عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم، إذا أتي أحدكم على مليء فليتبع".
والحوالة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع وهي تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.قوله: (مطل الغنى ظلم)، وفي رواية عند النسائي وابن ماجه: "المطل ظلم الغني".
قال الحافظ: (والمعنى أنه من الظلم، وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل، وأصل المطل المد، قال ابن فارس: مطلت الحديدة امطلها مطلًا: إذا مددتها لتطول، وقال الأزهري: المطل المدافعة، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذرٍ، والغنى مختلف في تفريعه، ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخَّره ولو كان فقيرًا، قال: وقوله مطل الغني هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور، والمعنى أنه يحرُم على الغني القادر أن يمثل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز.قوله: (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع).
قال النووي: المشهور في الرواية واللغة إسكان المثناة في أتْبع وفي فليتْبع.قال الحافظ: ومعنى قوله: (أتبع فليتبع)؛ أي: أحيل فليحتل، وقد رواه بهذا اللفظ أحمد، قال ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ: فإذا أحلت على مليء فاتَّبعه، وهذا بتشديد التاء بلا خلاف، والمليء بالهمز مأخوذ من الملاء، يقال: ملؤ الرجل بضم اللام؛ أي صار مَليًّا.وقال الكرماني: الملي كالغني لفظًا ومعنى، قال الخطاب: إنه في الأصل بالهمز، ومن رواه بتركها فقد سهَّله.
قال الحافظ: والأمر في قوله (فليتبع) للاستحباب عند الجمهور، قال: وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير، وأهل الظاهر على ظاهره، وعبارة الخرقي: ومن أحيل بحقه على مليء، فواجب عليه أن يحتال)[1]؛ انتهى.قوله: (إذا أتبع أحدكم).
قال الحافظ: (ومناسبة الجملة للتي قبلها أنه لما دل على أن مطل الغني ظلم، عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال دون المحيل، ففي قبول الحوالة إعانة على كفه عن الظلم، وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يعد فعله عمدًا كبيرة أم لا، فالجمهور على أن فاعله يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمثله مرة واحدة أم لا، قال: ويدخل في المطل كل من لزمه حق كالزوج لزوجته، والسيد لعبده، والحاكم لرعيته وبالعكس، واستدل به على أن العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم وهو بطريق المفهوم، قال: واستدل به على أن الحوالة إذا صحت، ثم تعذَّر القبض بحدوث حادث كموت أو فلس، لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل؛ لأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة، فلما شرطت علم أنه انتقل انتقالًا لا رجوع له كما لو عوضه عن دينه بعوض، ثم تلف العوض في يد صاحب الدين، فليس له رجوع، وقال الحنفية: يرجع عند التعذر وشبهوه بالضمان)[2]؛ انتهى.
وقال البخاري: باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة، وقال الحسن لقتادة: إذا كان يوم أحال عليه مليًّا جاز، وقال ابن عباس: يتخارج الشريكان وأهل الميراث، فيأخذ هذا عينًا وهذا دينًا، فإن نوى لأحدهما لم يرجع على صاحبه[3].
قال الحافظ: (قوله: وقال الحسن لقتادة: إذا كان أي المحال عليه يوم أحال عليه مليًّا جاز؛ أي: بلا رجوع، ومفهومه أنه إذا كان مفلسًا، فله أن يرجع، وقال: مالك لا يرجع إلا إن غره كأن علم فلس المحال عليه ولم يعلمه بذلك، وقال الحسن وشريح وزفر: الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء.قال الحافظ: وبه يشعر إدخال البخاري أبواب الكفالة في كتاب الحوالة)[4].قال في الاختيارات: (والحوالة على ماله في الديون إذًا في الاستيفاء فقط، والمختار الرجوع ومطالبته)[5]؛ انتهى، والله أعلم.
قال الحافظ: (واستدل بالحديث على ملازمة المماطل وإلزامه بدفع الدين، والتوصل إليه بكل طريق وأخذه منه قهرًا، واستدل به على اعتبار رضا المحيل والمحتال دون المحال عليه؛ لكونه لم يذكر في الحديث، وبه قال الجمهور، وفيه الإرشاد إلى ترك الأسباب القاطعة لاجتماع القلوب؛ لأنه زجر عن المماطلة، وهي تؤدي إلى ذلك)[6]؛ انتهى، وبالله التوفيق.

[1] فتح الباري: (4/ 465).
[2] فتح الباري: (4/ 466).
[3] صحيح البخاري: (3 /123).
[4] فتح الباري: (4/ 464).
[5] الاختيارات الفقهية: (1 /477).
[6] فتح الباري: (4/ 466).



رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/sharia/0/140918/#ixzz6RE1KDpVl