تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 25 من 25

الموضوع: من أبجدية السعادة الزوجية

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

    عَوِّدهُم


    محمد عزت السعيد



    قديمًا قالوا: الإنسَان أسِير عَاداته، وإذا اعْتاد الإنسَان على فعْل شَيء، فإنه سرعان ما يحبه، فإذا أحبَّه فلا يكاد ينفَك عنه أبدًا، بل ويصبح جزءًا من برنامجه اليومي، هذا كلُّه بغَضِّ النظر عن كونه حَسنًا أو قبيحًا، جيدًا ورديئًا.
    ومِن ثم فإنَّ الوصُول إلى الكَمال في العبادات ومَكارم الأَخلاق لم يكن ليصل إليه إنسَان إلا بعد المِران والتدريب والتَّكرار والتَّعَود، وجاء في الأمْثال إنَّما العِلْم بالتَّعلم والحِلمُ بالتَّحَلُّم، أي ببذل الجهد وتكراره.
    وفي بيوتنا عَادات وعادات تحتاج إلى تعْديل وتغيير، منها ما هو حَسَنٌ جميلٌ، ومنها ما هو غير ذلك، فالاستيقاظ مبكرًا وتقبيل رأس الوالدين والتهاني في المناسبات وغيرها، ومنها ما هو غير ذلك كإسراف في الطَّعام والشَّراب والسَّهر دونما فائدة وغيرها ....
    ومِن الجَيد أن تُعِّود نفْسك وأبناءَك وأهْل بيتك على الجيِّد من العَادات، وتطفئ لدَيهم الرَّغبة في فعل العَادات غَير الحَسَنة، ولا يكون ذلك إلا بالتَّهيئة لهُم، وإيجاد الدوافع لذلك، وتحفيزهم وتشجيعهم وتكرار التوجيه وتنوعه، وأنْ تضْرب لهم من نفسْك المـَثل والقدوة فسيكون له أطيبُ الأَثَر.
    وليسَ أسْهل مِن التَّخَلي عن العَادات السَّيئة أو اكْتساب عَادات أخرى جَيدة، إذَا توافَرت لها الدَّوافع والظُّروف، فرغْبتُك ودَافعك لتغيير عَادة سيئةٍ أو تكوين عَادة جيدة، وكذلك التحْفيز والتشْجيع المصَاحب لهما، وتجديدُ النِّية واحتسابُ الأجر رغبةً فيمَا عند الله من ثَواب وجزاءٍ، ورهبةً مما يكون من عقِاب وعَذاب عند الاستمرار في عادة ينهَى عنها الشَّرع الحنيف ويأمر باجتنابها، والمدَّة الزمنية التي تتكوَّن فيها أو تتخَلص منها، كل ذلك له دور كبير في بنَاء العَادة أو تغييرها.
    فعادة مثل الإقلاع عن التدخين، أو إهمَال في أداء الواجبات، أو النَّوم لفترات طويلة، أو السَّهر، أو كثرة الأكْل، أو غيرها من العَادات غير الجيدة يمكن – وبسهولة- التخَلص منها حَال توافرت لها الشُّروط التي ذكرتها سابقًا ....
    والوقتُ جُزء من العِلاج، فلا تتصور أن بناء عادة جيدة أو التخلص من عادة سيئة هو وليدُ لحظةٍ، أو بضْعة أيام، لا ... فعَدَدٌ من الدِّراسات أكَّدت أن الإنسَان يحتاج إلى فترة تتراوح ما بين واحِد وعشرين يومًا إلى سِتَّة وسبعين يومًا .... هَذه الفترة كافية - مع مراعاة العَوامل المحيطَة – لبنَاء عَادة جديدة أو تغيير أخرى سَيئة، ولذلك جعل الله-تعالى- صيَام رمضَان شهرًا كاملاً، والصَّلوات الخْمس كل يوم، وسنَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وقِراءة القُرآن والذِّكر والتَّسبيح وأذْكار الصَّباح والمسَاء وصَلاة الضُّحى وقيَام الليل وغيرها من العِبادات التي بتكْرارها تتَحوَّل إلى عَادات يومية ضِمن برنامج عمَل المُسْلم اليومي، والتي لا يحْتاج إلى كثير عَناء أو تدبيرٍ في ممارستها بشكل مُستمر.
    وانتقَالاً من العِبادات التي تحوَّلت بشَكلٍ سهْل وبسيط إلى كونها جُزء من حياة المسْلم اليومي، فإنَّك تُلاحِظ تعوُّدَك على ممارسة الرِّياضة أو قراءة الكِتاب أو مُشاهدة التلفَاز أو تصَفُّح الجرائد أو تنَاول القَهْوة أو غيرها من العَادات اليومية، والتي لا تحتاجُ إلى كثير جهد في أدائها يوميًا، وذلك لأنَّك ألفْتها وتعَوَّدت عليها.
    وعْودًا على ذي بدء فمِن الجيِّد – كما قُلت – أن تعْمَد إلى الأفعَال الحَسنة في نفسِك وزوجتك وأبنائِك فتُحفِّزهم عليها وتشجعهم على تنفيذها باسْتمرار حتى يكْتسبوا فعْلها، وتصبح لدَيهم عادةٌ جيْدة، عَوِّدهم على الذَّهاب إلى المسْجد للصَّلاة، وقراءة ما تيسر من القُرآن، عَوِّدهم على تصَفُّح الكتب ومطَالعة النَّافع من المقَالات والقِصص، عَوِّدهم على احترام الكبير، والاستماع إلى المتحدث، وكثرة الإنصَات، وعدم المقَاطعة، عَوِّدهم على الاستيقَاظ مبكرًا، والتطّيب وارتداءِ الحَسَن من الثياب، وغَيرها من العَادات الطِّيبة الحَسنة ...
    وإن أردَّت أنْ تطفئ لديهم عَادة سيئة فأوجد لها بديلاً مُناسبًا، فلا تمنعَهم عن الجُلوس أمام التلفاز طَويلاً، أو شاشة الجوَّال ومواقع الإنترنت دون أن توفِّر لها بدائل آمِنة، كَضَمهم إلى النَّوادي الرِّياضية والمشْي، وتعَلُّم الحِرَف والمهن المفيدة النَّافعة وتعلُّم التطْبيقات والبرامِج المفيدة ....
    ولعل في قصَّة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفْسًا، وما ورد في السِّيرة النبوية حينما قصَّت السَّيدة حَفصة – رضي الله عنها – لرسُول الله – صلى الله عليه وسلم – رؤيا أخَيها عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- وما أشار عليهَا بقَوله- صلى الله عليه وسلم -: "نِعْم الرَّجُل عبد الله لو كان يقومُ من اللَّيل" فلمْ يترك قيَام الليل بعْدها أبدًا، فقَد صَار عَادةً لديه بعد تحفيزٍ وتشْجيع وإصْرار وعزيمَة.
    إن استبدال العَادات السِّيئة بعَادات حَسنة أمرٌ في غاية الأهمية كي تنعَم بأفضل حَياة ممكنة مهْما كانَ الوقت المستغرق لإنجاز ذلك، فالعادات السيئة يمكنها أن تُعَرقل استغلالك لقدراتك، وقد تُسبِّب لك ولأسرتك الأمراض وتجعلك شخصًا قليل الإنتاج تعيسًا، بل إنَّ العَادات الأسوأ يمكنها أن تفقدك علاقاتك وحتى حياتك، في حين أنَّ العادات الحسنة تؤهلك للنجاح والسعادة في نواحي حياتك كافة، ويمتلئ بيتك سعادة وسرورًا.
    ومن خلال الوَعْي وتحديد الهدف، وتجديد النية والمقصد والغاية، وتغيير البيئة المحيطة من سيئة إلى جيدة، والمرونة في تطبيق الفعْل، والإصْرار والعزيمة على التغْيير، والصَّبر والجَلَد والتحمُّل على تبعَات هذا التغيير كلها مفاتيح إذا امتلكتها أو ملكتها أفراد أسرتك، غيرتم الكثير والكثير من العادات غير الجيدة، وبنيتم الكثير والكثير من العادات الحسنة الجيدة، ونعمتم بحياة هانئة سعيدة.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

