الحلول الفقهية لإخراج زكاة الفطر في وقتها الشرعي


فهد بن يحيى العماري



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن مما يكثر السؤال عنه والجدل فيه هذه الأيام، وقت إخراج زكاة الفطر، بسبب جائحة كورونا، والتعليمات المتخذة من الحَجْر والاحتراز من الاجتماع واللقاء ونحوها، فيتعذَّر تسليم الزكاة طعاماً للفقراء في وقتها الشرعي؛ فما الحل؟

نبدأ بإذن الله قبل الجواب بالأحكام المتعقلة بوقتها:
وقت زكاة الفطر، وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: وقت الوجوب، وهو محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: تجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو قول عند المالكية ومذهب الشافعية على الأصح، والحنابلة، وبه قال بعض السلف.

القول الثاني: أن وقت وجوبها يبدأ من طلوع الفجر من يوم الفطر، وهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية، وهو قول الشافعي القديم.

والأقرب: الأول، لأن الشارع أضاف إخراجها إلى يوم الفطر ويدخل بوقت غروب شمس آخر يوم من رمضان.

النوع الثاني: وقت الأفضلية، الأفضل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد، وحكي الإجماع على ذلك، لحديث: (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري.

النوع الثالث: وقت الجواز محل خلاف بين العلماء:
القول الأول: يجوز تعجيل زكاة الفطر عن وقتها بيوم أو يومين فقط، وهو مذهب المالكية، والحنابلة، واختاره الشوكاني وشيخنا ابن عثيمين.

القول الثاني: يجوز تقديمها قبل العيد بثلاثة أيام، وهو قول في مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة واختاره شيخنا ابن باز.

القول الثالث: من أول شهر رمضان، وهو مذهب الشافعية وبعض الحنفية والحنابلة، لأن سبب زكاة الفطر الصيام.

القول الرابع: يجوز تقديمها قبل سببها وهو شهر رمضان، وهو مذهب الحنفية.

الأقرب الأول والثاني: وكان ابن عمر رضي الله عنهما «يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» رواه البخاري، واختلف في قوله الذين يقبلونها هل المراد بهم الفقراء أم الذين يوزعون الزكاة؟.

ويؤيد الثاني ما ورد عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي يجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة.رواه مالك، ولأن النص مقدم على التعليل.

2- آخر وقت لإخراج زكاة الفطر، محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: آخر وقت زكاة الفطر الذي يحرم تأخيرها عنه هو غروب شمس يوم عيد الفطر، وهذا قول بعض الحنفية ومذهب المالكية، والشافعية والحنابلة.

القول الثاني: أن آخر وقت زكاة الفطر هو صلاة العيد، ويحرم تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، فإن أخرها لم تقع زكاة فطر، وإنما له أجر الصدقة، وهو مذهب الظاهرية، واختاره ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وابن باز، وابن عثيمين.

الراجح: الثاني، لحديث: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين؛ من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات) رواه أبوداود وصححه جماعة من أهل العلم وحمله الجمهور على الأفضل.

وبعد هذه المقدمة حان الشروع في الجواب عن السؤال المتقدم:
المخرجون لها نوعان:
1- جمعيات خيرية موكلة من الناس تسلم الزكاة للفقراء.

2- أفراد لأفراد.

يمكن أن نوجد حلولاً فقهية للنوعين على النحو التالي:
1- يجوز أن تعطى الجمعيات الخيرية قيمة زكاة الفطر مبكراً، فهي وكيلة في إخراجها في الوقت الشرعي، وهذا لا إشكال فيه.

2- أن الجمعيات الخيرية إذا جعلناها وكيلة عن ولي الأمر وولي الأمر نائب عن الفقراء فحينئذ يجوز على هذا التخريج لأن الوكيل في منزلة الموكل (الفقير)، قال شيخنا ابن عثيمين: (يجوز دفع زكاة الفطر لجمعيات البر المصرح بها من الدولة، وهي نائبة عن الدولة، والدولة نائبة عن الفقراء، فإذا وصلتهم الفطرة في وقتها أجزأت ولو لم تصرف للفقراء إلا بعد العيد؛ لأنهم قد يرون المصلحة في تأخير صرفها).

