المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني
كتب من شعر المغازي ما هجا المسلمون المشركين
نعم
عَنْ أَنَس بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُم ْ) . رواه أبو داود (2504) والنسائي (3069) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"عيب ديننا ، وشتم نبيِّنا : مجاهدة لنا ، ومحاربة ، فكان نقضاً للعهد ، كالمجاهدة ، والمحاربة بالأَوْلى .
يبين ذلك : أن الله سبحانه قال في كتابه : (وَجَاهِدُوا بِأَمْوالِكم وَأَنْفِسكم فِي سَبيلِ الله) التوبة/41 ، والجهاد بالنفس : يكون باللسان ، كما يكون باليد ، بل قد يكون أقوى منه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (جَاهِدُوا المُشْرِكين بِأَيْدِيكُم وَأَلْسِنَتِكُم وَأَمْوالِكُم) رواه النسائي وغيره ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت : (أهْجُهُم وَهَاجِهِم) ، (وكان يُنصب له منبر في المسجد ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره ، وهجائه للمشركين) – رواه البخاري تعليقا ، ورواه أبو داود والترمذي متصلاً ، وحسنه الألباني - ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوح القُدُس) – متفق عليه - ، وقال : (إِنَّ جِبرائيلَ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم) – وهو الحديث قبل السابق - ، وقال : (هِيَ أَنْكَى فِيهُم مِن النَّبْل) – رواه مسلم – " انتهى .
"الصارم المسلول" (1/213)
وينبغي أن يكون ذلك ردّاً على هجاء أولئك الكفار للإسلام ، أو لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وقد دلَّ النص القرآني على عدم جواز ابتدائهم بالسب ، والهجاء ؛ خشيةً من تعرضهم لله تعالى ، أو لدينه ، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم ، بالسب والشتم ، فقال الله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108 .
ومما يدل على جواز هجاء الكفار والمشركين ردّاً عليهم -
ما أخرجه الإمام أحمد عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: لمَّا هجانا المشركون، شكوْنَا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((قولوا لهم كما يقولون لكم))، قال: فلقد رأيتنا نُعَلِّمُه إِمَاءَ أهلِ المدينة"
وأيضا ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت رضي الله عنه : (اهْجُهُمْ - أَوْ قَالَ : هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (5801) ومسلم (2486) .
قال العيني رحمه الله :
"قوله (اهجهم) : أمرٌ مِن هجا ، يهجو ، هجواً ، وهو نقيض المدح .
قوله (أو هاجهم) : شك من الراوي ، من المهاجاة ، ومعناه : جازهم بهجوهم .
قوله (وجبريل معك) : يعني : يؤيدك ، ويعينك عليه" انتهى .
"عمدة القاري" (15/134) .
وفي ذِكر جبريل عليه السلام في الحديث دون غيره من الملائكة حكمة بالغة .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
"وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل ، وهو روح القدس ، بنصرة من نصره ، ونافح عنه ؛ لأن جبريل صاحب وحي الله إلى رسله ، وَهُوَ يتولى نصر رسله ، وإهلاك أعدائهم المكذبين لهم ، كما تولى إهلاك قوم لوط ، وفرعون ، في البحر .
فمَن نصر رسول الله ، وذب عنه أعداءه ، ونافح عنه : كان جبريل معه ، ومؤيِّداً له ، كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَة ُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) التحريم/4" انتهى .
"فتح الباري" لابن رجب (2/509) .
وبالتأمل في سبب ورود الحديث : يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت بهجاء المشركين ردّاً على طعنهم ، لا أن ذلك كان ابتداءً .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وفي الحديث : جواز سب المشرك ، جواباً عن سبه للمسلمين , ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين : لأنه محمول على البداءة به , لا على من أجاب منتصراً" انتهى .
"فتح الباري" (10/547) .
وفي "حاشية السندى على صحيح البخارى" (4/141) :
"وقوله : (بِرُوحِ القُدُس) هو جبريل ، في ذلك إشارة إلى أن هجو الكفار من أفضل الأعمال ، ومحله : إذا كان جواباً ، كما هنا ، وإلا فهو منهي عنه لآية : (وَلاَ تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دِونِ اللهِ)" انتهى .
أخرج الإمام البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اهجُوا قريشًا؛ فإنَّه أشدُّ عليها من رشقٍ بالنَّبْلِ))، فأرسل إلى ابن رواحة، فقال: ((اهْجُهُم))، فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثمَّ أرسل إلى حسَّان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن تُرسِلوا إلى هذا الأسد الضَّاربِ بِذَنَبِه، ثم أَدْلَعَ لسانه فجعل يُحَرِّكُهُ، فقال: والذي بعثك بالحق، لأفْرِيَنَّهُمْ بلساني فَرْي الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تعجل؛ فإنَّ أبا بكر أعْلمُ قريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسبًا، حتى يُلَخِّصَ لك نسبي))، فأتاه حسَّانُ، ثمَّ رجع، فقال: يا رسول الله، قد لَخَّصَ لي نسبَك، والذي بعثك بالحق لأَسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشَّعرةُ من العجين، قالت عائشة: فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: ((إنَّ رُوحَ القُدُس لا يزالُ يُؤَيِّدُكَ ما نافحتَ عن الله ورسوله))، وقالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هجَاهُم حسَّانُ فشَفى واشْتَفى)).
قال حسان ابن ثابت رضي الله عنه:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ * وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا * رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي * لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا * تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ * عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ * تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا * وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ * يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا * يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا * هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ * سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ * وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا * وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