بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:

فإن ابن هانئ الأندلسي غلا في ممدوحه غلواً قبيحاً ممجوجاً حين قال في قصيدة مطلعها:

ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ *** فاحكم فأنت الواحد القهارُ
و كأنما أنت النبي محمد *** و كأنما أنصارك الأنصار
أنت الذي كانت تبشرنا به *** في كتبها الأحبار و الأخبار

و البيت الأول كفر صريح لأنه إنكار القدر الذي هو الركن السادس من أركان الإيمان، و تكذيب لقول الله تعالى في القرآن الكريم:
(و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) في سورة التكوير.
و قوله سبحانه: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) في سورة القمر.

كما أن اسم (الواحد القهار) خاص بالله العظيم لا يشاركه فيه أحد من المخلوقين كما قال ابن القيم رحمه الله في قصيدته النونية الشهيرة بـ: (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية):

فالواحد القهار ليس في الـ *** إمكان أن تحظى به ذاتان

فوصف المخلوق بوصف لا يليق إلا بالخالق لون من الشرك، و يقابله لون آخر من الشرك و هو وصف الخالق بوصف لا يليق إلا بالمخلوق.

و أردت أن أرد على ابن هانئ الأندلسي فنظمت هذه الأبيات:

ما شئتَ كان تبارك الجبارُ *** نِعْمَ الإله الواحد القهارُ
آمنت بالقدر الذي أثْبَتَّه *** و رضيت ما جاءت به الأقدار
هذا عُبَيْدك قد أتاك ذنوبه *** فاقت بحاراً فاعف يا غفار
فلأنت ربي من ألوذ بجوده *** و به أعوذ فتُدْفع الأخطار
أسلمت وجهي للمليك فعنده *** سِيّانِ إعلانٌ أو الإسرار

شرح الأبيات:

(ما شئت كان) إشارة إلى الحديث الشريف: (ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن).

(نِعْمَ الإله الواحد القهار) مقتبس من القرآن الكريم في قول الله تعالى في سورة الحج: (و اعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى و نعم النصير).

البيت الرابع جمع بين اللياذ و العياذ، و اللياذ طلب جلب الخير و العياذ طلب دفع الشر، و قد جمع بينهما قبلي المتنبي في قوله:

يا من ألوذ به فيما أؤمله *** و من أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره *** و لا يهيضون عظماً أنت جابره

و قد روي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان يدعو بهذين البيتين في سجوده.

(أسلمت وجهي للمليك): مقتبس من القرآن الكريم في قول الله تعالى في سورة آل عمران: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله و من اتبعن).

(إعلان أو الإسرار) جمعت الخنساء بينهما قبلي في قولها:

و ما عجول على بو تطيف به *** لها حنينان إعلان و إسرار

سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.


المصادر:

موقع أدب.
البداية و النهاية لابن كثير.