الحلول الشرعية للمشاكل الزوجية
سيد مبارك
الحلول الشرعية للمشاكل الزوجية
مقدمة لابد منها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئا ت أعمالنا ’ من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد
الزواج والمعاشرة الزوجية فن له آدابه وشروطه الشرعية وإبداعاته الفطرية والمكتسبة لإدخال السعادة والبهجة كل منهما علي الآخر..
ومن لا يلم بهذا الفن لا تستقيم حياته الزوجية ودوماً تعاني من التصدع والنفور والصد والرد إلي آخره, ومن ثم كانت هذه الدراسة لبيان وسائل جلب السعادة للبيت المسلم وليلم كل من الزوجين بآداب المعاشرة والوسائل الشرعية التي تدعم وتترقي بالحياة الزوجية إلي أفاق عالية من الرقي والسمو ..
و بديهي الحياة الزوجية لا تستقيم إلا علي التزام تعاليم الكتاب والسنة ..
والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ,وتصلي فيه الصلوات ونوافلها ,ويذكر فيه الواحد القهار صباحاً ومساءٍ,ويصلي فيه علي النبي المختار هو بيتاً جديرا بأهله أن يكونوا من الأخيار.
والبيت هو الخلية التي ينشأ فيها الأبناء علي الاستقامة ..
لذا لزم أن تكون هذه الخلية صالحة ومتينة من أساسها .
ولكن عدد قضايا الطلاق والخلع سجلت رقما مخيفا في المحاكم المدنية في كثير من بلاد المسلمين وهو أمر خطير ينبغي التصدي له ومعرفة أسباب المشاكل الزوجية والطرق الشرعية لحلها للتقليل من هذه القضايا وجديراً للعلماء والدعاة التصدي لإنقاذ بيوت المسلمين من التفكك والانهيار بالحكمة والموعظة الحسنة
ومن ثم كانت هذه الدراسة من واقع خبرتي في الدعوة لأكثر من 25 سنة في الاستماع والأجتماع
لحل المشاكل الزوجية لأصحاب المشاكل من الزوجين ووضع الحلول الشرعية لها مع النظر للعرف والتقاليد والحالة النفسية لأصحاب كل مشكلة علي حدة وقد أصبح عندي حصيلة من أهم المشاكل وحلولها جمعت أهمها علي سبيل المثال في هذه الرسالة وجعلت عنوانها " الحلول الشرعية للمشاكل الزوجية "
هذا وقد قسمت هذه الدراسة لأربع أقسام كالتالي:
القسم الأول: قواعد عامة لحل المشاكل الزوجية
القسم الثاني مشاكل يتسبب فيها الزوج ووسائل حلها
القسم الثالث مشاكل تتسبب فيها الزوجة ووسائل حلها
القسم الرابع: مشاكل يتسبب فيها الزوجان وحلولها
وبينت بالقرآن والسنة الصحيحة وأقوال العلماء الثقات وبما فتح الله به عليٌ الصواب من الخطأ والحلال من الحرام ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة والله المستعان
القسم الأول
قواعد عامة لحل المشاكل الزوجية
الحياة الزوجية لا تستقيم إلا بحل المشاكل التي تعكر صفو العلاقة بين الزوجين وينبغي أن نطرح في هذه الدراسة قواعد عامة لحل كافة المشاكل الزوجية من الناحية الشرعية والنفسية ,ومن خبرتي الخاصة في الدعوة وكثرة المشاكل التي سألني عن حلها الكثير من الأزواج ..
أستطيع أن أقوال بلا مبالغة أن الغالبية العظمي من المشاكل الزوجية حلها سهل وميسور أن شاء الله تعالي شريطة إخلاص النية من الزوجين لله تعالي في إتباع تعاليم الكتاب والسنة ونبذ الهوي الذي يصد عن الحق ..
ولا يكون هذا إلا برغبة أكيدة من كل منهما في الاستقرار وإطفاء نار الفتنة التي نشأة بينهما لسبب من الأسباب .. ثم إن التكبر والتعاظم علي حساب استقرار الحياة الزوجية والأسرية حباً في كرامة زائفة أو نرجسية ذاتية لهما أثار مدمرة نفسيا وبدنيا ومالياً .
وبادي ذي بد نبين إن أي مشكلة ينبغي علي الزوجين أن يتفقا علي إخضاعها أولا لقواعد عامة ومراعاتها مراعاة تامة, ولا تحل مشكلة ولا يستقيم أمر الزواج إلا بتطبيق هذه القواعد ..