    غَيِّر قَناعَاتِهم


    محمد عزت السعيد



    ليسَ كلّ ما يقْتنع به المرءُ صوابًا على الدَّوام، ومَع ذلك فَهو يَراه صَوابًا في كِل حَال، ومِن هُنا تَكمُن صُعوبَة تغيير القَناعات، فالبَخيلُ لا يرى نفسَه بخيلاً، وإنما يرى أنَّه يحافظ على المَال من الضَّياع، ويعمل على إنفَاقه في وجوهِه الصَّحيحَة، بل هو يدَّخِره لنوائبِ الدَّهر ومصَائب الحياة، وليكون عَونًا له ولذريته من بعْده.

    والأَحمقُ كذلك لا يرى نفسَه أحمقًا، بل هو من يرى كلَّ النَّاس حمْقى لا رأيَ لهم، ولا عقلَ يهديهم إلى الصَّواب، ويرى نفسَه صَاحِب الرَّأي السَّديد والعَقل الرَّشِيد، ومن ثم فُهو يرى رأيه، ويقتنع بما لديه من حُجَّة.
    والكَاذب كذلك، وقد أدْمَن الكَذب؛ لا يرى النَّاس إلا كذلك، فكلُّهم- من وجْهَة نظره - لا يصْدقُون في قولٍ ولا فعْل، وإنما هو الصَّادق الوحيد ولا أحَد غَيره.
    ومن ثَّم فإنَّ تغيير قناعة الأفراد هو من أصْعب الأمُور على الإطْلاق، ولم تَكن مهِمَّة الرُّسل والأنبياء – على اختلاف الدهور ومر العصُور – إلا تغيير قناعَة النَّاس وتصحيح المفَاهيم لديهم، فنبي الله نوحٌ – عليه السَّلام – يظَل يجادل قومَه ويحاجّهم، ويضْرب لهم كل مثلٍ ويريهم كلَّ آية، فقط ليقنعهم أنَّ ما يعكفُون عليه من أصْنام، وما يعبدونها من أوثَانٍ إنَّما هي حجَارة لا تنفع وتضُر، ولا يزالون يردُّون دعوته ويخالفون أمره، قال الله -تعالى- يحكي على لسان نبيه نوح: " {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود:(32)] ، وبعْد كل هَذه السَّنوات لم يأبه بكلامه، ولمْ يقتنع بدَعْوته إلا قليل ٌكمَا وصَفَهم القُرآن الكَريم، وهَذا هو حَاله مع قومِه، وحَال النبيِّين من بعْده، والدُّعاة من أتباعِهم.
    وما نلقَاه في بيوتِنا ونجُده في كثير من الأحْيان هو في الواقِع صُورةٌ مصغَّرةٌ من ذلِك، فاخْتلاف الرَّأي وتعدِّد وجهَات النَّظرِ والنِّقَاش والجِدال في بعض المسَائل قد يحدث نوعًا من الانقِسَام بين الرَّجل وزوجته، أو الأبِ وأبنائه، أو الأُمِّ وبناتها، ولعلَّ اختلافَ نمَط التربية، وتغَيُّر الزمَان، واختلافَ مستوى التَّعْليم، والبيئة ودرجة الوَعي وغيرها من العَوامل قد يحدث – في كثير من الأحيَان – فجوةً كبيرةً وتباينًا فكريًا واسعًا، وقد يتشبَّث أحَدُهم برأيه ويتبنى فكرته، فلا يرغَبُ في تصْحِيحِها أو تقْويمِها، ولا يرغبُ أن يحيدَ عنها ولا ينصَرف إلى غيرها.
    ومن هُنا يأتي دور القَيادة الحكِيمة داخِل الأُسْرة السَّعيدة، فَدَورُ الأبِ والأمِّ أنْ يعملا جَاهِدَيْن على بناءِ قنَاعاتٍ سليمةٍ صَحيحَة داخِل الأُسْرة توافِق الشَّرعَ، وتُعْلي قِيمة العقْل، وتحْترم وجهَات النَّظَر، وتُراعي ظُروف العَصْر والمسْتوى الثَّقَافي والفِكْري والمعْرفي، ولا يكون ذلك إلا بالحُجَّة البرهَان والمنْطق السَّديد والعَقل الرَّشيد.
    ولعَلَّ هذا ما أوصَانا به الله – جَلَّ وعَلا – في قولِه تعَالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ} [هود: (125)] يقول ابن كثير في تفسيرها: " يقول تعالى آمرًا رسُوله محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يدعو الخَلْق إلى الله {بالحِكْمة} قال ابن جَرِير : وهو مَا أنَزله علَيه من الكِتَاب والسُّنَّة {والموعِظة الحَسَنة} أي : بما فيه من الزَّواجر والوقَائع بالناس، ذكِّرهم بها ؛ ليحْذروا بأسَ الله تعالى.
