مسألة في شعر علي بن أبي طالب رضي الله عنه
عموم الناس يظنون أن علي بن أبي طالب كان شاعراً كما أن حسان بن ثابت أو كعب بن مالك شاعر أيضاً ، وأحسنهم طريقة يظنه شاعراً متوسطاً دون هؤلاء المشاهير ولكنه مكثر من الشعر
وذلك بسبب ذلك الديوان المطبوع له والكثير من الأشعار التي تنسب إليه والذي لا يعرفه كثيرون أن عدداً من أعيان الأدباء المهتمين بالشعر كانوا يقولون أنه لم يصح عندهم عن علي إلا بيتين فقط
قال الأستاذ محمد بن محمد حسن شُرَّاب في كتابه شرح الشواهد الشعرية في أمهات الكتب النحوية(٣/١٧٦) :" فخاضوا لظاها واستطاروا شرارها … وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام
فلو كنت بوّابا على باب جنّة … لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
قلت: وفي هذه الأبيات ما يدفع نسبتها إلى الإمام علي رضي الله عنه. منها: أن الأبيات ليس لها سند يوصلها إلى الإمام عليّ، وهي مرويّة في كتب المتأخرين ومنها:
قوله: ونادى ابن هند. ومعاوية ينسب إلى أبي سفيان، وإضافته إلى هند أمه، كأنه يعيره بها، لكونها شجعت على قتل حمزة، وأكلت من كبده، كما رووا ولكن هندا، أسلمت، وبايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعليّ بن أبي
طالب كان تقيّا عفيفا لا يكون منه، تعيير مسلم بماضيه قبل إسلامه، فالظاهر، بل المحقق أن كلّ من أسلم في العهد النبويّ، حسن إسلامه، ولم يبق في قلبه شيء من كفر.
ومنها: قوله: ونادى ابن هند في الكلاع .. الخ وتيممت همدان: وهذا معناه أن الحرب كانت عصبية قبلية. وجعل عليّ همدان جنّته وسهامه. الخ وعليّ لا يقول هذا لأنه كان يرى أن الحرب كانت في سبيل الحقّ، لا دفاعا عن شخصه، وإذا أيدّت همدان عليا، فإنما تدافع عن الحقّ الذي يمثله عليّ في رأيها.
ومنها قوله (وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام) فالشّرب: جماعة الشاربين. والمدام الخمر، وكأنه يجعلهم في الحرب، منتشين كشاربي الخمر. والإمام عليّ لن يقول هذا لأن فيه مدحا للخمر.
ومنها قوله: فلو كنت بوابا على باب جنة. الخ: وهذا لا يملكه الإمام عليّ، لأن دخول الجنة بأمر الله تعالى. ولو فرضنا أنه يقول هذا لمن قتل معه، باعتباره شهيدا، فهل يملك هذا لمن بقي منهم بعد المعركة. وكأنه ساوى بين أهل صفين وأهل بدر.
وهذا لم يقل به أحد. هذا، وقد شدّد البغدادي النكير على من طعن في نسبة الأشعار إلى عليّ بن أبي طالب مع كثرة ما روي له منها حتى كانت ديوانا. وقال: وأنا أعجب من إنكار هؤلاء نسبة سائر أشعاره الكثيرة إليه الثابتة له بنقل العلماء المتقنين. الخ [شرح أبيات مغنى اللبيب ج 4/ 191 - 192].
وهو يردّ بهذا على رواة الشعر الذين أنكروا شعر الإمام علي.
فقال السيوطي: قال المرزباني في تاريخ النحاة: قال يونس: ما صحّ عندنا ولا بلغنا أن عليّ بن أبي طالب قال شعرا إلا هذين البيتين (وأنشد بيتين).
وفي القاموس المحيط قال: قال المازني: لم يصح أن عليا تكلم بشيء من الشعر غير هذين البيتين، وصوّبه الزمخشري. [القاموس باب (ودق)].