3- يمكن الأخذ بقول أن نهاية وقت زكاة الفطر بغروب شمس يوم العيد وهو مذهب الأئمة، ويصار له للحاجة والعذر.

4- الاتصال بالفقير وجعله يوكله في استلام الزكاة عنه للفقراء فيكون الفقير وكل مخرج الزكاة في قبضها، ومتى تيسر له أخذها أخذها، فيكون القبض للفقير حكماً لا حقيقة.

5- أن يعطى الفقير المبلغ نقداً أو تحويلاً لكي يقوم هو بشراء الطعام في الوقت الشرعي، والفقير مؤتمن من حيث إخراجها واشترط عليه المخرج من حيث النوع والوقت لأن الوكيل مؤتمن، والمسلمون على شروطهم، ولا يكون من قبيل إخراج النقد.

6- يمكن وضع الزكاة عند محل من المحلات التجارية ويقال لهم توزع على الفقراء الذين يأتون أو يعين لهم أشخاصاً في الأيام المحددة في الإخراج، ويرسلهم إليه، فيكون توكيلاً، بشرط أن يثق في جميع ذلك، وخاصة إذا تعذر كثير مما تقدم، ومنها إعطاء الجمعيات الرسمية، ولا يترتب على ذلك مفسدة خاصة أو عامة أو استغلال ذلك من قبل ضعاف النفوس.

7- إذا تعذر كل ما تقدم فحينئذ يجوز التأخير للعذر، والفقهاء يجيزون تأخير الزكاة كانتظار قريب وغائب وحاجة ونحوها، وهذا له نظائر في الشريعة، كتأخير الصلاة عن وقتها لعذر، وتأخير قضاء رمضان وصوم الكفارات عن وقتها لعذر وغيرها.

8- تجهيزها وإعدادها للتوزيع نوع من الإخراج إذا تعذر التسليم في الوقت الشرعي، وورد عن محمد بن يحيى الكحال: قلت لأبي عبد اللَّه أي الإمام أحمد بن حنبل: (فإن أخرج الزكاة ولم يُعطها؟ قال: نعم، إذا أعدَّها لقوم) حكاه ابن المنذر.
وهذا التخريج يحتاج إلى مزيد تحرير، فليحرر.

• فإن قال قائل: لماذا لا يقال بجواز التقديم للمصلحة وهو مذهب الحنفية والشافعية؟
فالجواب:
أن التقديم محل خلاف: فعند المالكية والحنابلة لا يصح، ومقتضى كلامهم لعذر ونحوه، وأما التأخير لعذر فيجوز عند الجميع ولا تسقط، فيصار لأمر متفق ولا يصار لأمر مختلف فيه، وهذه قاعدة من قواعد الترجيح، وهذا كذلك له نظائر في الشريعة كالصلاة فلا يجوز تقديمها عن وقتها لعذر ولكن يجوز التأخير لعذر اتفاقاً ومثله الصيام ونحوه، ولأن التأخير خارج عن قدرة الإنسان وإرادته، ولعموم رفع الحرج عند العجز.

فإن قال قائل: ألا يصار للقول بخروج زكاة الفطر نقداً حفاظاً على الوقت؟
فالجواب:
أن الجمهور على المنع، ويصار إليه كما تقدم، ولأن المحافظة على الركن أولى في الجملة من النظر إلى الوقت، وهذا في أضيق الحالات، ولأنه لا يجعل الوقت مبطلاً للأصل وهو الطعام، والحفاظ على الوقت والصفة مقدم مادام يمكن الجمع بينهما على ضوء ما تقدم من الحلول الفقهية، والله أعلم.

تنبيه: متى يبدأ الإخراج؟
يبدأ سواء قيل يوم الإخراج قبل العيد بيومين أو ثلاثة بغروب شمس ليلتها، لأن الليلة تتبع اليوم كما هو الغالب في أحكام الشريعة، وينظر كذلك للشهر إن كان تاماً أو ناقصاً.

وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وتوج أعمالنا بالقبول والرضوان، ورفع الداء والبلاء، وأنالنا من بركاته وأعطياته فوق ما نرجو، هو خير مسؤول وأكرم مأمول.