وهذه القواعد هي:
1- معرفة أسباب المشكلة ومسبباتها
2-معالجة المشكلة وطرق الوقاية منها
3- رد الأمر عند الاختلاف للكتاب والسنة كحسم للمشكلة
هذا فضلا عن إخلاص النية كما ذكرنا أنفاً وألا كان ما ذكرناه من قواعد أساسية لا فائدة منها .
ولزيادة البيان والتوضيح نضرب مثالاً علي ذلك ونقول بحول الله وقوته ..
مشكلة ضيق ذات اليد من أصعب المشاكل وأخطرها في هدم عش الزوجية ..
لأن الناس جعلوا المال عصب الحياة وليس الإيمان واليقين بالله الرازق القدير , ومن ثم كانت مشكلة ضيق ذات اليد تجعل الزوج عاجزاً علي القوامة ويعيش في هم وغم لا ينقطع.
فهناك مصاريف المدارس والدروس والبيت.. , وهناك مصاريف الدواء والطعام والشراب , وتلك للديون والإيجار .. وهلم جرا
والعين بصيرة واليد قصيرة كما يقولون ..
والزوجة لزوجها بالمرصاد متمردة علي حياتها غير راضية ولا صابرة علي قضاء الله وقدره!!
نعم ابتلاءات شتى تعصف وتكدر حياة كثيراً من بيوت المسلمين بسبب قلة ذات اليد
فما الحل وما العلاج ؟
لو طبقنا القواعد العامة علي هذه المشكلة وغيرها من المشاكل لوجدنا الحل ورضينا به ان شاء الله تعالي .
فالقاعدة الأولي هي : معرفة أسباب المشكلة ومسبباتها
والمشكلة معلومة ومن أخطر أسبابها سببين :
1-عجز الرجل علي الأنفاق علي أهله .
إما أن يكون لبخل منه ,أو لهوي وكسل أو ما أشبه هذا وكل سبب وله علاج.
فأن كان لبخل من الزوج فليعلم أن البخل صفة ذميمة ولقد كان النبي-صلي الله عليه وسلم- يستعيذ منه فعن أنس أن النبي كان يقول "للهم إني أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات " رواه مسلم وغيره
والشرع أباح للزوجة أن تأخذ ما يكفيها من زوجها ولو بدون علمه ودليل ذلك
حديث هند زوج أبى سفيان عن عائشة ا قالت :
يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، إلا ما أخذته من ماله بغير علمه ، فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك » .
أما أن كان لهوي أوكسل فيجب علي الزوج أن يعلم أن الإنفاق علي زوجته وأولاده واجبه ومسئوليته لأن الله تعالي أنما جعل القوامة له لأنفاقه وليس لرجولته فقط!!
قال تعالي (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )-النساء-34
-وأين الزوج الذي لا ينفق علي أهله من هذا الحديث الصحيح... ألم يقل النبي-صلي الله عليه وسلم- ":
" دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك " . رواه مسلم
2-الإسراف في الأنفاق بلا طائل من الزوجين.
والإسراف مذموم شرعا سواء من الزوج أو الزوجة , وكثيرا من البوت تنوء بالديون في ميزانيتها بسبب السرف والتفاخر فيما لا ينفع ولا يضر..
قال تعالي: { يا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) الأعراف
وقال النبي - -"كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة وقال ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة"- أخرجه البخاري في اللباس , والنسائي في الزكاة (2559)
ومن ثم كان التوسط والاعتدال خير السبل لحل ما يترتب من مشاكل زوجية بسبب الإسراف..