    وقوله : {وجَادلهم بالتي هي أحْسَن} أي : من احتاج منهم إلى مُنَاظرة وجِدال، فلْيكُن بالوَجْه الحَسَن برفْقٍ ولِين وحُسنِ خِطَابٍ، كما قال : { ولا تجَادِلوا أهْل الكِتابِ إلا بالتي هي أحْسَن إلا الَّذين ظلَموا منهم} [العنكبوت : 46] فأمَره – تعَالَى- بلينِ الجَانبِ، كمَا أمَر مُوسى وهارون - عليهما السَّلام - حين بعثَهما إلى فِرعَون فقال: " {فقولا لَه قولاً لَيِّنًا لعَلَّه يتذكرُ أو يخْشَى} [طه : 44 ]
    وتغييرُ القَناعات – في الحقيقة – ما هُو إلا دعوة إلى الله -تعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة، والهدوء والاتزان في عَرض وجْهة النَّظر من قِبَل الزَّوج مع زوجته وأبنائه مِفْتاح كل نجَاح، حيثُ إنَّ الإلزام وفرضَ الرَّأي والأمَر المبَاشِر، في غالبِ الأحيان الأحوال لا يأتي بخير، بل قد يكونُ له ردُّ فعلٍ غير محسُوب.
    والمنطقية والاسْتنَاد إلى الحُجَّة والبرهَان فيما تعْرِضه على زوجَتك، أو تنَاقش فيه أبنَاءك -لا شكَّ- يجعلُ تغيير قناعاتهم أسْهلَ وأجْدى، ولكنْ ثمَّة أمْرٍ في غاية الأَهَمِّية وأنت تبْني قناعَاتٍ جيدة لدى أفْراد أسْرتك، أو تسْعى إلى تغيير قناعاتهم غير الجيِّدة، هي أن تبحَث عن الدَّوافع وراء هذه القناعات التي تبنَّوها، فقدْ يكون- كما أسلفتُ- نمطُ الشخصية، أو صديقٌ مقرَّبٌ لأحدهم، أو زملاء المدرَسَة، أو الجامعة، أو نمطِّ التعليم، أو مواقف حياتية متكِّررة، أو غيرها .... فحينئذ عِلاج مثل هَذه الدواعي والأسبَاب هي السبب الأكيد لتعديل وتغيير القناعات وتصحيح وجْهَات النَّظر وتقويم الأفْكار.
    إقناعُ النَّاس بالأفْكار ليسَ شيئًا بعيد المنَال؛ ولكنَّه يحتاج إلى فَنٍ وفِكْر ومَهَارة، فالناسُ يمكنهم أن يتخَلَّوا عن أفكَارهم إلى أفكَارك بمحضِ إرادتهِم إذا أقنعتهم بها، فتغيير القنَاعَات لا يمكن حُصُوله بالضَّغط أو بالإلزام أبدًا؛ بل تتغير القناعَات بالرَّضا والقَبول، وبالإثبَات والبرهَان، وبالجاذِبية والتقْريب، والفَاشِل في ذلك هو المجَادل المحْترف، الذي يُجَادل عن رأيِه أبدًا، ويعتمِد عَلى قَهْر النَّاس والسُّخْرية من آرائهم لإقناعهم، وما هو بفَاعل ولو ظَلَّ يجادلهم ألفَ عَام.
    اجعَل كلَّ همِّك الصَّلاح والإصْلاح، فقد كان الشَّافعي يقول :"ما جادلت أحدًا إلا تمنَّيتُ أن يُظهر الله الحَق على لسَانه" فلا يكن كلُّ همِّك أن يظهَر الحقُّ على يديَك، ولتكن بغْيتُك الوصُول إلى الحَق بأقصَر طَريق لدى أبنائك وبناتك، لا سيما وهم في عُمْر المراهَقَة وعنْفوان الشَّباب، واعْلَم أن ما اكتسبوه من قنَاعاتٍ إنما يرجِع لقِراءاتٍ لهم، أو مواقف حياتية تعرضُوا لها، أو من خلالِ جماعَة الأصْدقاء أو من بيئة التعْليم، وهَذا يتطلب من الأُسْرة السَّعيدة وعيًا دائمًا ويقظة مُسْتمرة وانتباهًا في كلِّ حَال، وليست التربية بالأمْر السَّهل ولا بناءِ الأُسْرة السَّعيدة بالأمْر الهَيِّن، فَكُن يقِظًا منتَبهًا حرِيصًا على تقويم السُّلوك وتعْديل الفِكرة وتغيير القناعات أو بنائها من جديد، في عَصْر لا حدود فيه ولا حَواجِز، وتنوَّعَت فيه سُبل الضَّلال وطُرق الغِوايَة، وسَهُلت فيه طَرائق الانحِراف والغَيِّ، نسأل الله السَّلامة من كِلِّ شَر والنَّجاة منْ كل بَليَّة.










