ملخص الرسالة
الفوز في القرآن الكريم
دراسة موضوعية
المقدمة:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين وبعد:
فإن معنى الفوز في زمن العولمة وانحطاط المسلمين اختلط في وجدان الكثيرين وأذهانهم فمنهم من يرى الفوز في ساحات الكرة؛ حيث تقوم الدنيا إذا دخلت الكرة المرمى، ومنهم من يرى الفوز في صفقة تجارية دنيوية رابحة، حيث يزداد رصيده المالي، ومنهم من يرى الفوز في الحصول على شهادات جامعية تحسن وضعه الاجتماعي والاقتصادي والمعنوي في غياب تام عن مستلزمات اليوم الآخر، وفي هذا البحث محاولة متواضعة لتجلية معنى الفوز كما ورد في كتاب الله الذي قال الله في وصفه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
في هذا البحث بيان المسلكيات المفضية إلى الفوز بكل مواصفاته عظمة وكبرًا، وبيانًا، وتوصيف ذلك الفوز جناًنا، وأنهارًا، ومساكن وأشجارًا، ومناخًا وأمًنا، فعقل الإنسان الدنيوي لا يستوعب ذلك النعيم؛ فأشار إليه الحق سبحانه وتعالى بالأمثال لتقريب المعنى.
سبب اختيار الموضوع:
نرى الناس في هذا الزمن يتسابقون إلى الفانيات، نسوا وظيفتهم التي خلقوا من أجلها، كل هذه الغفلة المحيطة بأهل هذا الزمان شدتني إلى اختيار موضوع الفوز في القرآن الكريم؛ لأن الفوز في القرآن الكريم يشير إلى النعيم المقيم وحياة الجنة في زمان نسي الناس فيه الآخرة وأحبوا الدنيا، نسوا الحساب وأحبوا الخراب.
وكان من أسباب اختياري لهذا الموضوع؛ عدم وجود دراسة متخصصة في موضوع الفوز في القرآن الكريم.
أهداف البحث:
1) يهدف البحث إلى توعية عقول الناس عند عرض الآيات القرآنية؛ وذلك بعدم تفسيرها بناء على تخبطات عشوائية، وإنما يجب الرجوع في كل منها إلى المعنى الذي قصده الشارع بناء على دلائل وقرائن تدلل على ذلك.
2) البحث في التناسب بين الآية التي وردت فيها كلمة الفوز أو إحدى مشتقاتها مع ما سبقها أو تلاها من الآيات، وبيان روعة النظم القرآني في كل منها.
3) توضيح وصف القرآن للفوز بالعظيم تارة، وبالكبير والمبين تارة أخرى، وبيان مقصد الشارع في كل منها.
4) تبيان المعاني المقاربة للفوز وسر التعبير القرآني في كل منها.
منهج البحث:
يتناول هذا البحث دراسة جميع ألفاظ الفوز في القرآن الكريم الواردة في 28 موضوعًا في القرآن الكريم، والكلمات المقاربة لها في المعنى وفق المناهج التالية:
أولًا: المنهج الاستقرائي: حيث تقوم الباحثة بجمع الآيات المتعلقة بالفوز، واستعراض التفاسير الخاصة بهذه الآيات، وهذه هي الخطوة الأولى من خطوات الدراسة الموضوعية.
ثانيًا: المنهج التحليلي: تقوم الباحثة بتحليل ما جمعته من آراء تفسيرية عاكفة عليها ببيان النكات البيانية، والإعجازية، والتربوية، واضعة اللبنة الثانية من لبنات هذه الدراسة الموضوعية.
ثالثًا: المنهج الاستنباطي: وهو عمود الدراسة الموضوعية؛ فبعد جمع المادة العلمية وتحليلها؛ تستنبط الباحثة منها الإجابات الخاصة بمشكلة البحث، وذلك بتتبع معانيها اللغوية والشرعية والمجازية، وذلك كما يرى المفسرون والعلماء.
