ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادى له وأشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه - وسلم تسليمًا كثيرًا ..
أما بعد : فلا يخفى على مسلمٍ ان امم الكفر على اختلاف اجناسها ومللها ونحلها ، اتفقوا واجتمعوا وتعاونوا لحرب الاسلام واثارة الشبهات ضدة ، وقد امتلأت قلوبهم حقدًا وحسدًا ..
قال تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبىٍ عدوًا من المجرمين شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زُخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"
وقد قال ورقة بن نوفل لسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليتنى فيها جذعًا ، أكون حيًا حين يُخرجك قومُك" . فقال رسول الله "أو مُخرجى هم؟"
فقال ورقة " نعم ، لم يأت رجلُ قط بمثل ما جئت به الا عُودى ، وان يُدركنى يومُك أنصُرك نصرًا مؤزرًا"
وانا مُجرد مُسلم بسيط اردت الدفاع عن هذا الدين على حسب استطاعتى . بموضوع مهم ..
نبدأ بسؤال : هل جهاد الكفار من أسباب التنفير عن الدين ؟
الجواب . ان كان المورد من أهل الكتاب (اليهود - النصارى)
فيقال : يلزمك ان تطعن وتقدح فى كتبك التى تؤمن بها ، بل وفى جمهور الانبياء
اذا ان موسى وداوود وسُليمان وابراهيم الخليل ويوشع بن نون وغيرهم من الانبياء قاتلوا الكفار بالسيف كما هو مذكور عندكم .
يقول شيخ الاسلام فى (الجواب الصحيح 5/238) : "بل النصارى قد تعيب من يقاتل الكفار بالسيف ، وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
ويُغفلون ما عندهم من أن الله أمر موسى بقتال الكُفار ، فقاتلهم بنو اسرائيل بأمره ، وقاتلهم يوشع بن نون ، وبعده دواوود وسُليمان وغيرهم من الانبياء ، وقبلهم ابراهيم الخليل – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ." أ.هـ
بشارات الكتب المتقدمة بأمة تأتى تقاتل الكفار
ثم قد امتلأت كتب أهل الكتاب بشاراتٍ بنبىٍ يقهر الكفار بالسيف وبأوصاف امته . ولا تنطبق الا على محمد صلى الله عليه وسلم وامته . وبيان هذا من وجوه :
1- (الوجه الأول) : قال داوود فى مزاميره فى الزبور .
"ومن أجل هذا بارك اللهُ عليك الى الأبد ، فتقلد أيها الجبار السيف ، لأن البهاء لوجهك ، والحمد الغالب عليك ، اركب كلمة الحق ، وسمت التأله ، فان ناموسك وشرائعك مقرونةً بهيبة يمينك ، وسهامك مسنونة ، والأمم يخرون تحتك"
قال المستخرجون لهذه البشارة : فليس متقلدُ السيف من الأنبياء بعد داوود ، سوى محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو الذى خرت الأمم تحته ، وقُرنت شرائعه بالهيبة كما قال صلى الله عليه وسلم : "نُصرت بالرعب مسيرة شهر"
وقد أخبر داوود أن له ناموسًا وشرائع ، وخاطبه بلفظ الجبار ، اشارة ً الى قوته وقهره لأعداء الله ، بخلاف المُستضعف المقهور
وهو – صلى الله عليه وسلم – نبى الرحمه ونبى الملحمة ، وأمته أشداء على الكفار رحماء بينهم ، أذلةً على المؤمنين اعزةً على الكافرين .