    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

    فَقِّهِّم


    محمد عزت السعيد



    كنتُ أفهَم من قول الله -تعالى- {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ } ﴿٣٤﴾ كنت أفهم منها أَنَّ القِوامَة – أعْني قِوامَة الرَّجُل على المَرأةِ – يعنى بها النَّاحية الجسَدية والمادِّية فقَط، ولكنَّني – بعد قِراءة وتأنٍ- أصبَحتُ أفهَم مِنها معْنى أوسَع وأشْمل، فالقِوامَة لا تقتصرُ على هَذين النَّاحيتين فقَط، وهمَا على أهميتها إلا أنهما أقل مما يعنِيه اللَّفظ الظَّاهر، فالقِوامة على نواحٍ متعَددة أهمُّها القِوامة الجسَدية والمالية، لكنَّها تتعَدَّى إلى التعليم والتأْديب والتَّربية، ومنها أن الرَّجل – وهنا أعْني الزَّوج – من مهماته ومقتضى مسْؤولياته، وبما منَحه الله – تعالى – من فَضْل وما آتاه الله من مَال عليه أنْ يُعلِّم أبناءَه وأهلَ بيِته، إنْ كانت لديه الأهْلية لذلك، فإنْ لم تكن أَوكَل لمن لديه الفِقْه والعِلم أنْ يعلِّمَهم وأنْ يفقِّهَهَم أمور دينِهم، فقد روى عن مُعَاوية بن أبي سفيان أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال:" «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» ".
    وكما جَاء في تفسِير قولِه -تبَارك وتعَالى: " {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [سورة النساء:34] بمعنى أنهم القَائمُون على تدبير شؤونهنَّ ورعايتهِنَّ وحفظِهنَّ وما أشبه ذلك من المعاني، فهي قِوامة تدبير وحِفظ ورعَاية، أي أنَّه يقوم على شؤونها، تقول: فلان قائمٌ على كذا أو قيّم لكذا، كما تقول: الرَّجُل قيِّم، بمعنى أنه قائِم على شؤون المرأة، فجعل الله- تعالى - له الولاية على هَذه المرأة يتصرف بحسَب المصْلحة لا بحسب هَواه ومِزاجَه.
    والأُسْرة الصَّالحة السَّعيدَة هي الَّتي تقُوم على تعَاليم الشَّرع ومبادئ الإسْلام الحنيف، ويسْعى الجميعُ فيها إلى التَّعَلم والتَّفَقُّه في أمور الدِّين وشَرائع الإسْلام، فقد «جَاء رجُلٌ إلى النبي – صلَّى الله علْيه وسَلَّم – يسْأله قائلاً: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ شَرائِعَ الإسلامِ قد كَثُرَت عليَّ، فأخبِرْني بشيءٍ أتشَبَّثُ به، فقال: لا يزالُ لِسانُك رَطبًا مِن ذِكرِ اللهِ تعالى» . [رواه الترمذي]
    ومنْ ثمَّ فقَد وجَب علَى الزَّوج أنْ يسْعى إلى تعَلُّم أصُول الدِّين وأركَانه، ومبَادى الفِقْه وأحْكَامه، بل وكُل ما يستقِيم به دِينُه، ووجَبَ عليه أنْ يحْصُل الحَدَّ الأَدْنى من مَعْرفة ماَ تصِحُّ به عبَادته، ومَا تسْتقيم به عقِيدتُه، وما تسْتقِيم به أخْلاقِه، فالدِّين يدُور بين العقَائد والعِبادات والمعَاملات، ومَن يرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدِّين، « روى طَلْحَة بن عُبيد الله أنَّ أعْرَابِيًّا جَاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي بما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقالَ: فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَرَائِعَ الإسْلَامِ، قالَ: والذي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شيئًا، ولَا أنْقُصُ ممَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ» .
    فإِن تمَّ له ذلك وَجَب عليه أَنْ يرْعى زوْجَته وأولَاده بنين كانوا أو بناتٍ، وأنْ يتعهَّدهم بما يحفظ علَيهم أَمْر دينِهم، فيحفَظون القَرآن أَو شيئًا منْهن ويتعلَّمُون تفسِيره وتأْويله، ويتعلَّمون فقْه الطَّهارة والصَّلاة والصِّيام، مَا تيسَر لهُم من فقه الزَّكَاة والمعَاملات المَاليِّة وغيرها مما يلْزم المسْلم تعلَّمه.
    والحَق أَنَّ البيُوت التي تؤسِّس على العْلم والفَضِيلة والفِقه ومعْرفة أمُور الدِّين الحَنيف، وتعاليم الشَّرع هِي أَكْثر البيُوت اسْتقرارًا، وأدْومُها هدوءًا وأَمَانًا، فالعِلْم يضْبط المعَاملات والتَّعَاملات داخِل الأُسْرة وخَارجَها، ويُصحِّح أمُور العَقِيدة بين أفْرادها ويحْفظها من كِلِّ زَيغٍ وانحِرافٍ، وتسْتقِيم به أمُور العِبادَة من صَلاةٍ وصِيام وزكاةٍ وحَجٍ ونحو ذلك.
    فإذَا قمْت أيها الزَّوج الكَريم بدَوْرك في أداءِ ما أُوكِل إليك، وبمَا تمْلك من قِوامَة في رِعَاية زوجَتك وأبنَائك اسْتقَامتْ لكُم الحَياة ورُزقْتم برَكة العِلْم وطُمأنينة النَّفْس وراحَة البَال والعِصْمة من كلِّ زيْغ وانحْراف.
    وإنني انصَحُك بعِدَّة أمُور عَلاماتٍ تعْينك في تحْقيق ذلك:
    احْرْص أن تدْفع نفْسَك وزوجَك وأبناءَك أن يحفَظوا شيئًا من القُرآن، ويتعَلَّمون تفْسِيره وتجْويده، من خِلال حَلقَات التَّحفِيظ بالمسَاجِد ما أَمْكَن إلى ذَلك سَبيل.
    ليَكُن لك مع أبنائِك جَلْسَة أسبوعية على الأقل تتدارسون فيها آيات من القرآن الكريم وتطالعون فيها تفسير بعض آياته، وتتناولون شيئًا من الفقه والعقيدة والمعاملات، فَعَن ثابت أنَّ أنَس بن مَالك -رضِي الله عنه- كَان إذا خَتم القُرآن جمَع أهْله وولَده فَدعا لهُم، وعند المَروزي في كتابِ (قيام الليل) قَال : كان رَجُل يقْرأ القُرآن مِن أوَّله إلى آخِره في مسْجد رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلم- وكَان ابن عبَّاس يجْعل عَليه رقيبًا فإذا أراد أن يخْتم قال لجلسَائه : قومُوا حتى نحضُر الخَاتمة .
    أَكْثروا من الاسْتماع إلى القُرآن الكَريم قراءةً وتعَلُّمًا، والاسْتمَاع إلى دُروس العُلمَاء الَّذين يُعْرفون بالصَّلاح والتَّقْوى.
    إِن كانت لَك القُدرة المَادِّية فلا مَانِع من أنْ تأتيَ بمؤدِّب أو مُعَلِّم لولَدك ممن يُعرَفون بالصَّلاح والتُّقى.
    كُن لَيِّنًا رقيقًا رفيقًا بهم، تحْرص على تعْليمِهم وتسْعَى إلى تفقيهِهِم أمُور دينَهم.