مشكلة البحث:
ما هو الفوز الحقيقي الذي ينبغي السعي وراءه والعمل من أجل تحقيقه؟، وما هو مقصود القرآن من ربط الفوز تارة بصفة العظيم وتارة بالكبير وتارة بالمبين؟،وما هي المعاني المقاربة للفوز في القرآن الكريم وما الفروق بينها وبين الفوز؟، ومتى يكون الفوز الحقيقي أهو في الدنيا أم في الآخرة؟.
الدراسات السابقة:
لا توجد أي دراسة أو بحث أو كتب متخصصة بموضوع الفوز في القرآن الكريم سوى، مقالة صغيرة على الإنترنت للدكتورمحمد راتب النابلسي تحدث فيها بإيجاز عن قانون الفوز في القرآن الكريم، وقد عرض موضوعه من خلال عرضه التطابق بين مقاييس الفوز عند الإنسان.
وأكبر مقاييس الفوز في القرآن الكريم وبطولة الإنسان في البحث عن قوانين الفوز في القرآن الكريم.
تميز هذا البحث في أنه شمل جميع ألفاظ الفوز في القرآن الكريم، وأنه تعرض لنظائر الفوز في القرآن الكريم التي تصلح أن تكون كل واحدة منها بحًثا مستقلا، وتميز البحث أيضًا بأهم موضوع فيه وهو أنواع الفوز في القرآن الكريم، فكل نوع يحتاج لصفحات عديدة للإلمام به من كل جوانبه، وتميز أيضا بتناوله لصفات الفائزين التي عبر القرآن عنها، والثمرات التي يجنيها أهل الفوز،كما يعدَ موضوع هذه الدَراسة، من الموضوعات المهمة التي من شأنها جمع عدة موضوعات ذات علاقة محَددة في سرد واحد، إضافة إلى كونها تعطي الدارس إجابة عن معظم الأسئلة التي تدور حول موضوع الفوز في القرآن الكريم من الناحيتين البيانيَة والتفسيريَة علاوة على أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها والتي تتناول معظم جوانب خطة هذا البحث في أطروحة مستقلة في ضوء ما وقعت عليه الباحثة.
خطة البحث:
لقد قسَّمت الموضوع إلى الفصول والمباحث الآتية:
الفصل الأول: معنى الفوز ودلالاته في السياق القرآني.
المبحث الأول: الفوز في اللغة والاصطلاح.
المبحث الثاني: الفوز في السياق القرآني.
المبحث الثالث: مرادفات الفوز في القرآن الكريم.
المبحث الرابع: الخلاصة.
الفصل الثاني: أنواع الفوز في القرآن الكريم.
المبحث الأول: الفوز العظيم.
المبحث الثاني: الفوز الكبير
المبحث الثالث: الفوز المبين.
المبحث الرابع: سر اقتران الفوز بضمير الفصل "هو".
الفصل الثالث: صفات الفائزين وثمرات أهل الفوز.
المبحث الأول: صفات الفائزين.
المبحث الثاني: ثمرات أهل الفوز.
الخاتمة:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على نبيه محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن هذا البحث الموسوم "الفوز في القرآن الكريم" تمخض عن الكثير من النتائج وهذه جملة منها:
------------------
1) لا ترادف بين ألفاظ القرآن وذلك لِمَا تميز به أسلوب القرآن في تخيُّره لألفاظه التي تؤدي المعنى المراد دون سواها من الألفاظ، وإنْ كانت قريبة من معناها حتى يُظن أنها مرادفة لها.
2) من سمات الفوز العظيم خلود بلا موت (انتفاء الموت) وانتفاء التعذيب (لا عذاب).
3) الفوز العظيم هو الجائزة الكبرى التي يحصل عليها المؤمن عندما يحتضر تأتيه بشائرها كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
4) الآية الفريدة في القرآن الكريم التي ورد فيها أن الأنهار تجري تحت الجنان بدون حرف "من" بينما "تجري من تحتها" وردت 36 مرة حسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وفي ذلك إشارة إلى خصوصية هذه الفئة من كبار الصحابة الذين أقام الله الدين على أيديهم، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وعبارة "تجري تحتها" بدون "من" إشارة إلى أنها جنات مخصوصة تحيط بها المياه من كل الجوانب كالجزيرة البحرية في الدنيا، وليست مجرد أنهار تجري على اليابسة - والله أعلم -.