بخلاف من كان ذليلًا للطائفتين ، من النصارى المقهورين مع الكُفار ، أو كان عزيزًا على المؤمنين من اليهود ،
بل كان مُستكبرًا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقًا وقتلوا فريقًا ([1])
2- (الوجه الثانى) : قال داوود فى الزبور : "سبحوا الله تسبيحًا جديدًا ، وليفرح الخالق من اصطفى الله له أمته وأعطاه النصر ، وسدد الصالحين بالكرامة ، يسبحونه على مضاجعهم ويكبرون الله بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوفُ ذات شفرتين ، لينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه"
وهذه الصفات انما تنطبق على محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وأمته . فهم الذين يكبرون الله بأصوات مرتفعه ، فى أذانهم للصلوات الخمس ، وعلى الأماكن العالية . كما قال جابر بن عبد الله (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – اذا علونا كبرنا ، واذا هبطنا سبحنا ، فوضعت الصلاة على ذلك) . وهم يكبرون الله بأصواتٍ عالية مرتفعة فى الأذان ، وفى عيد الفطر ، وعيد النحر ، وفى عشر ذى الحجة ، وعقيب الصلوات فى أيام منى
وذكر البُخارى عن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – أنه كان يُكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره ، فيسمعهم أهل الأسواق فيُكبرون ، حتى ترتج منى تكبيرًا
وكان أبو هريرة وابنُ عُمر يخرُجان الى السوق أيام العشر فيُكبران ويكبر الناسُ بتكبيرهما ، ويكبرون أيضًا على قراببينهم وضحاياهم ، وعند رمى الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وعند محاذاة الحجر الأسود ، وفى أدبار الصلوات الخمس
وليس هذا لأحدٍ من الأُمم – لا أهل الكتاب ولا غيرهم – سواهم ، فان اليهود يجمعون الناس بالبُوق ، والنصارى بالناقوس ، وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة ، فشعار محمد بن عبد الله وأمته
وقوله (بأيديهم سيوف ذات شفرتين) فهى السيوف العربية التى فتح بها الصحابة وأتباعهم البلاد
وقوله (يسبحون الله على مضاجعهم) هو نعتُ للمؤمنين "الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنُوبهم"
يقول شيخ الاسلام بن تيمية : "ومعلومُ قطعًا . أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم ، فانهم لا يُكبرون الله ، ولا بأيديهم سيوفُ ذات شفرتين ، لينتقم الله بهم من الأمم ، بل أخبارهم تدُل على أنهم كانوا مغلوبين مع الأمم ، لم يكونوا يُجاهدونهم بالسيف
بل النصارى قد تعيب من يقاتل الكفار بالسيف ، وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
ويُغفلون ما عندهم من أن الله أمر موسى بقتال الكُفار ، فقاتلهم بنو اسرائيل بأمره ، وقاتلهم يوشع بن نون ، وبعده دواوود وسُليمان وغيرهم من الانبياء ، وقبلهم ابراهيم الخليل – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ." أ.ه ([2])
3- (الوجه الثالث) : قال داوود فى مزمور له " ويحوز من البحر الى البحر ومن لدُن الأنهار الى منقطع الأرض ، ويخر أهل الجزائر بين يديه ، ويلحس أعدائه التراب ، ويسجد له ملوك الفرس ، وتدين له الأمم بالطاعة والأنقياد ، ويُخلص البائس المُضطهد ممن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذى لا ناصر له ، ويرأف بالمساكين والضُعفاء ، ويُصلى عليه ويُبارك فى كل حين"
ولا يشُك عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات وعرف سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة امته من بعده : أن هذه الأوصاف لا تنطبق الا عليه وعلى أمته ، لا على المسيح ، ولا على نبىٍ غيره ، فانه حاز من البحر الرومى الى البحر الفارسى ، ومن لدُن الأنهار ، جيحون وسيحون والفرات ، الى مُنقطع الأرض بالمغرب ، وهذا مطابق لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (زُويت لى الأرض ، مشارقها ومغاربها وسيبلغ مُلك أمتى ما زوى لى منها)
وهو الذى يُصلى عليه ويُبارك فى كل حين وفى كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها ، وهو الذى خرتة أهل الجزائر بين يدية :
أهل جزيرة العرب ، وأهل الجزيرة التى بين القرات ودجلة ، وأهل جزيرة الأندلُس ، واهل جزيرة قُبرص ،
وخضعت له ملوك الفرس ، فلم يبق فيهم الا من أسلم أو أدى الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ، بخلاف ملوك الروم ، فان فيهم من لم يُسلم ولم يؤد الجزية . فلهذا ذكر فى البشارة ملوك الفُرس خاصةً ، ودانت له الأُمم التى سمعت به وبأمته ، فهم بين مؤمنٍ به ، ومسالمٍ له ، ومنافقٍ معه ، وخائفٍ منه . وانقذ الضعفاء من الجبارين
بخلاف المسيح . فانه لم يتمكن هذا التمكُن فى حياته ، ولا من اتبعه بعد موته تمكنوا هذا التمكُن ، ولا حازوا ما ذُكر ، ولا صُلى عليه وبورك عليه فى اليوم والليلة ، فان القوم يدعون الهيته ويصلون له ([3])
4- (الوجه الرابع) : قال فى نبوة اشعياء : "قيل لى قم نُظارًا ، فانظر ماذا ترى .