    ولسْت أخَاف أو أشُكُّ في أَنك ستهْتم بتعْليم أٌسْرتك السَّعيدة وتربيتِهم وتفقيهِهِم في دينهم، ولَكنِّي أَخْشَى أن يفُوتك الخَير في تعْليم ِنفسِك وتَربية ذاتِك وتثقِيفها، وتطْوير ذاتِك وتنْميَتها، واحذَر من أنْ تطْعمَهم الخَير وتنْسى نفسَك، أو تقَدِّم لهم النَّفع ولا تجْعل لك فيها نصِيبًا، رزقنا الله وإياكم الفقه في الدِّين، والخير في كل وقت وحينٍ.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

    قُم مِن اللَّيل


    محمد عزت السعيد


    سَهمٌ لا يخيبُ، ومِفتاحٌ يفُكٌّ مغاليقَ الأبواب، يفَرِّج الله به كلَّ هَمٍّ، ويُزيل به كلَّ غَمٍّ، مَن وُفِّق إليه هُدِي إلى كلِّ خَير، إنما هو قيَام الليل، ومنَاجاة الرَّبِّ – سبحانه وتعالى – في وقْت نامَت فيه العيون، ورقَدت فيه الأجسَاد، وخَلا كل حَبيبٍ بحبيبه، وذرفت فيه العُيون ولهَجَت فيه الألْسن بكل صَادقٍ من الدَّعوات، وانعقدَت فيه الآمال، وعَظُم فيه الرَّجاء، وحَسُنت فيه الظُّنون بالله تعالى.
    قال رسول الله -صَلى الله عليه وسَلم- في فضْله: عن سَهْل بن سعد -رضي الله عنه- أنَّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-قال : « « أتاني جِبريل فقَال: يا محمد ! عِشْ ما شِئْت فإنَّك ميِّت، وأحْببْ من شِئْت فإنك مُفَارقه، واعْمل ما شِئْت فإنَّك مجْزي به، واعْلم أنَّ شَرَف المؤمن قيَامه بالليل، وعِزُّه استغْناؤه عن النَّاس» » [رواه الحاكم، والبيهقي، وحسنه المنذري، والألباني] .
    وقال النِّبي -صَلَّى الله عليه وسَلم- لمعَاذ -رضي الله عنه-: « « ألا أدلُّك على أبْواب الخَير؟ الصَّوم جُنَّة، والصَّدقَة تُطْفئ الخَطيئة كما يُطفئ الماء النَّار وصَلاة الرَّجُل من جَوف اللَّيل ثم تَلا» : { { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} } [السجدة: 16-17 » رواه الترمذي بسند صحيح]
    ولا يظُنُّ العبْد أنَّه بما أُوتي من قُدرة وقُوة، أو فِطْنة وذَكَاء، أو خِبْرة وعِلْم، أو ثَقافة وفَهْم قَادِر على إصْلاح نفسِه وذريَّته وأهْل بيته بمفرده دونما عَون من الله – جَل في عُلاه – أو دونما فضْل من الله ورعايته، فكَم من صالحين عَانوا من أبنائهم! كانوا على غير الهُدى، وكم من ذوي الضَّلال والغِواية خَرجتْ من أصْلابهم آياتٌ في التُّقى والصَّلاح والهِداية والإيمَان، ولقد كان نبيَّا الله نُوح ولوط – عليهما السَّلام – خيرَ شَاهد ودليلٍ على الصِّنف الأوَّل، وكان خَالد بن الوليد وعكْرمة بن أبي جهل- رضيَ الله عنهما- خير شاهِد ودليلٍ على الصِّنف الثَّاني.
    ولكِنَّ الذي لا شَك فيه، ولا ريْب معه أنَّ في قيامِك اللَّيل ولو بركعتين، ووقوفِك بين يدَي الله – سبحَانه وتعَالى -، وابتهالِك له، ودعَواتك في جوفِ الليل، ورجائِك أنْ يبارك الله لك في أهْلك وذريتِّك، وأن يمنحك وإيَّاهم الصَّلاح والتقوى، وأنْ يمنَّ عليكم بالسَّعادة في الدنيا والآخرة، لا شَكَّ أن ذلك من أعظَم أسْباب حصُول السَّعادة وأنواع السُّرور، ويعظم الأمْر إنْ كان هَذا ديْدنَ الأسرة وعادَتها، كلٌّ حسْب استطاعته، ووفْق قدْرته، ففي الحَديث عَنْ أَبي هُريرة – رضِي الله عنه- قَالَ: «قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: "رحِمَ اللَّه رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فصلىَّ وأيْقَظَ امرأَتهُ، فإنْ أَبَتْ نَضحَ في وجْهِهَا الماءَ، رَحِمَ اللَّهُ امَرَأَةً قَامت مِن اللَّيْلِ فَصلَّتْ، وأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فإِن أَبي نَضَحَتْ فِي وجْهِهِ الماءَ» " [رواهُ أَبُو داود بإِسنادِ صحيحٍ] ، وَعنْهُ وَعنْ أَبي سَعيدٍ رَضِي اللَّه عنهمَا، قَالا: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: " «إِذَا أَيقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْل فَصَلَّيا أَوْ صَلَّى ركْعَتَينِ جَمِيعًا، كُتِبَا في الذَّاكرِينَ وَالذَّكِراتِ» " [رواه أَبُو داود بإِسناد صحيحٍ] .
