الحمد لله الذى عافانىلقد أُصِبت بمرض شديد فى القصبه الهوائية وانسلاخ فى الغشاء المبَطن لها مما ادى اى دخولى فى حالة اختناق وسعال دائم ونقص فى الاكسجين الداخل الى الحسم وأدى كل ذلك الى ان اصبحت جثة هامدة حتى وصل ِبىَ الامر الى حالة الاحتضار فأوصيت اولادى وزوجتى بوصيتى - وأخبرتهم بأن هذه الروح لم تعد صالحة لهذا الجسد- ولكنهم لم يتركونى وقد استفرغوا وسعهم فى الاهتمام بى - وهذا من فضل الله عَلىَّ - ان تجد من يحبك ويهتم بك فى وقت الشدة-حتى منَّ الله علَىَّ بالتعافى- لقد وصل بى المرض الى الاحتضار وكان يغمى علَىَّ- وأول مرة اغمى علىَّ فيها وجدت نفسى مع اهل القبور
فمررت على كثير ممن احبائى واخوانى الذين سبقونا بالايمان وكانوا على جانبىّ الطريق الذى اسير فيه - وغبطتهم على ما هم فيه من النعيم - لانهم ممن اشتشهدوا فى سبيل الله-
اما انا فها انا ذا أموت على سرير المرض -
فمررت بينهم على استحياء حتى وصلت الى نهاية الطريق
فوجدت قبرى ونُزُلِى وكان مظلما موحِشا شديد الظلمة
فقلت فى نفسى كيف سأجلس هنا وحيدا بلا أنيس -
بلا اب ولا ام ولا زوجة ولا اولاد ولا اخوان -
وردَّدت فى نفسى ما هو الانيس فى هذه الدار وهذه الوحدة
-وتواردت الاسئلة فى نفسى
كيف سأرد على الملكين اذا سألونى عن اسئلة القبر الثلاث-
وقد كنت فى هذا المرض اغلب جانب الرجاء وأستحضر دائما حسن الظن بالله- وأتوسل الى الله بأن غاية اهتمامى كان اهم المهمات -
توسلت الى الله باهتمامى بالتوحيد -ان يتوفنى عليه- كنت ادعوا الله دائما بالموافاة على الاسلام - وان يجعلنى ممن اجيب على اسئلة القبر الثلاث---
لم أكن بفضل الله اخشى الموت ولكن ما كنت اخشاه هى ذنوبى كيف سألقى الله بها هذه كانت حسرتى -لم اكن اتوجع من المرض بقدر التوجع من الذنوب-
رحلتى مع المرض-
عرفتنى قدر نفسى واننى عبد ضعيف محتاج الى الله فى كل لحظة-
عرفنى المرض
ان ازهد فى كل ما يتعلق بالدنيا لانها تزول فى لحظة
عرفنى المرض
ان اترك مالا ينفع فى الاخرة-
لقد استغرق المرض معى اسبوعين او اكثر
- فتعجبت من صبر أيوب عليه السلام وصبر زوجته معه-فقد لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة صابرا محتسبا- فهان علَىَّ ما انا فيه-
تعلمت من هذه الرحلة مع المرض
انه كما ان المرض مصيبة تضر بالبدن-فله ايضا من الفوائد والانتفاع
قال ابن القيم رحمه الله:
انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض أمر لا يحس به إلا من فيه حياة، فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها، ولولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلوب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين، أن يتفقد عبده في بعض الأحيان بأنواع من الوصايا تكون حمية له من هذه الأمراض الخطيرة، وحفظاً لصحة عبوديته، واستفراغاً لهذه الأدواء الفاسدة الرديئة، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه.
فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بالأمراض لطغوا وبغوا وعتوا، والله يريد بعبده الخير، فيسقيه من أنواع الابتلاء والأمراض ما يستخرج به قلبه مهذباً نقياً صافياً، ويرفع درجته ويزيد في حسناته، ولذلك كان السلف رحمهم الله يفرحون بالبلاء والمرض كما يفرح أحدنا بالمال والصحة.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
تعلمت من رحلتى مع المرض -
ان البلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل
المرض يطلعك على حقيقة نفسك فتعلم أنك عبد ضعيف ، لا حول لك ولا قوة إلا بربك ، فتتوكل عليه حق التوكل ، وتلجأ إليه حق اللجوء ،فيسقط الجاه ، والعجب والغرور والغفلة ، وتفهم أنك مسكين ضعيف يجب ان تلجأ إلى القوي العزيز سبحانه .
وكما تقدم فى كلام الامام ابن القيم
" فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه " انتهى .
لقد تعلمت من المرض
التمييز بين الأصدقاء والاخوان الحقيقيين وأصدقاء المصلحة كما قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي
وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
تعلمت من رحلتى مع المرض
ان المرض فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة ؛ فإنَّ الله تعالى يقول : ( وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ ) السجدة/21 ، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من الامراض والسوء والشر .
تعلمت من رحلتى مع المرض
انه إذا استمرت الحياة هانئة ، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله ، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه .
تعلمت من رحلتى مع المرض
أنَّ الأمراض والمصائب نعمةٌ ومنحةٌ مِن الله ورحمة
قال سفيان الثوري: (ليس بفقيهٍ مَن لم يَعُدّ البلاء نعمة، والرخاء مصيبة)
قال ابن القيم رحمه الله ذلك في مدارج السالكين فقال: (ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين، فتسقط من عينه)
ايقنت برفق الله عز وجل بالمريض والتخفيف عنه
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم
ان ما كان يعملُهُ العبد من الطاعات والقُرُبات، ومنعه المرض من فِعله، فهو مكتوبٌ له ولو لم يفعله ؟!.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)
وعن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا ابْتَلَى اللهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ، قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، فَإِنْ شَفَاهُ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ، غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ)
تعلمت من رحلتى مع المرض
حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور
وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا ،
في حياة لا مرض فيها ولا تعب
( وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ ) العنكبوت/64 ، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ : ( لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ ) البلد/4 .
تعلمت من رحلتى مع المرض
فضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية
فإنَّ هذه المصيبة تبين لك - بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تتمتع بهما سنين طويلة ،، ولم تقدِّرهما حق قدرهما .
تعلمت من رحلتى مع المرض
ان اشكر الله عز وجل بما انعم الله عليَّ من الصحة والعافيه-
أسأل الله العفو والعافية فى الدنيا والاخرة لى ولجميع مرضى المسلمين
أسأل الله ان يتوفنى مسلما
أمين