صدر حديثًا كتاب "كتاب الضعفاء والمتروكين"، المشهور: بالضعفاء الصغير، للإمام البخاري (ت 256هـ)، رواية آدم بن موسى الخُوَاري، ويليه: قطعة من رواية مُسبِّح بن سعيد، تحقيق د. "سالم بن صالح العمّاري"، من إصدارات "مركز إحسان لدراسات السنة النبوية".
وقد أجمعت المصادر على أن للإمام البخاري كتابًا ألفه في الرواة الضعفاء والمطروحين، وقد رواه عنه أربعة من تلامذته، وهم: "آدم بن موسى الخُوَاري"، و"ابن حماد الدولابي"، و"مسبِّح بن سعيد"، و"محمد بن شعيب الغازي".
وقد طبع الكتاب قديمًا باسم: "الضعفاء الصغير"، وهو من رواية "آدم بن موسى".
وكتاب "الضعفاء الصغير" من أهم كتب الجرح والتعديل والتراجم، وقد رتبه المصنف على وفق حروف المعجم، وذيله بباب الكنى، وقد ابتعد فيه المصنف عن الإطالة وكثرة الأخبار؛ فهو لا يترجم إلا لهدف محدد هو خدمة الحديث ليقوي سندًا أو يضعفه أو ليدفع المحدث ليتحمل مسئولية البحث والنظر، وإذا تيسر أن يسوق إليك الحكم عن الرجل رواية دفعها إليك في صدق وأمانة.
وقد حُقِّقَ الكتاب على 8 نسخ خطية فريدة، اعتنت فيها بمقابلة المتن بين النسخ، إلى جانب تنقيحه تنقيحًا علميًّا متقنًا مقدمًا له بمقدمات ضافية عن قيمة الكتاب، ومنهج البخاري في علم الجرح والتعديل.
وقد نقل الإمام الحاكم، والإمام أبو نعيم الأصبهاني، والإمام الذهبي أن عدد تراجم كتاب الضعفاء أقل من سبعمائة ترجمة. وهذا العدد لا يتناسب مع ما هو موجود في أتم طبعات الكتاب، والتي وصل عدد تراجمها ثلاثة وأربعين وأربعمائة ترجمة، مما قوى ما تناقله جمهور المتأخرين من أن البخاري ألف كتابين في الضعفاء: كبيرًا، وصغيرًا، والذي وصلنا إنما هو الضعفاء الصغير، وقد نقل عدد من العلماء عن الضعفاء الكبير، ونصوا على نقلهم منه، وأبرزهم الإمام الذهبي.
وقد رتب تراجم كتابه على حروف المعجم، راعى في ذلك الحرف الأول من اسم الراوي، مع تقديمه الاسم الذي تتكرر في الحرف الواحد.
ومادة الكتاب مبنية على الاختصار، فعناصر الترجمة عنده تتضمن: ذكر اسم الراوي، واسم أبيه، وجده، ونسبته إلى بلدة أو قبيلة، مع الحرص على ذكر كنيته، وأبرز شيوخه والآخذين عنه، وبيان مرتبته في الجرح والتعديل.
وكانت طريقته في سياق ألفاظ الجرح والتعديل مختلفة، فغالبًا ما يذكر في الترجمة رأيه في الراوي، ومرتبته عنده، وقد لا يذكر رأيه بل يذكر رأي أحد أئمة النقد ويسكت، وقد يجمع بين الأمرين.
وفي الكتاب إشارات مختصرة متناثرة في علم نقد الحديث، وقد يذكر في ترجمة الراوي بعض حديثه الذي أُنكر عليه، وقد يورد ترجمة قاصدًا من إيرادها نقد الحديث المروي من طريق المترجم له، لا نقده، وذلك غالبًا في الرواة المقلين.