    وقَد كان للسَّلف الصَّالح حَالات مع الله في قيَام الليل، وقصصًا تفيضُ بها كتبُ السِّيرة، وتسَجِّل اجتهادهم وعنايتهم به، قال سَعيد بن المسيب رحمَه الله : إن الرَّجُل ليصلي بالليل، فيجعَل الله في وجْه نورًا يحبُّه عليه كل مُسْلم، فيراه من لم يره قَط فيقول : إنِّي لأحِبُّ هذا الرَّجُل !! .
    أخَذ الفضيل بن عِياض -رحمَه الله- بيد الحُسَين بن زياد -رحِمه الله-، فقَال له : يا حُسين : ينزل الله -تعالى- كُلَّ ليْلة إلى السَّماء الدنيا فيقول الربُّ: كَذب من أدَّعى محبتي فإذا جَنَّه الليل نَام عَني ؟!! أليس كل حبيبٍ يخلو بحبيبه ؟!! ها أنا ذا مطَّلع على أحبائي إذا جَنَّهم الليلُ، غدًا أقِرُّ عيونَ أحبَّائي في جَنَّاتي .
    قَالت امرأة مَسْروق بن الأجْدع : والله ما كان مَسْروق يصْبح من ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفخَتان من طُول القِيام !! ....، وكان -رحمه الله- إذا طَال عليه الليل وتعِب صَلَّى جالسًا، ولا يترك الصَّلاة، وكان إذا فَرغ من صَلاته يزْحف ( أي إلى فراشه ) كما يزْحَف البَعِير !!
    عن جعْفر بن زيد -رحمه الله- قال : خرجْنا غزاة إلى كأبول وفي الجيش صِلة بين أيشَم العَدوي -رحمَه الله- قال : فترك النَّاس بعد العَتمَة ( أي بعْد العِشَاء ) ثم اضطَّجع فالتمسَ غفْلة النَّاس، حتى إذا نام الجيْش كلُّه وثبَ صِلة فدخَل غَيضَة وهي الشَّجَر الكثيفُ الملتفُّ على بعْضِه ، فدخَلتُ في أثرِه، فتوضَّأ ثم قَام يصَلِّي فافتتحَ الصَّلاة، وبينما هو يصَلي إذا جَاء أسَدٌ عظيمٌ فدَنا منه وهو يصَلَّي!! ففزعت من زئير الأسَد فصَعدت إلى شَجرة قَريبة، أما صِلة فوالله ما التفتَ إلى الأَسَد !! ولا خاف من زئيره، ولا بالى به !! ثم سَجَد صِلة فاقترب الأسَدُ منه فقلت: الآن يفترسُه !! فأخَذ الأسَد يدورُ حوله ولم يصِبه بأيِّ سُوء ، ثم لما فَرَغ صِلة من صَلاته وسَلَّم ، التفتَ إلى الأسَد وقال: أيُّها السَّبُع اطْلب رزقَك في مكانٍ آخَر !! فوَلَّى الأسَد وله زئيرٌ تتصَدَّع منه الجِبَال !! فما زالَ صِلة يصَلِّي حتى إذا قرُبَ الفجْر !! جلسَ فحَمِد محامَد لم أسمَع بمثلها إلا ما شَاء الله، ثم قال: الله إني أسألك أن تجِيرني من النار، أو مثلي يجْترئُ أن يسْألك الجنَّة !!! ثم رجَع -رحمه الله- إلى فراشِه (أي ليُوهِم الجيشَ أنَّه ظلَّ طُوال الليل نائمًا) فأصْبح وكأنَّه باتَ على الحشَايا (وهي الفُرش الوثيرة النَّاعمة والمراد هنا أنه كان في غَاية النَّشَاط والحيوية) ورجَعْت إلى فراشِي فأصبَحتُ وبي من الكَسَل والخُمُول شيء الله به عَليم .
    وما أجْمل أنْ يكون لكُم ليلةً أو ليلتين من كلٍ أسبوع تجتمعون فيها على الصَّلاة معًا، فكم من سَعادة في النَّفْس وهَناءَة في البَال تلك التي تُحدِثها هذه الرَّكعات، ما يتخَللها من دعواتٍ مباركاتٍ صادقاتٍ مخلصاتٍ، يستجيب لها الرَّب -سبحانه وتعالى- كما وعَد.
    واعلم – أخي الكَريم – أنَّ كل ما جمعْتَه من مَال لأبنائك وذرِّيتك، من حُطَام هَذه الدنيا هو زائِل لا محَالة، ولا يبْقى إلا مَا تركتَه فيهم من أثرٍ من ركعَة في ليلٍ، أو آية من كتابِ الله -عزَّ وجَل-، أو كلمةٍ طيِّبة تُعلِّمها إيَّاهم، أو خُلُق نبيل غَرستَه فيهم، أو صَدَقة عوَّدتهم عليها، أو وجْهًا أو بابًا من أبوابِ الخَير دللْتهم عليه، ذلك خيرٌ وأبقى، قال الله تعالى: " {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} " [الكهف: (46)] وقد ذكر الطَّبري في تفسِيرها: وعن عليّ، عن ابن عباس، قوله وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ قال: هي ذكر الله؛ قول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله، وصلَّى الله على رسُول الله والصِّيام والصَّلاة والحجّ والصَّدقة والعِتْق والجِهاد والصِّلة، وجميع أعمَال الحَسَنات، وهنّ الباقيات الصَّالحات، التي تبْقى لأهلِها في الجَنة ما دامَت السَّماوات والأَرض.