وقال السعدي-رحمه الله([1])
أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ودعوا مجاوزة الحد في كل الأمور ، واسلكوا طريق الاقتصاد في الميسور والمعسور ، فقد قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } . فيدخل في هذا الإرشاد النفقات الواجبة والمستحبات ، كما يدخل فيه النوائب التي تنوبكم عند عوارض الحاجات ، وقد حدث التوسع الزائد في هذه الأوقات ، في الولائم ومحافل النساء وغيرها من الدعوات ، وهذا ضرر عظيم ، مخالف للشرع والعرف وحسن التدبير ، ومضاره شاملة للغني والفقير ، فالإسراف مخالف لما أمر به الشارع ، فقد جعل الله الأموال قياما للناس تقوم بها المصالح والمنافع ، فمن صرفها في غير وجهها أو تجاوز بها حدها فقد ضيع ما جعله الله قواما حيث صرفها عن المصلحة وصدها ، وهذا النوع من النفقة لم يضمن الله للمنفق خلفها ورفدها ، ألا وإن الإسراف في النفقات لا يستجيزه أهل العقول الوافية ، ولا يبني مكرمة عند ذوي الهمم العالية ، ولا يصير له موقع يذكر ، ولا معروف وإحسان يشكر ، بل نشاهد المدعوين القادح منهم أكثر من المادحين ، وذلك ضار لصاحبه ولمن أراد مقابلته من الفاعلين ، ألا ترون العاجزين ومن ليس لهم مقدرة يلتزمون ذلك مجاراة للأغنياء القادرين ، فلو أن رؤساء الناس التزموا واتفقوا على الاقتصاد لشكروا على ذلك ، وكان خيرا لهم ولأهل البلاد ، أما تشاهدون أفرادا من الرجال الأبرياء الذين لا يشك في كرمهم وعقلهم إذا سلكوا طريق الاقتصاد اتفق الناس على الثناء عليهم ، ويرونه من محاسنهم وإحسانهم إلى الذين يختمون إليهم ، وخصوصا في هذه الأوقات التي اشتدت بها المؤنة وارتفعت الأسعار ، وصار الواحد إذا جارى الناس في توسعهم حمل ذمته مالا يطيق وتحمل المضار . فلو بذل ذلك في ضروراته وحاجاته ، لكان خيرا له من بذله في أمور الست من كمالاته ، وقد تشاهدون من يسرف في هذه النفقات فهو مقصر غاية التقصير في قيامه بما عليه من الواجبات ، فانظروا رحمكم الله ماذا يجب عليكم في أموالكم ، وما يحسن شرعا وعقلا ، واسلكوا هذا السبيل ولا تصغوا لمن يريد غير ذلك أصلا ، ولا تضطروا عباد الله بإسرافكم في أمور لا يحبونها ولا تدخلوهم في أحوال ونفقات لا يرتدونها . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .)اهـ
وننتقل الآن للقاعدة الثانية وهي: معالجة المشكلة وطرق الوقاية منها:
ذكرنا سلفاً سببين من أسباب مشكلة ضيق ذات اليد ,وأما كيفية علاجهما ففي القناعة والرضا وحدهماوهما أفضل علاج للإسراف والتبذير الذي ذكرناه أنفاً , ولكن الصبر عليهما من الزوجين يحتاج لمشقة وجهد لذا فهذا الدواء صعباً علي الزوجين ويحتاج منهما إلي قوة إيمان وإيجابية في الصبر ينبع من خوفهما من الله دون إكراه أو ضغوط.
ومن يلتزم منهما بذلك فهو دليل علي حبه ومراقبته لله تعالي وابتغاء مرضاته والتزامه بالمنهج الشرعي الذي يأمره بالزهد والتقشف ولا يحرم عليه التمتع بالطيبات من الرزق مادام لا يخرج به عن حد الاعتدال غير المرغوب فيه.
كما قال تعالي (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
وقال النبي - -" قد أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه " - أنظر السلسلة الصحيحة للألباني (1/129)
ولا ريب أن أهم الأسباب المؤدية للمشاكل الزوجية هو عدم القناعة والرضا برزق الله والسعي للتفاخر أمام الناس بكثرة لإنفاق والبذخ بسفه في المناسبات والاحتفالات كأعياد الميلاد وما أشبه ذلك برغم قلة الإمكانيات المالية عند البعض منهم مما يؤدي إلي تراكم الديون التي تثقل كاهلهم وتدفعهم للاستدانة من الناس وتفسد أخلاقهم من اجل مظاهر كاذبة ليس من الدين في شيء..
ثم ننتقل للقاعدة الثالثة وهي : رد الأمر عند الخلاف لكتاب الله وسنة رسوله كحسم للمشكلة
وطاعة الله تعالي وطاعة رسوله -صلي الله عليه وسلم- فرض علي كل زوج وزوجة ,ويكون معصيتهما بداية النهاية للحياة الزوجية..
-قال الله تعالى: " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يجِدُوا في أنْفُسِهمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " النساء: 65، وقال تعالى: " إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " النور: 51.
-وقال تعالى: " فَإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللهِ وَالرَّسُولِ " النساء: 59، قال العلماء: معناه إلى الكتاب والسنة.
-وعن أبي هريرة ، أن رسول الله قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري.