فقلت : أرى راكبين مُقبلين .
أحدهما على حمار ، والآخر على جمل . يقول أحدهما لصاحبه : سقطت بابل وأصحابها للمنحر"
وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح ، وراكب الجمل هو محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار
وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم سقطت أصنام بابل لا بالمسيح ، ولم يزل فى اقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد ابراهيم الخليل الى أن اُسقطت بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم
وهل يمكن ان تسقط اصنام بابل الا بالقتال والجهاد فى سبيل الله ؟! ([4])
5- (الوجه الخامس) : قال حزقيال – وهو يُهدد اليهود ، ويصف لهم أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم : "وان الله مظهرهم عليكم ، وباعث فيهم نبيًا ، ومنزل عليهم كتابًا ، ومملكهم رقابكم ، فيقهرونكم ويذلونكم بالحق ، ويخرج رجال بنى قيدار فى جماعات الشعوب ، معهم ملائكة على خيل بيض متسلحين ، محيطون بكم ، وتكون عاقبتكم الى النار نعوذ بالله من النار"
وذلك أن رجال بنى قيدار : هم (ربيعة) و(ومضر) ابناء عدنان . وهما جميعًا من ولد قيدار بن اسماعيل ، والعرب كلهم من بنى عدنان ، وبنى قحطان .
فعدنان – أبو ربيعة – ومضر وأنمار من ولد اسماعيل ، باتفاق الناس .
واما قحطان فقيل : هم من ولد اسماعيل ، وقيل هم من ولد هود . ومضر ولد الياس بن مضر ، وقريش ، هم من ولد الياس بن مضر .
وهوزان مثل عقيل ، وكلاب ، وسعد بن بكر ، وبنو نمير ، وثقيف وغيرهم ، هم من ولد الياس بن مضر
وهؤلاء انتشروا فى الأرض ، فاستولوا على أرض الشام والجزيرة ومصر والعراق وغيرها ، حتى انهم لما سكنوا الجزيرة بين الفرات ودجلة ، سكنت مضر فى حران وما قرب منها ، فسميت ديار مضر ، وسكنت ربيعة فى الموصل وما قرب منها ، فسميت ديار ربيعة ([5])
6- (الوجه السادس) : قال دانيال فى تأويل رؤيا بختنصر لما سأله عنها
"انت الرأس الذى رأيته من الذهب ، ويقوم بعدك ولداك اللذان رأيت من الفضة ، وهما دونك ، ويقوم بعدهما مملكة أُخرى هى دونهما
وهى شبه النحاس
والمملكة الرابعة : تكون قوية مثل الحديد الذى يدق كل شئ . فأما الرجلان التى رأيت من خزف .