قلت: وما قاله يونس، والمازني، فهو الأقرب إلى الحقّ، فهؤلاء رواة أثبات في الشعر وأما الذين رووا أشعار عليّ، فلم يذكروا لها سندا، وأكثر ما يقولون: قال الإمام عليّ. ثم إن الأشعار التي أوردها ابن إسحاق في السيرة لا يصحّ منها إلا القليل، وهذا فيما نسب إلى شعراء يقولون الشعر، كحسان وكعب، وعبد الله بن رواحة أما من لم يشهر عنهم قول الشعر، فلم يصح منه إلا القليل جدا، وأكثره موضوع ومصنوع.
وأما ما رواه الإمام مسلم في كتاب الجهاد والسير من قول الإمام علي، لمرحب ملك خيبر.
أنا الذي سمّتني أمّي حيدره … كليث غابات كريه المنظرة
فهو رجز، وكان الرجز على لسان المجاهدين في المعارك، ولا تخلو سيرة بطل من أبطال العرب، من إنشاء الرجز في الحرب، أو التمثل به، وقد تمثل النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرجز عند بناء المسجد، وعند حفر الخندق. والله أعلم"

أقول : ترجيحه وجيه غير أن نقده لبيت ( لو كنت بواباً ) خطأ لأنه لم يجزم بل قال ( لو كنت ) وهذا نظير قوله تعالى : ( لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء )
وليته ما ذكر ابن إسحاق وسيرته فإنها في الواقع فيها الحجة له لا ضده فإنك لو رجعت إلى سيرة ابن هشام وما ذكره عن سيرة ابن إسحاق لما وجدت أشعاراً لعلي بن أبي طالب إلا شيئاً يسيراً على التشكك فيه وسيرة ابن إسحاق وابن هشام بعده أكبر مصدر لأشعار الأولين وما قالوه في الغزوات فلو كان علي بن أبي طالب كما يصورون مع الشعر لكانت له أشعاراً كثيرة في هذه وما تردد في روايتها خصوصاً وابن إسحاق مذكور بالتشيع على طريقة المتقدمين في التشيع الذي لا يبلغ الرفض
وكثير من الأشعار التي تنسب لعلي بن أبي طالب لا تناسب عقله ولا تقاه ولا طريقة أهل ذلك العصر في رصف الكلام وترتيبه
كتلك الأبيات : محمد النبي أخي وصهري .....
فهذه أعلها ابن كثير بالانقطاع في البداية والنهاية وفاته رحمه الله أن في السند ابن دريد مطعون في عدالته إذ كان يسكر ، ورواها البلاذري بلا إسناد ومع ذلك يزعم بعض المتأخرين أنها متواترة عن علي رضي الله عنه وتلك مجازفة عجيبة
وهناك ما هو أشد شذوذا وغرابة كأبيات الأراك المشهورة : حظيت يا عود الأراك بثغرها
وبقي النظر في أثر الشعبي : كان أبو بكر شاعرا، وكان عمر شاعرا، وكان علي أشعر الثلاثة.
وهذا الأثر لا يعضد النظرة السائدة وذلك أنه ذكر أبا بكر وعمر ولا أعلم أنه يروى عنهما الشعر فلعله عنى أنهم يقولون أبياتاً قليلة ويفهمون الشعر ويتذوقونه
وهذه ليست حالة فريدة فهناك على سبيل ديوان يزيد بن معاوية عامته مولد ولا تصح نسبته له كما قال ابن تيمية وهناك من قال الشعر حقا من المشاهير ونسبت له أشعار كثيرة ما قالها كالإمام الشافعي
ذكر شيخ الإسلام بعض الأبيات مما ينسب ليزيد بن معاوية ثم قال :
ثم قال : هذا كذب , ومن نقله عنه فهو كاذب مفتر
ثم قال :
والديوان الشعري الذي يعزى إليه : عامته كذب
وأعداء الإسلام كاليهود وغيره يكتبونه للقدح بالإسلام , ويذكرون فيه ما هو كذب ظاهر
[ جامع المسائل ٥ / ١٤٨ ] بتصرف يسير واختصار

كتبه / عبدالله الخليفي