    فليكُن لكَ ولأهْل بيتك نصِيبًا من صَلاة الليل، تقِفُون فيه ببَابه، وتُسِّرون إليه بحاجَاتكم، وترجُون فيه أن يمنحَكم السَّعادة وأنْ يهبَكم الطُّمأنينة والسَّكينة، فكَم من بابِ كانَ مغلقًا! وكَم من طَريق كان مَسْدودًا! وكم من مصيبةٍ نزلتْ بالعبْد! وكمْ من هَمٍّ وقَع به! وكَرْب اشْتدَّ عَليه! لم يرفعْه إلا ركعتَان في جوفِ الليل الآخِر، ودعْوة صَادقة ودمْعة حرَّى بين يَديْه – سبحَانه وتعالى- فعَوِّد نفسَك، ورَبِّ أبناءك وأهلَك على قيام الليل تنْعم بسَعادة الدُّنيا وفلاحِ الآخِرة والفَوز بهَا، وتكونوا أسْرةً سعيدة بإذن الله تعالى.








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

    هَدِّئ مِن رَوعِك


    محمد عزت السعيد



    لا يمرُّ يومٌ على الإنسَان إلا ويتعرَّضُ لكثيرٍ من المواقفِ التي يكون بعضُها مما يتحمَّله البَشَر، ومنها ما قد يكون بسبب الضُّغوط الحياتية من صعُوبة في أسْباب المعِيشة أو شِدَّة في العمل أو اعتداءٍ من الغَير، أو ابتلاءٍ في بَدَن أو فقدان لحبيبٍ أو غير ذلك مما جَرتْ به مقاديرُ الله على العِباد، والتي ربمَّا تخرج الإنسَان عن هدوئه واتِّزانه.
    والأمر يحتاجُ إلى هدُوء واتِّزان، بل إلى مَزيد من الهدوءِ والاتزان والبُعد عَن الانفعال، وتجنُّب القلق والتَّوتر، فعن أَبي هريرة -رضي الله عنه - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِني، قَالَ: لا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لا تَغْضَبْ» " [رواه البخاري] .
    وقد كان لنا في رسُول الله الأسْوة والقُدوة الحَسَنة، فقَد كانَ واسِع الصَّدر، فاحتمَل من زوجَاته الكَثير، وقد كانتِ الغِيرة بينهنَّ تشغَل حيَاتهن، وهنَّ بشَر من البشَر، وكنَّ يتعاملن معه زوجًا بشَرًا، وربما وصَلت مضايقتهن له بعضَ الأحيان يتجاوز الحدود، وهو ما حصَل يوم آلى منهنَّ، ولا شكَّ بأن صَبره عليهنَّ - إضَافة إلى مسؤولياته التي لا حصْر لها - يعد من عظَمة سلوُكه صَلى الله عليه وسَلم.
    وقد امتلأَت كتبُ السِّيرة بصُورٍ كثيرة لتحمُّله وصبره عليهنّ ممّا قد يقع منهنّ من الغِيرة، كمَا كان يصبر على مناقشَتهنّ إيّاه، وقد كانتْ مثل هذه التصرُّفاتِ غير مقبولة في المجتمعِ الجاهلي، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أراد أن يُعلّم النَّاس أنّ هذا من الأخلاق العَالية للرَّجُل، ويظهر صَبر النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- في عدّة صُور، منها: صَبره على هَجرهنّ له؛ فقد كان النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتقبّل من نسَائه مناقشتهنّ إيّاه في كلامِه، وقد أنكَر عُمر بن الخطَّاب -رضِي الله عنه- على زوجته رَدّ كلامِه إليه، فقالت له: «فواللهِ إنَّ أزواجَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لَيُراجِعْنُه، وتهجُرُه إحداهنَّ اليومَ إلى اللَّيلِ» ، بالإضافة إلى صَبره على سؤالهنّ إيّاه النَّفقة الزائدة ممّا ليس عنده؛ فقد كان النبيّ يتحمّلهنّ في ذلك، ويصْبر على الأمُور التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجيّة، ومن ذلك أنّه جلَس وحيدًا لا يأذن لأحَد بالدُّخول إليه إلّا لأبي بكْر، وعُمر -رضي الله عنهما-، ولمّا سألاه عن سبب سكُوته، أخبرهما أنّه بسَبب سُؤال زوجاته النَّفقة ممّا ليس عنده، وصبره على سؤالهنّ له في مسَائل شرعيّة؛ فقد كان النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أعلم النَّاس بدِين الله، وكنّ يسألنَه كثيرًا، ويُجادلْنه في بعضِ المسَائل الشَّرعيّة، وكان هو بدوره يُعاملهنّ بلُطف، ولِين، ومن ذلك حَديث النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مع حفصة -رضِي الله عنْها- في قصّة أصْحاب الشَّجرة عندما قال: (لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ: ( {وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها} ) « فقالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ» : {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا}، وصَبره على ما يقع منهنّ من تصرُّفات مختلفة، كفِعل إحْداهنّ أمرًا دُونَ عِلْمه، فلا يُعنّفها، بل يصْبر علْيها، ويرْحمها.
