السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
هذا بحث قصير متواضع مني حول حديث "نزلت صحف إبراهيم.."
أخرج الإمام أحمد في مسنده (16984) ، والطبري في تفسيره (189/3) ، والطبراني في "الكبير" 22/ (185) ، وفي "الأوسط" (3752) ، والبيهقي في "السنن" 9/188، وفي "الأسماء والصفات" ص 233-234، وفي "شعب الإيمان" (2248) ، وغيرهم من طرق عن عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ وَاثِلَةَ، " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ»
وهذا إسناد ضعيف لضعف عمران القطان وتفرده به وقد وصفه غير واحد من الأئمة بالوهم والخطأ منهم البخاري والدارقطني والحافظ ابن حجر وغيرهم ، وضعََّفه أبو داود والنسائي والعُقيلي وابنُ معين.
قال البيهقي في "الأسماء والصفات" : خَالَفَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ , وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ؛ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ قَوْلِهِ , وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ , عَنْ قَتَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ , لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَدَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ» وَكَذَلِكَ وَجَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ دُونَ ذِكْرِ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ.
قلت: رواية عبيد الله بن أبي حميد، أخرجها أبو يعلى (2190) عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن عبيد الله، عن أبي مليح، عن جابر، موقوفاً.
وعبيد الله بن أبي حميد البصري قَالَ أَحْمد ترك النَّاس حَدِيثه وَقَالَ يحيى وَالدَّارَقُطْن ِيّ ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان يقلب الْأَسَانِيد فاستحق التّرْك.
فمثله لا يجوز الاحتجاج به.
وأما رواية إبراهيم بن طهمان عن قتادة، فمنقطعة، إبراهيم لم يلق قتادة وبينه بين قتادة واسطة.
وقد خالف عمران القطان من هو أوثق منه وهو سعيد بن أبي عروبة فقد أخرج ابن الضريس في فضائل القران (127) من طريق الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ، والطبري في تفسيره (325/24) من طريق بِشْرٌ ، كلاهما قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا عَنْ أَبِي الْجَلْد به.
وهذا إسناد صحيح إلى قتادة.
وأبو الجلد هو جيلان بن فروة وثقه الإمام أحمد ، وجاء في ترجمته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم "صاحب كتب التوراة ونحوها روى عنه قتادة وأبو عمران الجوني وورد سمعت أبي يقول ذلك."
فاتضح أن هذا الأثر أصله من الإسرائيليات وهو الظاهر.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (202/6): أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم نا عبد العزيز بن أحمد لفظا أنا تمام بن محمد أنا أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي نا أبو قصي نا أبي عن علي هو ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان وأنزل الزبور على داود في ست من رمضان وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان وأنزل القرآن على محمد (صلى الله عليه وسلم) لأربع وعشرين من رمضان.
قلت هذا إسناد مسلسل بالعلل:
الأولي: أبو عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي ترجم له الذهبي في "التاريخ" (208/8) فقال: شيخ مُسْنِد، دمشقي ، ونقل عن أبو محمد الكتّاني قوله: تكلّموا فيه.
الثانية: أَبُو قُصَيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ العُذْرِيُّ لم أر من وثقه غير قول الذهبي في "السير" (185/14): المُحَدِّثُ، العَالِمُ. غير أنه روى عنه جمع من الثقات ولم يذكره أحد بجرح فهو مستور الحال
.
الثالثة: مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ العُذْرِيُّ والد أبي قصي لم أر من ترجمه غير ابن عساكر في تاريخ دمشق (20/52) حيث قال: محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري والد أبي قصي روى عن معروف الخياط روى عنه أبنه أبو قصي.
فهو مجهول الحال.
الرابعة: الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القران" (368) من طريق نُعَيْمٌ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ،*قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَّا، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهذا إسناد ضعيف لتدليس بقية بن الوليد وجهالة الشيخ.
وأخرجه الحسن الخلال في أماليه (32) من طريق الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْجَرَّاحيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حيويهٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ أَبُو شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا به موقوفاً.
وهذا سند تالف فيه أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْجَرَّاحيُّ قال الخطيب في ترجمته: سمعت مُحَمَّد بْن أَبِي الفوارس- وسأله الخلال عَن الجراحي هل يحتج بحديثه؟
فقال: غيره أحب إلي منه.
سألت البرقاني عَن الجراحي فقال: كان يتهم فِي روايته عَن حامد بْن شعيب ولم أكتب عنه شيئا.
الخلاصة: هذا الحديث لا يصح مرفوعاً والأقرب أنه من الإسرائيليات.