فمملكة ضعيفة ، وكلمتها مشتتة . وأما الحجر الذى رأيت قد صك ذلك الصنم العظيم ففتته ، فهو نبى يقيمه الله ، آله السماء والأرض ، من قبيلةٍ بشريعة ٍ قوية ، فيدق جميع ملوك الأرض ، وأممها حتى تمتلئ منه الأرض ومن أمته ، ويدوم سُلطان ذلك النبى الى انقضاء الدنيا ، فهذا تعبير رؤياك أيها الملك"
فهذا نعت محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – لا نعت المسيح ، فهو الذى بُعث بشريعة قوية ، ودق جميع ملوك الأرض وأممها ، حتى امتلأت الأرض منه ومن أمته ، فى مشارق الأرض ومغاربها ، وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله ، كما زال ملك اليهود ، وزال ملك النصارى .. ([6])
------
وما اشرت اليه هُنا غيضُ من فيض والا فكُتب أهل الكتاب مملوءة بشارات من هذا النوع ، ولكن أردت تنبيه المنهزمون نفسيًا أمام الكفار ، الذين بدلو الدين اقتداءًا بالامم السابقة .
فحرفوا مفهوم الجهاد فى سبيل الله وجعلوه دفاع فقط !! وتنازلوا عن دينهم ارضاءًا للكفار ..
مع ان قوام الدين امرين : 1-الحجة والبرهان 2-السيف والسنان . "كتاب يهدى وسيف ينصر"
وينبغى ان يُعلم ان الغاية من الجهاد فى سبيل الله ، انما هى اعلاء كلمة الله وتحكيم شرع الله فى الأرض ، ومحاربة الطواغيت وانظمتهم وقوانينهم ، وليس أكراه الناس على الدين ..
اذا ان الكفار : اما اهل حربٍ واما اهل عهد . واهل العهد ثلاثة أقسام . 1-أهل هدنة 2-أهل جزية 3-أهل امان
"واما المنهزمون روحيًا وعقليًا ممن يكتبون عن (الجهاد فى الاسلام) ليدفعوا عن الاسلام هذا (الاتهام) يخلطون بين منهج هذا الدين فى النص على استنكار الاكراه على العقيدة ، وبين منهجة فى تحطيم القوى السياسية المادية التى تحول بين الناس وبينه ، والتى تعبد الناس للناس ، وتمنعهم من العبودية لله ..
وهما امران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما ..
ومن اجل هذا التخليط ، وقبل ذلك من اجل تلك الهزيمة ! - يُحاولون أن يحصروا الجهاد فى الاسلام فيما يسمونه اليوم ( الحرب الدفاعية)
فيقولون وهم منهزمون نفسيًا تحت ضغط الواقع اليائس لذرارى المسلمين الذين لم يبق لهم من الاسلام الا العنوان : ان الاسلام لا يجاهد الا للدفاع !
ويحسبون انهم يسدون الى هذا الدين جميلًا بتخليه عن منهجة وهو ازالة الطواغيت كلها من الأرض جميعًا ، وتعبيد الناس لله وحده ، واخراجهم من العبودية للعباد الى العبودية لرب العباد ! لا بقهرهم على اعتناق العقيدة ، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة ..
بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة ، أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن اسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة ، تعتنقها او لا تعتنقها بكامل حريتها" أ.ه ([7])
فالحاصل : ان المقصود بالجهاد اعلاء كلمة الله ، وتحكيم شرع الله فى الِأرض ، وجعل السيادة العليا لله وحده لا شريك له ، فلا نكره احدًا على الدخول فى الاسلام ، بل اما الجزية واما الهُدنة او الاستئمان ، ولكن هذا بعد ازالة الانظمة البشرية ، والقوانين الوضعية ، وقهر الملوك والحُكام والطواغيت والمفسدين والفراعنة ، لنصبح خلفاء الله فى الارض
فان الأرض انما هى (لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)
يقول الامام ابن القيم : "فلما بعث الله رسوله-صلى الله عليه وسلم - استجاب له ، ولخلفائه بعده ، أكثر أهل الاديان طوعًا واختيارًا ، ولم يُكره أحدًا قط على الدين ، وانما كان يُقاتل من قاتله ، واما من سالمه وهادنه : فلم يُقاتله ولم يُكرهه على الدخول فى دينه ، امتثالًا لأمر ربه سبحانه حيث يقول (لا اكراه فى الدين قد تبين الرُشد من الغى)
وهذا نفى فى معنى النهى : اى لا تُكرهوا احدًا على الدين
والصحيح أن الاية على عمومها فى حق كل كافر . وهذا ظاهر على قول من يُجوز أخذ الجزية من جميع الكفار ، فلا يُكرهون على الدخول فى الدين ، بل اما أن يدخلوا فى الدين ، واما أن يُعطوا الجزية ، كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة ، وان استثنى هؤلاء بعض عبدة الأوثان
ومن تأمل سيرة النبى صلى الله عليه وسلم تبين له أنه لم يُكره أحدًا على دينه قط ، وانه انما قاتل من قاتله . وأما من هادنه : فلم يُقاتله ما دام مُقيمًا على هُدنته لم ينقض عهده ، بل أمره الله تعالى أن يفى لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم)
ولما قدم المدينة صالح اليهود ، وأقرهم على دينهم فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم ، فمن على بعضهم ، وأجلى بعضهم وقتل بعضهم
وكذلك لما هادن قُريشًا عشر سنين لم يبدأهم بقتالٍ حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده ، فعند ذلك غزاهم فى ديارهم .