ونظرًا لما حواه الكتاب من فوائد متنوعة، فقد أولاه العلماء العناية الكبيرة من عصر مؤلفه إلى هذا العصر، ومن أنواع العناية التي حظي بها الكتاب: الاستفادة منه في كتب التراجم عامة وكتب الضعفاء خاصة، وكذا تعقبه بالنقد والتمحيص كما ظهر عند أبي حاتم الرازي وابنه، أو برواية الكتاب عن مؤلفه ونسخه، أو بتحقيقه وطباعته، بل بنظم مسائله.
وقد تعددت أغراض الإمام البخاري في إيراده للراوي في كتاب الضعفاء، وهي:
الغرض الأول: كون الراوي ضعيفًا عنده.
الغرض الثاني: أن يكون الراوي قد تكلَّم فيه أحد النقاد، وإن خالفه البخاري في ثبوت ذلك الجرح.
الغرض الثالث: أن يكون الراوي ممن تلبس ببدعة.
الغرض الرابع: قلة حديث الراوي وضعفه
أما الرواة الذين ترجم لهم في كتابه الضعفاء وأخرج لهم في صحيحه أقسام:
القسم الأول: من خرج له في صحيحه مرجحًا لقبول حديثه، خلافًا لغيره من النقاد.
القسم الثاني: من خرج له في صحيحه، وفي ظنه أنه غير الذي جَرحه.
القسم الثالث: من خرّج له في صحيحه من غير الجهة التي ضُعِّف بسببها.
القسم الرابع: من خرّج له في صحيحه ما وافقه الثقات على روايته.
القسم الخامس: من خرّج له في صحيحه، لا احتجاجًا، وإنما متابعة أو مقرونًا.
القسم السادس: من خرّج له في صحيحه، لا على جهة الاحتجاج أو المتابعة، بل لبيان الاختلاف الواقع على الراوي، وعدم رجحان روايته.
ومعظم الأحاديث التي أخرجها البخاري من طريق هؤلاء الرواة قويت بالمتابعة من طرق غالبها أخرجها البخاري نفسه في صحيحه.
كما أن طعن الراوي بالبدعة وجه معتبر عند الإمام البخاري وقد أكثر من استخدامه، وإن لم يَرُدَ به حديثه مطلقًا.
كما أن الإمام البخاري يراعي كلام النقاد في الراوي عند اختيار مروياته، ومن صور ذلك:
الصورة الأولى: بعض من يقبل حديثه، لا يخرج له في الأصول بل في المتابعات والشواهد، لوجود كلام في الراوي من بعض النقاد.
الصورة الثانية: من خرج له في الصحيح احتجاجًا، وفي ظنه أنه غير الذي ذكره في ضعفائه؛ فهذا الراوي يرى فريق من النقاد أنه شخص واحد ضعيف الحديث، فالبخاري يخرج من رواياتهم غير ما انُتقِدَ عليهم.
ونجد أن كثيرًا من اختلاف النقاد في مراتب الرواة إنما هو اختلاف في إلحاق الراوي بأدنى مراتب التعديل، أو بأول مراتب الجرح.
وكتاب "الضعفاء والمتروكين" يضع أمامنا جملة معتبرة من أقوال البخاري في الراوي الواحد، بحيث يمكن لكلامه في كتابه هذا مع كتبه الأخرى المشهورة في "الجرح والتعديل" أن يفسِّر بعضه بعضًا. كما أن النظر في ألفاظ البخاري مجتمعةً يجعل الحُكم على رتبة الراوي عنده أكثر دقة، بحيث يمكن تمييز هؤلاء الضعفاء بعضهم عن بعض، خاصةً وبعض هؤلاء الرواة قد أخرج لهم البخاري في صحيحه.
وهذا التحقيق الحديث للكتاب يعد من أهم روافد المكتبة الحديثية، ويسد ثغرة في الاهتمام بمؤلفات الإمام البخاري - رحمه الله - المفقودة أو التي لم تنل حظها اللائق بها من التحقيق.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/140252/#ixzz6McDeqSNt