سارت به رخاء حيث أصاب .
الجواب الثاني : هو ما ذكره الزمخشري قال : فإن قلت : وصفت هذه الريح بالعصف تارة وبالرخاء أخرى ، فما التوفيق بينهما ؟ قلت : كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم ، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة ، على ما قال : غدوها شهر ورواحها شهر ، فكان جمعها بين الأمرين : أن تكون رخاء في نفسها ، وعاصفة في عملها ، مع طاعتها لسليمان ، وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم . ا هـ محل الغرض منه .