وكانوا هم يغزونه قبل ذلك ، كما قصدوه يوم أُحد ، ويوم الخندق ، ويوم بدرٍ أيضًا ، هم جاؤوا لقتاله ، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم
والمقصود : أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُكره أحدًا على الدخول فى دينه البته ، وانما دخل الناس فى دينه اختيارًا وطوعًا ، فأكثر أهل الأرض دخلو فى دعوته لما تبين لهم الهدى وأنه رسول الله حقًا" أ.ه ([8])
فالخُلاصة : انه ينبغى لنا التفريق بين الاكراة على الدين ، وبين والجهاد لنحكم بشرع الله ولنفتح البلاد الاسلامية المغتصبه من قبل أعداء الأُمة ، ولنقهر الكفار ، ولا نصبح كالنصارى المقهورين مع الكُفار . الذين لم يكتفوا بتحريف العقيدة بان جعلوها وثنية كفرية شركية مخالفة للعقل الصريح والفطرة والكتب الالهية
بل تركوا قيصر يحكم بقانون الرومان ، بدلًا من شريعة الانجيل ، وقالوا (اتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)
ومعنى هذا بحسب تفسيرهم : اى ان قيصر يحكم عالم الأرض على ان الله يحكم عالم السماء
تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا ، وقالوا : من ضربك على خدك الايسر فهون له الايمن
ولهذا تاريخهم المُظلم كله : كانوا مضطهدين فيه مقهورين من قبل الكفار ، سواءًا من كان منهم على الدين الصحيح الذى بعث به المسيح ، او على الدين المُبدل المحرف ([9])
فنسأل الله ان يجعل فى هذا الدين امثال : ابوبكر وعمر وعثمان وعلى وخالد بن الوليد والعز بن عبد السلام وشيخ الاسلام ابن تيمية وابن النحاس الدمشقى
لينصروا دين الله . قال تعالى "ان الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفًا كانهم بنيانُ مرصوص" . "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" . "ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدًا عليه حقًا فى التوراة والانجيل والقران" .