ومن هذه الأدلة لا مجال لهوي أو رأي ,وأي مناقشة واتفاق بين الزوجين لحل مشكلة من المشاكل لا أهمية لها البتة أن كانت لا تستند إلي دليل شرعي لأن الضرر سيكون أكثروأفدح ولو بعد حين .
القسم الثاني
مشاكل يتسبب فيها الزوج ووسائل حلها
سوف أذكر هنا أهم المشاكل علي سبيل المثال لا الحصر التي يتسبب فيها الزوج أما لجهله بالحلال والحرام أو لعصبيته وغضبه وطرق حلها والله المستعان
1- تلفظه بالطلاق بمناسبة وغير مناسبة
ما أكثر البيوت التي فشلت فيها العلاقة بين الزوجين بسبب الطلاق الذي يتلفظ به الرجال بمناسبة وغير مناسبة إذا ما حدث خلاف بين الرجل وزوجته ولو كان بسيطاً لا يتروى الرجل وهو الذي جعل الله له القوامة لصبره واتزان عقله في الاندفاع الأهوج أو الانحراف للعاطفة بلا فكر أو نظر فضلاً عن مسئوليته على الاتفاق على الزوجة ورعايتها بما أعطاه الله من قوه جسدية وعضلية تعينه على أدائها على الوجه الأكمل , ولكن يبدو أن رجال هذا الزمان إلا من رحم ربي منهم أصابهم ضعف شديد وصاروا أكثر عصبية واندفاعاً وتهوراً فكثر التلفظ بالطلاق عل ألسنتهم لأتفه الأسباب وهذا أمر غريب وعجيب . يهدد الرجل منهم زوجته ليل نهار .. أنت طالق إن خرجت من البيت .. أنت طالق إن ذهبت إلى أبيك .. علىّ الطلاق لن يحدث كذا أو سأفعل كذا .. أنت على حرام .. الخ والأغرب والأعجب أن يطلق ثلاث مرات دفعة واحدة مخالفاً قول الله تعالى :-
} الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {229} { (البقرة 229 ).
فإذا ما وقعت الطلقة الثالثة والأخيرة فإنها لا تحل له كما قال تعالى:-
} فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلمُونَ {230}{ ( البقرة 230 ).
فيكون قد سد أمامه الطريق وشتت أسرته وحرمت عليه الزوجة حتي تتزوج غيره وقد يجره هذا إلي التحليل الذي حرمه رسول الله- صلي الله عليه وسلم ولعن فاعله
والمحلل: هو الذي يأتي إلى الزوجة المطلقة وهي التي طلقت ثلاثاً وأخذت العدة، فلا تجوز للأول حتى ينكحها زوجٌ آخر، كما نص على ذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيأتي هذا الرجل فيتزوج هذه المرأة باتفاق مع الزوج الأول لا لقصد أن تكون زوجة له، ولكن ليحللها فيمكث معها فترة، أو يدخل بها ثم يطلقها فيتزوجها الأول باتفاق بينهما؛ فهذا ملعون وذاك ملعون , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
2- اللين والرفق في مواضع الشدة أو العكس
أن مما ينفر بعض الزوجات من الرجل ضعف شخصيته أمامها وأمام أولادها وعدم شعورها بقوامته ورجولته عندما تحتاج إليه
وينبغي للزوج أن يعلم أن من شروط القوامة تحمل مسئولياته عن رعيته من زوجة وأولاده
قال تعالي " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم آية6
وقال النبي--: « كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته » . رواه البخاري .
ولو نظرنا لواقعنا الآن نجد وللأسف الشديد كثيراً من البيوت الرجل فيها لا حول له ولا قوة – يعني باللغة الدارجة والشعبية- لا بيهش ولا بينش-إلا من رحم ربي ,وتسيطر الزوجة علي مقاليد الأمور بدلاً منه!!
فيقول الرجل مثلاً لأبنه أفعل كذا ..وتقول الزوجة لا تفعل ..ومن واقع رؤية الولد لسيطرة أمه عليه وعلي أبيه..
يسمع لها ويطيع ولا يهاب أباه بقدر ما يخاف أمه!!
ومن البداية يجب أن يكون الزوج صارماً فيما يخرج عن الحد ويلين فيما يرضي عنه الشرع سواء مع الأولاد أو الزوجة ليكون مهاباً ومحبوبًا في نفس الوقت فمثلاَ:
لو أرادت الزوجة أن تخرج متعطرة وتضع المساحيق علي وجهها وعينيها ,عليه أن يمنعها من الخروج وأن يكون صارماً ويرهبها من عذاب الله ويلتزم بآداب الشريعة وبالرفق واللين لقوله ً -- لعائشة "أن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله ".
