لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر
السؤال

ما هو حكم التهجد في ليلة القدر دون الليالي الأخرى ؟.

نص الجواب
الحمد لله
أولًا :
ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر ، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خير من ألف شهر ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .
قال تعالى " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ " القدر/1 – 5 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " . رواه البخاري :1901- ومسلم :760 .
إيمانًا : بفضلها وبمشروعية العمل فيها .
واحتسابًا : إخلاصاً للنية لله تعالى .
ثانيًا :
اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة ، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في " فتح الباري " ، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان .
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " . رواه البخاري : 2017 – واللفظ له - ومسلم : 1169 .
والحديث : بوَّب عليه البخاري بقوله " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " .
والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها ، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة ، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " رواه البخاري :2736- ومسلم :2677 .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قوله – أي : الإمام البخاري " ‏باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " : في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان ، ثم في العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره ، لا في ليلة منه بعينها ، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها ‏.‏
" فتح الباري " 4 / 260 .
وقال أيضًا :
قال العلماء : الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة .
" فتح الباري " 4 / 266 .
ثالثًا :
وعليه : فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر ، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها .
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ "إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ" .
رواه البخاري : 49 .
تَلاحَى: أي تنازع وتخاصم .
قال علماء اللجنة الدائمة :
أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر : فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها ، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر ؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " 10 / 413 .
لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر ، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به ؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه ، فقد تكون ليلة الحادي العشرين ، أو الثالث والعشرين ، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين ، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير ، ولم يصب تلك الليلة المباركة .
فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله ، وفي العشر الأواخر أكثر ، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ . رواه البخاري : 2024 - ومسلم : 1174 .
والله أعلم .


المصدر: الإسلام سؤال وجواب