"قاتلوهم حتى لا تكون فتنةُ ويكون الدين كله لله" . "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويُخذهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين ويُذهب غيظ قلوبهم"
" وما لم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان " . "لانتم اشد رهبةً فى صدورهم من الله"
"واعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوا الله وعدوكم"
قال امام المفسرين ابن جرير الطبرى : يقال منه ارهبت العدوا وانا ارهبه ارهابًا وترهيبًا وهو الرهب والرهب
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يُحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون"
"كتب عليكم القتال وهو كرهُ لكم وعسى ان تكرهوا شيئًا وهو خيرُ لكم وعسى ان تُحبوا شيئًا وهو شرُ لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون"
"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهُدمت صوامع وبيعُ وصلواتُ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا"
قال الامام أبو عبد الله الحليمى فى المنهاج 2/466 : (أبان سبحانه انه لولا دفع الله المشركين ، بالمؤمنين ، وتسليط المؤمنين ، على دفعهم عن بيضة الاسلام ، وكسر شوكتهم ، وتفريق جمعهم لغلب الشرك على الأرض ، وارتفعت الديانة ، فثبت بهذا أن سبب بقاء الدين ، واتساعه أهله للعبادة ، انما هو الجهاد ، وما كان بهذه المنزلة ، فحقيق أن يكون من أركان الايمان ، وأن يكون المؤمنون من الحرص عليه ، فى أقصى الحدود والنهايات) أ.هـ
وقال صلى الله عليه وسلم : "اغزوا باسم الله فى سبيل الله قاتلوا من كفر بالله" . "من قاتل فواق ناقة فى سبيل الله وجبة له الجنة"
"نُصرت بالرعب مسيرة شهرٍ" . "بعثت بين يدى الساعة بالسيف ليعبد الله وحده لا شريك له وجُعل رزقى تحت ظل رمحى" . "امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدًا رسول الله ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فاذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله"
"االجهاد واجب عليكم من كل أمير برًا كان أو فاجرًا ، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا ، وان عمل الكبائر"
"ثلاث من أصل الايمان : الكف عمن قال لا اله الا الله ، ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الاسلام بعمل ، والجهاد ماضٍ ، منذ ان بعثنى الله عزوجل ، الى ان يقاتل آخر امتى الدجال ، لا يُبطلة جور جائر ، ولا عدل عادل والايمان بالأقدار"
وعن سلمة بن نفيل رضى الله عنه قال : بينا أنا جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . اذ دخل رجل فقال : يا رسول الله !
ان الخيل قد سُبيت ووضع السلاح ، وزعم أقوام ان لا قتال وأن قد وضعت الحرب أوزارها
فقال رسول الله : "كذبوا ، الان جاء القتال ، وانه لا تزال امة من امتى يقاتلون فى سبيل الله ، لا يضرهم من خالفهم ، يزيغ الله بهم قلوب أقوام ، ليرزقهم منهم يقاتلون حتى تقوم الساعة ولا يزال الخير معقودًا فى نواصى الخيل ، الى يوم القيامة ، تضع الحرب أوزارها ، حتى يخرج يأجوج ومأجوج" رواه النسائى
والنصوص فى هذا كثيرة ما لو جمعت لبلغت المئين ([10])
انه والله للنبى الذى بشرت به الكتب السالفه ، الذى يقهر الله به الامم التى لا تعبده ، ويُملكه رقابهم ، ويخضع أهل الجزائر بين يديه ، انه متقلد السيف ، الضحوك القتال ، وما بشارة موسى براكب الحمار الا كبشارة عيسى براكب الجمل ، وامته هم الذين بايديهم السيوف العربية ذات الشفرتين التى فتح الصحابة بها البلاد ..
الخــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــاتمة
فانا كما ذكرت سابقًا مسلم بسيط نقلت كلام الراسخين فى العلم ، واستئنست بكلام بعض المثقفين والكتاب .. وهذا للدفاع على قدر استطاعتى ومعرفتى البسيطة ..
فقط اردت بهذا التنبيه والاشارة على امرٍ وهو ان الانبياء دينهم واحد وهو التوحيد والعقيدة واصول الدين ،
واما الشرائع فهناك شرائع كلية عامة متفق عليها (كتحريم) قتل النفس المعصومة وشرب الخمور والزنا واخذ اموال الناس بالباطل
(وايجاب) بر الوالدين وصلة الارحام والامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والجهاد فى سبيل الله وقتال الكفار لتكون كلمة الله هى العليا كما هو شرع موسى وابراهيم وداوود وسليمان
فلا ينبغى لنا ان نتنازل عن ديننا من اجل ارضاء الكفار والعلمانيين والزنادقة المنافقون .
وينبغى ان نعلم ان هذا الدين منصور بنا او بدوننا ..