5) الفوز العظيم في القرآن الكريم يشير إلى الفوز الأخروي، أما في الدنيا فليس كذلك، وهذا ما تشير إليه الآية: ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ﴾ [الصف: 13]، أي أن الإنسان مجبول على حب العاجلة، ورؤية نتائج دنيوية: ﴿ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف: 13].
6) العامل المشترك في الفوز العظيم غفران الذنوب، ودخول الجنات ذات المواصفات، ومساكن طيبة ورضوان من الله أكبر، والنجاة من السيئات (غفران السيئات) وخلود، لا موت.
7) إن كلمة "الربح" تستعمل في الكسب المالي عن طريق التجارة: ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾ [البقرة: 16] سورة البقرة، بينما الفلاح التفوق في أداء واجب شاق مثل السباقات ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1] يقال: أفلح في السباق، ويقال: فاز بالجائزة،والفلا ح في القرآن يكون الفوز بالدارين الدنيا والآخرة فهو أعم من الفوز، والنصر:التفوق على الخصم بالقوة والإسناد، وكل منتصر له إسناد، وهناك إسناد إلهي لهم:- ﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ﴾ [الصافات: 172]، بينما الظفر، وهو نصر موجع للخصم: ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 24]، أما القهر، فهو الاستيلاء على إرادة العدو بالكامل بعد الظفر: ﴿ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]؛ بحيث يصير لا حول له ولا قوة: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾ [الروم: 2، 3]، والسباق سرعة السير، والسبق يشير إلى التفوق الزمني، ويستعمل في سباق الآخرة كما يستعمل في التسابق على عمارة الدنيا: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ﴾ [آل عمران: 133]. والظفر التمكن من المطلوب، وإخراجه إلى دائرة الطلب، والظفر أن تخرج عدوك من المعركة جولة واحدة نهائيًا، بينما الغلبة في الدنيا أن تغلبه مرة واحدة،أما الفتح، فهو إذا تمكنت من عدوك واستوليت على أرضه وصار تحت حكمك فهذا فتح.وقد أوضحت معنى كل منها حسب مقصود القرآن والفرق بينها وبين الفوز كل في مكانه كما سبق ذكره.
8) دور المدد الغيبي في إحراز المؤمن للفوز العظيم في الجنة، فهو من رحمة الله.
9) الخلود في الجنة اقترن بالأبدية في تسعة مواضع من القرآن، وفي 21 موضعًا ذكر الخلود في الجنة بدون الأبدية.
10) سر اقتران الفوز بضمير الفصل "هو" في ثمانية مواضع في القرآن الكريم، في سبعة مواضع اقترن ضمير الفصل "هو" مع الفوز العظيم، وفي موضع واحد مع الفوز المبين.
11) الفوز العظيم هو دخول جنة القلب ولقاؤه تعالى في الدنيا والآخرة، ولكن لما كان هذا الفوز غير ظاهر بالنسبة إلى العامة، وكان الظاهر عندهم الفوز بالجنة قيل: هو الفوز المبين، وإن اشتمل الفوز المبين على الفوز العظيم؛ لأن الجنة محل أنواع الرحمة.
12) قوله تعالى ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 11] ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ ﴾ ولم يقل تلك؛ لدقيقة لطيفة وهي: أن قوله "ذلك" إشارة إلى إخبار الله بحصور هذه الجنات، ولو قال: "تلك" لكانت الإشار ة إلى نفس الجنات وإخبار الله عن ذلك؛ يدل على كونه راضيًا، والفوز الكبير وهو رضى الله لا حصول الجنة، وحصول الجنات هو الفوز الكبير وحصول رضى الله هو الفوز الأكبر كما قال تعالى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72] وإنما لم يقل "تلك"؛ لأن نفس الجنات من حيث هي ليست بفوز، وإنما الفوز حصولها ودخولها".
13) الفوز الكبير هو رضا الله لا دخول الجنة.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/library/0/140572/#ixzz6OslBAfDL