السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه دراسة وتخريج لأثر عبد الله بن مسعود: " إِنَّ فِي كِتَابِ اللهِ لَآيَتَيْنِ مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَرَأَهُمَا فَاسْتَغْفَرَ اللهَ إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ} [آل عمران: 135] ، وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] "
الطريق الأول:
أخرجه سعيد بن منصور فى "التفسير" (526) ومن طريقة أخرجه الطبراني (9035) ، وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة فى "المصنف" (29523) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وعَلْقَمَةَ، قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الأثر.
قال الهيثمي فى "مجمع الزوائد" (11/7): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
قلت: فى إسناده أبو إسحاق السبيعي مشهور بالتدليس وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث هنا وقد اختلط باخره وأبو الأحوص سمع منه بعد الإختلاط ، وقال العجلي:لم يسمع أبو إسحاق من علقمة شيئا ، وروى البيهقيُّ في "سننه" (8/ 76) أنَّ رجلًا قال لأبي إسحاق: "إنَّ شعبةَ يقول: إنك لم تسمع من علقمة؟ قال: صدق. ، لكنه سمع من الأسود بن هلال على كل حال.
وأخرجه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في هامش "تفسير ابن أبي حاتم" (2 / ل 180 / أ) ، فقال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، عن سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأسود وعلقمة قالا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ (النِّسَاءِ) ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً)
. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً). وعزاه إليه السيوطي فى "الدر المنثور" (578/2) ، وأورده القرطبي فى "التفسير" (880/5).
وهذا فيه مخالفة فى ذكر اية النساء بدلاً من اية ال عمران ، والاختلاف على أبى إسحاق السبيعي والراوى عنه هنا هو سفيان الثورى وقد روى عنه قبل الإختلاط بخلاف أبى الأحوص فهذه الرواية أولى بالقبول.
الطريق الثاني:
أخرجه الطبراني فى "مسند الشاميين" (1444) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، وأبو عبيد فى "فضائل القران" (ص277) قال:حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ كلاهما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ، عَنْ أَبِي الْفُرَاتِ مَوْلَى صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الأثر.
فى إسناده أبى الفرات ترجمه ابن عساكر فى "تاريخ دمشق" (130/67) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقال ابن عبد البر فى "الاستغناء" (1511/3): أبو الفرات، روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ((ما أخاف عليكم الفقر، ولكني أخاف عليكم الغنى)) ، روى عنه فضيل بن غزوان، قال أبو أحمد الحاكم: وقد روى فضيل بن غزوان، عن شداد بن أبي العالية أبي الفرات، عن أبي داود الأحمري، عن حذيفة، فلا أدري، أهما اثنان أو واحد؟ ... ، وربما أرسل أبو الفرات حديثه عن عبد الله، وهما واحد) .
قلت: مع أنه يبعد عندي جداً أن يكون أبو الفرات هو شداد بن أبي العالية فشداد أيضاً مجهول الحال ، قال الحافظ ابن حجر فى "تهذيب التهذيب" (317/4):ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وذكره ابن حبان في الثقات.
ولم أجد مولى لصفية أم المؤمنين كنيته أبو الفرات ، فهو مجهول على كل حال.
الطريق الثالث:
أخرجه سعيد بن منصور فى "التفسير" (687) ، ومن طريقه أخرجه الطبراني فى (9070 ) قال: حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الأثر.
وهذا إسناد ضعيف لضعف الليث بن أبي سليم قال عنه الحافظ ابن حجر فى "التقريب": صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فتُرك. ، وإبراهيم النخعي وإن لم يدرك عبد الله بن مسعود فمراسيله عنه صحيحة. قَالَ العلائي: (هُوَ مكثر من الْإِرْسَال وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة صححوا مراسيله وَخص الْبَيْهَقِيّ ذَلِك بِمَا أرْسلهُ عَن ابْن مَسْعُود) انظر "تحفة التحصيل" (ص20). وقال الأعمش: قلت لإبراهيم أسند لي عن ابن مسعود فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت, وإذا قلت قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله. انظر "تهذيب التهذيب" (178/1).
وقال الهيثمي فى "مجمع الزوائد" (11/7): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكِ ابْنَ مَسْعُودٍ.
قلت: تقدم الجواب عن الإنقطاع بين إبراهيم وابن مسعود ، وكان الأولى به إعلاله بضعف الليث بن أبي سليم! ، ويتضح الأمر أكثر بما أخرجه ابن أبي الدنيا فى "التوبة" (20) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الأثر.
وهذا إسناد صحيح يُظهر أن إبراهيم النخعى سمعه من الأسود وعلقمة ، ثم إن فيه متابعة ل الليث بن أبي سليم ، فالأثر من هذا الطريق صحيح الإسناد.
وأخرجه البيهقي فى "شعب الإيمان" (1926) من طريق عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ [أبو هبيرة]، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الأثر.
قلت: فعلى ذلك أبو هبيرة يرويه تارة عن ابن مسعود وتارة عن إبراهيم النخعى عن ابن مسعود ، وأبو هبيرة روى عن جمع من الصحابة وأرسل عن بعضهم ولم يذكروا أنه روى عن ابن مسعود ، والصواب رواية ابن أبي الدنيا إن شاء الله.
والخلاصة: أن هذا الأثر صحيح عن ابن مسعود بذكر اية ال عمران واية النساء.