قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: ١٨٣.
بدأت الآية الكريمة بأسلوب النداء للدلالة على أهمية القول الذي بعدها، الإيمان: مصدر للفعل الثلاثي آمن، والإيمان: لغة التصديق، قال ابن منظور في لسان العرب: "لأَن الإِيمان لَا بُدَّ مِنْ أَن يَكُونَ صَاحِبُهُ صِدِّيقاً، لأَن الإِيمان التَّصْديقُ: فَالْمُؤْمِنُ مُبْطِنٌ مِنَ التَّصْدِيقِ مِثْلَ مَا يُظْهِرُ".
والإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، والدليل على أنَّ الإيمان عمل ما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عن قال:" سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمل.
والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً). الفتح: ٤.
صيغة كُتِبَ عليكم تدل على الوجوب من وجهين ، فكُتِبَ فعل ماضٍ بُني للمفعول وهو بمعنى حقَّ وثبت، وهو حق لازم للأمة كافة، يجب الأخذ به كقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) . البقرة: ١٧٨.
والوجهة الثاني أنَّ شبه الجملة ( عليكم) تدل على الوجوب، نحو: قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) . عمران: ٩٧.
الصيام: لغة هو الإمساك، والكف، مِنْ ذَلِكَ صَوْمُ الصَّائِمِ، هُوَ إِمْسَاكُهُ عَنْ مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَسَائِرِ مَا مُنِعَهُ.
وَيَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ صَوْمًا، قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً). مريم: 26 ، إِنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ وَالصَّمْتِ.
وَأَمَّا الرُّكُودُ فَيُقَالُ لِلْقَائِمِ صَائِمٌ، قَالَ النَّابِغَةُ الذبياني( البسيط):
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ تَحْتَ الْعَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلُكُ اللُّجُمَا
وأما في الشرع فهو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وقوله:( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، فحرف الكاف يدل على التشبيه، والتشبيه، فإنما وقع على الوقت وذلك أن مَنْ كان قبلنا إنما كان فرِض عليهم شهر رمضان، مثل الذي فُرض علينا سواء.
فيجب على الصائم أن يتجنب كل قول أو فعل نهى الله عنهما، فمن ثمار الصيام التقوى، وهي اسم مأخوذ من الوقاية، وهو إن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله والذي يقيه من عذاب الله هو فعل أوامر الله عز وجل، إن تأخذ أوامر الله وان تترك ما نهي عنه.
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى : أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها ثوابه فهذا من التقوى.
والحمد لله رب العالمين