( صحيح ) انظر حديث رقم : 1881 في صحيح الجامع .
فلا ريب أن الكلمة الطيبة أفضل في قبول النصيحة من الكلمة البذيئة لكن بلا ضعف أو تضرع بل بثقة وإرادة فأن أبت كن رجلاً وأمنعها ولو أبت طبق شرع الله وأهجرها في الفراش للتأديب ثم بالضرب غير المبرح والمؤذي أن لم يفلح ذلك
واليك أيها الزوج تطبيقا عملياً عما أريد منك أن تستوعبه من حياة النبي-صلى الله عليه وسلم- مع عائشة أم المؤمنين –ا:
- فعنها قالت : قال لي رسول الله -- :
( إنني لأعلم إذا كنت عني راضيةً ، وإذا كنت علي غضبى ) ، قالت : وبم تعرف ذلك يا رسول الله ؟ قال : ( إذا كنت عني راضية ، فحلفت ، قلت : لا ورب محمد ، وإذا كنت علي غضبى ، قلت : ( لا ورب إبراهيم ) ، قلت : أجل ، ما أهجر إلا اسمك .)([2])
هنا استخدم النبي -- أسلوب الترغيب والرفق لأنها غضبت لشيء بسيط ليس فيه خروج عن حدود الله , والإنسان بطبعه مخلوق ضعيفاً وكل ابن أدم خطاء ,والشدة في مثل هذه الأخطاء التي لا ينفك عنها الإنسان لضعفه تشدد لا داع له ورد فعله سيكون أسوأ من الذنب نفسه,,وتأمل معي الموقف التالي :
-عنها ا قالت: قلت للنبي حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرةً، فقال: لقد قلت كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته ! "
انظر حديث رقم : 5140 في صحيح الجامع .
-قال النووي ومعنى: مزجته خالطته مخالطةً يتغير بها طعمه، أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة.
قلت: أنظر أيها الزوج كيف كانت شدته معها لأنها خرجت عن الحد بالغيبة المحرمة رغم أنها كما هو معلوم أحب زوجاته إلي قلبه !!
فهل لك فيه أسوة حسنة ولتكن ايجابياً أمام زوجتك وأولادك وليس سلبياً وعاجزاً والله المستعان.
3-إهماله لنظافته الشخصية والجسدية
تزين ونظافة كل من الزوجين للآخر عند المعاشرة وغيرها أمر مطلوب ومن وسائل الاستقرار ودوام المحبة بين الزوجين .
ومن البدهي أن يتطلع كل من الزوجين في لفت نظر وإعجاب الطرف الأخر هذا أن كانا متحابين متعاونين علي إرساء دعائم عش الزوجية , وتزين وتجمل كل منهما للآخر يزيد من هذا الترابط ويساعد علي غض البصر عن الحرام .
قال الإمام السيوطي في كتابه( الإيضاح في علم النكاح ):
إن الفقهاء أكثروا من نصح النساء باستكمال زينتهن داخل المنازل , وذلك بتسريح الشعر وتزيينه , والتطيب بالطيب أمام الزوج حتي يطيب قلبه " اهـ
ومن المعلوم أن النساء من أخطر الفتن علي الرجال والزوج رجل منهم تقع عينية بقصد وتعمد أو بدونه علي نساء متبرجات كاسيات عاريات يختلط بهن في الشارع والعمل وما أشبه ذلك , وربما تتعمد بعضهن أثارته, وإهمال الزوجة التزين لزوجها يجعله يفتتن بهن وقد يقع فيما حرم الله تعالي ولو بالنظر والإعجاب .
ويجب أن تدرك الزوجة أن زوجها ليس ملاك بل هو بشر ضعيف وإن أظهر غير ذلك, فإن لم يستمتع بالحلال ويقطع شر شهوته معها فمع من ؟!
وعلي الزوج أن يدرك أن زوجته مثله تماماً , وله في ابن عباس ما قدوة فقد روي إنه قال([3]):
إني لأتزين لزوجتي كما تتزين لي وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها علي لأن الله تعالي قال: (ولَهُنَّ مِثْلُ الَذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )-228 البقرة
- وينبغي هنا بيان أمر هام يغفل عنه بعض الأزواج ألا وهو النظافة الجسدية عند المعاشرة فهي لاشك تزيد من الألفة والترابط الروحي ولقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها فقال " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب "([4])
يتبع