    و «عن عائشة -رضِي الله عنها- قالت: جَاء أبو بكر ورسول الله -صَلى الله علْيه وسَلم- واضعًا رأسه على فخِذي قد نام، فقَال: حبَسْتِ رسول الله -صلى الله علَيه وسَلَّم- والناس، وليسوا على ماء، وليسَ معهم مَاء، فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعَل يطْعنُ بيده في خاصِرتي، ولا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله -صلى الله علَيه وسَلَّم- على فخذي» . [متفق عليه]
    ومِمَّا يُحكَى أنَّ رجُلاً سأل عنْترة بن شدَّاد عن سرِّ شجاعته وانتصَاره علي الرِّجال، فقال عَنتَرة : ضَع إصْبعك في فَمِي وخُذ إصْبعي في فمِك، وعَضَّ كلَّ واحِد منهم الآخِر ، فصَاح الرَّجُل من الألم ولم يصْبر ، فأخْرج له عنترةُ إصْبعه. وقال: بهذا غَلبْتُ الأبطال...أي بالصَّبر والاحْتمال.
    قال المدَائني : رأيتُ بالبَادية امْرأة لم أرَ مثلها في الصَّبر والجَلَد، ولا أْحْسَن منها وجههًا ونضْرة، كانت دائمةَ التبسُّم والضَّحكِ ، فقلت : تالله إنْ فعَل هذا بكِ من الاعتِدال والسُّرور، فقالت : كلَّا والله إن لدَيَّ أحزانًا وخلْفي همومٌ، وسأخْبرك، وبدأَت المرْأة تحْكي له قِصَّتها قائلة : كان لديَّ زوجٌ ولي منه ابنان، فذبحُ أبوهما شَاةً في يوم عيد الأضحى والصَّبِيَّان يلعبَان، فقال الأكبر للأصغر: أَتريدُ أن أُريك كيفَ ذَبح أبي الشَّاة . قال : نعم، فذَبحَه ، فلما نظَر الي الدَّم خَاف وفزِع وهرب نحو الجبَل فأكله الذِّئبُ، فخرج أَبوه يبحثُ عنه فضَاع ومَات عطشًا، فأفردني الدَّهر، فقلتُ لها: وكيف أنتِ والصَّبر ؟ فقالت: لو دَام لي لدُمتُ له، ولكنَّه كان جرحًا فَشُفِي .
    وكُلِّ موقفٍ تظُن فيه أن عُلو الصَّوت والصِّياح والصُّراخ، أو السَّبِّ، أو الإهَانة، أو التَّعدِّي بأي شكْل من الأشْكال هو سَبيل العِلاج فغير صحيح، هو في النَّهاية لن يفْضِي إلى ما تريدُ، ولن يتحقَّق به المأمُول، ولن تتم المعَالجَة وفق ما ترجوه، والخَاسِر الوحيد هو أنت، فكَم من الأذَى النَّفسِي قد يحدُث! وكم من الألم الجسَدي الّذي قد يترتَّب على ذلك! فَعَالج بحكمة، والزم الهدُوء والحِلْم، وفي الحديث الشريف عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسُول الله -صلى الله علَيه وسَلَّم- "إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ".
    وأنتَ في أُسْرتك ومع زوجتِك وبين أولادك قد ترى منهم مالا يعجُبك، وقد يحدث بينكما أو بينكُم ما لا ترضاه، فقد ترفَع زوجتُك صَوتها عليك فتتأذَّى من ذلك، أو لا تلَبِّي لك طلبًا أو تتأخَّر عن استجابةٍ في أمر أَو غيرها من المواقف التي تمتَلئ بها حياتُنا اليوميَّة، وقد ترى منْ أبنائِك ما لا يرْضيك، وقد يقْترف أحدُهم خَطأً أو يتعدى بفعلٍ أو قولٍ، وربما لا تتَمالَك نفسَك فيكون ردَّ فعْلك قاسيًّا فتنالُ منهم دونما قصدٍ.
    وسَاعتَها كن صَبورًا هادئًا، ولا يكُن أوَّل ما تفعَله صياحًا أو صُراخًا أو تعديًا بيدٍ أو قدمٍ، وإيَّاك أن تفعلَ، فتلك خَسَارة فَادحة، بل هدِّئ مِن روْعِك، والتَزم الصَّبر، واحْرص على الاتزان وعَالج كل مَوقف بحكْمة، وقد يكونُ العِلاج الصَّمتَ أو الانْصِراف عن الحَديث أو النَّظر بدهْشة وتعَجُّب.

    ولا تنتهي مشَاكل الحياةِ وصُعوباتها، لكِنَّ الحِكمة والصَّبرَ والهدوءَ عند التعامل مع المشْكلة يسَّرع من حلِّها، ويخفِّف من تبعَاتِها، وإنَّك لتعجَب من ارتفَاع نسْبة الطَّلاق والخُلع في هذا العَصْر، ففي دراسة حديثة في بعْض إحْدى البلدان العَربيَّة بلغت حَالات الطَّلاق في العَام 2020م ما يربُو على 60 ألف حَالة، بنسبة مقدارها 12.7%، ومن أهَمِّ هذه الدَّواعي والأسْباب التي تؤَدي إليه، هو عدمُ تحمُّل أطْراف العَلاقة الزوجيَّة للآخَر، تحمَّل زوجَتك واصْبر على تصرُّفاتها، وكن هينًا لينًا معَها، ولتصْبري على زوجَك، ولتكُوني طيعَة له، واصْبروا على أبنائِكم، فالتربية ليست سهلة بسيطة، تحتاج منكم التعَامل بهدوءٍ في كل مواقِف الحيَاة، سَاعتها تنعمونَ بحياتكم، وتِجدون فيها السَّعادة والسُّرور.








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •