يكون الاشتغال في الجملة التي يتقدم فيها اسمٌ، ويتأخر عنه فعلٌ عاملٌ في ضمير الاسم المتقدم، بحيث لو حُذِفَ الضمير لتسلَّط الفعلُ على الاسم المتقدِّم.
إذا قلتَ: اشتريتُ الكتابَ، أو الكتابَ اشتريتُ فليس في هاتين الجملتين اشتغال؛ لأن الفعل لم يشتغل بضمير الاسم المتقدم، والكتاب مفعول به، متأخر في الجملة الأولى متقدم في الثانية.
أمَّا إذا قلت: الكتابَ اشتريته فقد تحقق الاشتغال؛ إذ قد تقدم اسم وهو الكتاب، وتأخر فعل وهو اشترى الذي عَمِلَ في ضمير الكتاب على أنَّه مفعول به للفعل المذكور، ولو حذفنا الهاء لتسلَّط اشترى على الكتاب المتقدم، ومن أمثلة الاشتغال[1]:
1- زيدٌ رأيتُه.
2- زيدٌ مررتُ به.
3- زيدٌ طردتُ أخاه.
فالهاء في الجملة الأولى معمول للفعل رأى، وفي الثانية مجرور بالباء، والجار والمجرور معمولان للفعل مرَّ أي متعلقان به، وفي الثالثة معمول للأخ بالإضافة والأخ معمول للفعل طرد.
فإن رفعتَ الاسم المتقدم في الجمل الثلاث، فهو مبتدأ والجملة بعـده خبر، وإن نصبتَه فهو مفعول لفعل محذوف يفسره المذكور، والجمـلة بعـده مفسِّرة لا محل لها من الإعراب، وعلى النصب فالتقدير في الجملة الأولى: رأيتُ زيدًا رأيتُه، وفي الثانية: جاوزتُ زيدًا مررتُ به، وفي الثالثـة: أهنتُ زيدًا طردتُ أخاه.
إذا تقرر هذا قلنا: إن الاسم المتقدم له خمس حالات:
(1) ترجيح النصب.
(2) وجوبه
(3) ترجيح الرفع.
(4) وجوبه.
(5) جواز الرفع والنصب على السواء.
وفيما يلي تفصيل ذلك:
(الأول) ترجيح النصب، وذلك في حالات منها:
1- أن يكون الفعل طَلَبيًا، كالأمر والنهي والدعاء؛ مثل:
زيدًا أكرمْه، زيدًا لا تَطرُدْه، اللهم عبدَك ارحَمْهُ.
وإنما يترجح النصب في ذلك؛ لأن الرفع يقتضي أن يكون الاسمُ المتقدمُ مبتدأً، وأن الجملة بعده خبر، والإخبارُ بالجملة الطلبية خلافُ القياس.
2- أن يقترن بالاسم المتقدم أداة الغالبُ عليها أن تدخل على الأفعال؛ مثل: أزيدًا رأيتَه؟ وفي القرآن الكريم: ﴿ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ [القمر: 24].
4- أن يكون الاسم المتقدم مقترنًا بحرفِ عطفٍ مسبوقٍ بجملةٍ فعليةٍ، مثل: جاء زيد وخالدًا أكرمتُه، فنصْبُ خالد بفعلٍ محذوف يقتضي أن تكون الجملة الثانية فعلية، وهما متناسبتان، أما رفعُه، فيقتضي أن تكون الجملة الثانية اسمية معطوفة على جملة فعلية، وهما غيرُ متناسبتين.
(الثاني) وجوب النصب:
وذلك فيما إذا وقع قبلَ الاسم المتقدم أداةٌ خاصة بالأفعال كأداة الشرط، مثل: إنْ زيدًا رأيتَه فأكرِمْهُ، فزيد مفعول به لفعل محذوف هو فعل الشرط، ورفعه يقتضي أن يكون مبتدأً، وهذا لا يجوز؛ لأن أداة الشرط لا تدخل على الأسماء.
(الثالث) وجوب الرفع:
وذلك فيما إذا وقع الاسم بعد أداة خاصة بالأسماء مثل (إذا) الفجائية؛ كقولك: خرجتُ فإذا زيدٌ يضربه عمرو، أما نصبه فغير جائز؛ لأنه على تقدير فعلٍ قبله تكون إذا الفجائية داخلة على فعل، وذلك ممتنع.
(الرابع) استواء الرفع والنصب:
وذلك فيما إذا سبق الاسمَ حرفُ عطفٍ مسبوق بجملة فعلية، وقعت خبرًا لاسمٍ قبلَها، مثل: زيدٌ قام أبوه وخالد أكرمتُه، والجملة الأولى تُسمى الكبرى؛ لأنها جملة اسمية الخبر فيها جملة فعلية، وجملة خالد أكرمتُه (برفع خالد) جملة اسمية معطوفة على الجملة الكبرى، و(بنصب خالد) تكون الجملة فعليةً معطوفة على جملة قام أبوه، فيكون عطف فعلية على فعلية، فالأمران جائزان على السواء.
(الخامس) ترجيح الرفع:
وذلك فيما عدا ما تقدم؛ لأن الأصل في الاسم المتقدم الرفع على الابتداء؛ حيث لا موجب ولا مُرَجِّح لغيره.
المصدر كتاب: توضيح قطر الندى
تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس
----------------
[1] في هذا التعبير نظر، انظر لزامًا باب الاشتغال في أوضح المسالك، 2/ 161. ع.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_la...#ixzz6McSPYySH