قال الله تعالى "هو الذى ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهرة على الدين كله ولو كره المُشركون"
(ليُظهرة على الدين كله) أى يُعليه وينصره ظهورًا بالحجة والبيان ، والسيف والسنان حتى يظهر على سائر الاديان
قال صلى الله عليه : "اذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذى نفسى بيده لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله"
(وكفى بالله شهيدًا) أى شاهدًَا أنه رسوله وهو ناصره ومعليه ، فشهادته سبحانه وعلمه واطلاعه على أمر محمدٍ فيه كفايةً لأثبات صدقه وصدق خبره عنه ، اذ لو كان مفتريًا لعاجله بالعقوبة البليغة كما قال تعالى "ولو تقول علينا بعض الأقاويل " الايه
ومن اسمائه سبحانه الشهيد . كما قال تعالى "أو لم يكف بربك انه على كل شئٍ شهيد" اى أنه لا يغيب عنه شئ ، ولا يعزب عنه ، بل هو مطلع على كل شئ مشاهد له عالم بتفاصيله ، فشهد سبحانه أن ما جاء به حق وصدق
يقول ابن القيم : "فلا يليق به سبحانه أن يقر من يكذب عليه أعظم الكذب ، ويخبر عنه بخلاف ما الأمر عليه ثم ينصره ويؤيده ويُعلى شأنه ويجيب دعوته ، ويظهر على دينه من الآيات والبراهين من يعجز عن مثله قوى البشر ، وهو مع ذلك كاذب عليه ومفتر ، ومعلوم أن شهادته سبحانه على كل شئ ، واطلاعه وقدرته وحكمته وعزته وكماله يأبى ذلك أشد الاباء ، ومن جوز ذلك فهو من أبعد الناس عن معرفته سبحانه" أ.هـ بتصرف واختصار([11])
- عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ (1) ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)) وكان تميم الدَّاري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشَّرَف والعزُّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغَار والجِزْية. ([12])
نسال الله ان يجعلنا من جنوده فى الارض الذين يجاهدون الكفار بالحجج والبراهين ، وبالسيف والقتال
واسأله سبحانه ان ينفع بمقالتى ويجعلها خالصةً لوجهة الكريم مقربةً اليه فى جنات النعيم
ونسأل الله معلم ابراهيم وموسى وادم وسليمان وعيسى ومحمد . معلم السابقون الاولون من المهاجرين والانصار من الصحابة والتابعون لهم باحسان
ان يعلمنا ويفقهنا فى ديننا ، ويعلمنا التأويل كما علم ابن عباس وابن مسعود
اللهم احينا على الاسلام والسنة وامتنا على الاسلام والسنة
والله اعلم وصلى الله على محمدٍ وعلى اله وصحبه وسلم
______________________________ _____
([1]) راجع الجواب الصحيح (5/237-238) – العهد القديم الزمور (45/2-5) . هداية الحيارى 165
([2]) راجع الجواب الصحيح (5/237-238) . وهداية الحيارى ص 146 - البشارة فى العهد القديم – المزامير : 149/1-8
([3]) الجواب الصحيح 5/246 – هداية الحيارى ص166 . العهد القديم سفر المزامير المزمور (72) و (50)
([4]) الجواب الصحيح 5/249 . وهداية الحيارى ص168. والبشارة بسفر اشعياء الاصحاح الحادى والعشرون 6-9
([5]) الجواب 5/272 . وسفر حزقيال الاصحاح العشرين 45 - 49
([6]) الجواب 5/277 . سفر دانيال الاصحاح الثانى بكاملة
([7]) معالم فى الطريق - لسيد قطب ص59
([8]) هداية الحيارى ص30
([9]) راجع تاريخهم المظلم فى كتاب (مذاهب فكرية معاصرة)
([10]) راجع النصوص المحرضة على الجهاد فى كتاب مشارع الأشواق لابن النحاس الدمشقى
([11]) التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ص 10
([12]) وليراجع تعليقات علوى السقاف النفيسه على هذا الحديث فى موقع الدرر السنية