بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا تخريج لحديث (بئسَ القومُ قومٌ يمشِي المؤمنُ فيهم بالتقيةِ والكتمانِ) مع الحكم عليه.
ورد من حديث عبد الله بن مسعود ، وعمر بن الخطاب ، ورجل من بنى هاشم ، ومن قول الفضيل.
حديث عبد الله بن مسعود
أخرجه الديلمي فى "الفردوس" (2145) ، وابن عدى فى "الكامل" (535/4) من طريق أبي عروبة ، حدثنا محمد بن الصفي ، حدثنا يحيى بن سعيد العطار ، حدثنا سوار بن مصعب ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.
قال ابن عدي عقبه: وهذا عن عَمْرو بْن مرة ليس بمحفوظ وما أظنه يرويه عنه غير سوار.
وقال ابن القيسراني فى "ذخيرة الحفاظ" (94/2): رَوَاهُ سوار بن مُصعب: عَن عَمْرو بن مرّة، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن ابْن مَسْعُود. وَهَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ عَن عمروبن مرّة.
وقال الألباني فى "السلسلة الضعيفة" (2141) : "وهذا إسناد ضعيف جدا؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: الانقطاع بين ابن مسعود وابنه أبي عبيدة، فإنه لم يسمع منه.
الثانية: سوار بن مصعب؛ ضعيف جدا، قال في " الميزان ": " قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال أبو داود : ليس بثقة ". ثم ساق من مناكيره هذا الحديث.
الثالثة: يحيى بن سعيد العطار؛ ضعفه ابن معين وغيره." انتهى.
قلت : فهذا إسناد تالف لا يصلح للإستشهاد.
حديث عمر بن الخطاب
أخرجه الحافظ ابن كثير فى "مسند الفاروق" (660/2): قال عبيد الله بن موسى: حدثنا مبارك بن حسَّان، حدثني عمر بن عاصم بن عبيد الله بن عمر قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«كيف أنتم إذا طَغَت نساؤُكُم، وفَسَق شبابُكم؟!». فقالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائنٌ؟ قال: «وأشدَّ من ذلك، تَرَون المعروفَ منكرًا، وتَرَون المنكرَ معروفًا!»، فقيل: وإنَّ ذلك لكائنٌ؟ قال: «وأشدَّ من ذلك». قالعمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بئسَ القومَ قومٌ لا يأمرونَ بالقسطِ من الناسِ، وبئسَ القومَ قومٌ يَقتلون الذين يأمرونَ بالمعروفِ، وبئسَ القومَ قومٌ يستحلُّونَ الحُرُماتِ والشَّهواتِ بالشُّبُهاتِ، وبئسَ القومَ قومُ يمشي المؤمنُ بين ظَهْرانِيهِم بالتَّقيَّةِ والكتمانِ».
وقال عقبه: هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث عبيد الله بن موسى، وهو معضل، والله أعلم.
قلت: يشير إلى علة الانقطاع بين عمر بن عاصم وبين عمر بن الخطاب.
ولكنه قال فى "البداية والنهاية" (50/19) : وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِ يُّ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحديث
فلم يذكر عمر بن الخطاب ، وأسقطه من الإسناد ، والصواب هو الأول ، والله أعلم.
وفى الإسناد علة أخرى وهى ضعف مبارك بن حسان فهو وإن وثقه ابن معين فقد خالفه الجمهور فقال أبو داود منكر الحديث وقال النسائي ليس بالقوي في حديثه شيء وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطىء ويخالف وقال الأزدي متروك يرمي بالكذب وقال ابن عدي روى أشياء غير محفوظة.
انظر "تهذيب التهذيب" (26/10) ، وقال الحافظ ابن حجر فى "التقريب" : لين الحديث.
حديث الرجل من بنى هاشم
أخرجه ابن وضاح فى "البدع" (291) قال:حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ , عَنْ زُبَيْدٍ الْأَيَامِيِّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ , عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ لَا يَرْمُونَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ لَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَجْفُونَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ , وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ لَا يَقُومُونَ لِلَّهِ بِالْقِسْطِ , وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَسِيرُ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَانِ»
قلت : هذا سند ضعيف لإنقطاعه بين عمرو بن مرة والرجل من بنى هاشم فقد قال أبو حاتم: لم يسمع من ابن عمر ولا من أحد من الصحابة إلا من بن أبي أوفى
انظر "جامع التحصيل" (584) ، وقال الذهبي فى "السير" (197/5): حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى ، وَأَرْسَلَ عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ.
ولكن هذا الإسناد يرد قول كل من ابن عدى وابن القيسراني كون الحديث غير محفوظ عن عمرو بن مرة.
قول الفضيل
أخرجه كذلك ابن وضاح فى "البدع" (164) فقال: قَالَ فُضَيْلٌ: «فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَمْشِي الْمُؤْمِنُ بِالتَّقِيَّةِ , وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يُمْشَى فِيهِمْ بِالتَّقِيَّةِ»
والظاهر أنه الفضيل بن عياض ولكن ابن وضاح لم يدركه فالفضيل توفى عام 187ه وابن وضاح ولد عام 199ه فعلى هذا فالقول لم يصح أيضاً من قول الفضيل.
والخلاصة أن هذا الحديث لم يصح مرفوعاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأجود أسانيده هو حديث الرجل من بنى هاشم ، وكذلك لم يصح من قول الفضيل بن عياض ، والله تعالى أعلى وأعلم.