كيف أختار صديقتي؟
إسراء الشلتوني

غالياتي.. ما ترك حبيبنا صلى الله عليه وسلّم من هدى إلا دلّنا عليه، وما ترك من خير إلا أوصانا به.. وها نحن اليوم نتطرق معاً لوصية جديدة أوصانا بها صلى الله عليه وسلّم..
ورد عنه صلى الله عليه وسلّم: «أكثروا من الإخوان فإن الله حَيِيٌّ كريم يستحي أن يعذب أحداً بين إخوانه» رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلّم أيضاً: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أبو داود.
فأي أهمية تلك التي حباها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم للصحبة؟ وما سرّها؟ وكيف لنا أن ننتقي صديقاتنا ليكنّ بحق عوناً لنا على الخير والطاعة؟
في دراسة نُشرت في كتاب: «كيف أختار صديقي؟» للدكتور محمد الثويني حيث وزّعت استبيانات على أكثر من 200 شاب تسأل عن قدواتهم في الحياة؛ كانت النسبة الأكبر - وتعادل 20,5 % من الإجابات - تشير إلى الصديق! وهذا إن دلّ فإنما يدل على خطورة انتقاء الصديقات في حياتنا ومدى تأثيرهن في سلوكياتنا وطبائعنا..
إذاً كيف أختار صديقاتي؟
في الدراسة السابقة ذاتها طُرح سؤال على المشاركين مضمونه: «ماذا يعني الصديق بالنسبة لك؟»، فتفاوتت الأجوبة وكان من بينها:
الصديق هو الإنسان الخلوق المهذّب.
هو الإنسان الذي يفهمني ويرافقني على الدوام.
هو الإنسان الذي أشكو إليه همومي.
الإنسان الذي ينصحني.
وإجابات أخرى كثيرة...
كل هذه الإجابات كانت مقتصرة على ذكر صفة واحدة من صفات الصديق الحقيقي والمطلوب.. لكننا إن أردنا أن نعرف صديقاتنا حقاً فعلينا أن نجمع هذه الإجابات معاً: صديقتي الحقيقية هي تلك الفتاة الخلوقة الصادقة الطيبة، وهي الفتاة التي أرتاح معها وأشعر أنها تفهمني وتعينني على تحقيق أهدافي، إليها أشكو همومي ومعها أقضي أوقاتي، أحبها وتحبني ولا تغفل أبداً عن نصحي والدعاء لي.
ولقد صدق الشاعر حيث قال:
إن صديقَ الصِّدْقِ من كان معك
ومن يضرّ نفسَه لينفعك!
ومــــن إذا غـــــدر الزمانُ صدّعك
شتّت فيك شَمْله ليجمعك
حدث ذات مرّة..
تخبرني صبية عن قصتها مع «رفقة سوء» فتقول بألم: «كنت قد انتقلت مؤخراً مع أسرتي لبيت جديد.. ولذلك اضطُررت لتغيير مدرستي، وبما أنني لا أعرف في المدرسة الجديدة أحداً فقد كنت أجلس وحيدة دائماً، إلى أن بدأت مجموعة من الفتيات بالتقرّب إليّ، لم أكن مرتاحة جداً لهن لكنني فضلت أن أكون معهن على أن أبقى وحيدة..
مرّت الأيام الأولى على خير، لكنني ما لبثت أن اكتشفت مع الوقت أن كلاًّ منهن عندها صديقٌ من الجنس الآخر تحادثه كل ليلة ساعات طوالاً أحاديث الحب والغرام الكاذبة دون علم أو دراية من أهلها بالطبع! وأكثر من ذلك؛ كنّ أحياناً يخرجن برفقة أولئك الشبّان دون علم أحد!.. حاولت أن أبتعد عنهن إلا أنهن تمسكن بي وتقرّبن إليّ أكثر فأكثر إلى أن وجدت نفسي أنخرط معهن في دوامة العصيان تلك! أحادث الشباب، أختلق الأكاذيب على أهلي حتى أبرر تصرفاتي الغريبة، ابتعدت حتى عن الصلاة تدريجياً إلى أن تركتها فترة من الزمن مع الأسف..
مع كل هذا ساءت حالتي النفسية كثيراً... فكان من كرم المولى عليّ أن بعث لي معلمة متدينة خلوقة تنصحني وتوجهني وتنتشلني من دوّامة العصيان التي كنت أدور فيها طويلاً، وقفت بجانبي وساعدتني حتى عدت إلى رشدي بحمد الله وعلمت أن الوحدة خير من جليس السوء!».
إذاً ألا يجدر بنا أن نجتهد في الحفاظ على أنفسنا من رفيقات السوء، لا سيما أن لهن صفات كثيرة وبيّنة؟ أولها وأشملها: الابتعاد عن الله وكثرة المعصية.. فهن غير مباليات الصلاة أو حتى باللباس الشرعي، كثيرات التعطّر والتزين أمام الأجانب، مضيِّعات لوقتك ولأوقاتهن في ما لا يفيد، كثيرات الاستغابة وقليلات الثقافة، غالباً ما يكون مستواهن الدراسي متدنياً أيضاً.. والكثير الكثير مما تعلمين..
لكنها تفهمني!!
تقول لي إحدى الفتيات: أعلم يقيناً أن رفيقاتي رفيقات سوء، لكنهن يفهمنني ويُشعرنني بالسعادة، وأنا لا أستطيع التخلّي عنهن، فهل تريدينني أن أبقى وحيدة؟
أبداً غاليتي، ثقي تماماً أن مَن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه.. فإن أنت نويت تركهن والابتعاد عنهن لله؛ سييسِّر الله لكِ خيراً منهن خُلُقاً وأدباً وصحبة.. واعلمي أختي أن تلك السعادة التي تحسّين بها معهن إنما هي سعادة كاذبة زائلة سريعاً ما ستنقلب عليك وعليهن جحيماً والعياذ بالله.. أتدرين لماذا؟ لأن صديقات السوء إنما تجمعهن المفاسد أو المصالح وكلاهما خطر، فصحبة المصالح تنتهي بانتهاء المصلحة.. وصحبة المفاسد تبقى وتجرّ معها الشقاء والتعاسة؛ فألم المعصية يُذهب لذّتها، ثقي بالله واعزمي الآن على تركهن وانتظار الأفضل من الله يقيناً.
لا توجد صداقة حقيقية في أيامنا هذه!
هذه صبية أخرى! تصرّ وتؤكد على أن هذه الأيام لا تحمل معها سوى أصحاب مصالح أو رفاق سوء!
عزيزتي: أمرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلّم بالتفاؤل، فلا تكوني من المتشائمات أصحاب النظرة السوداوية للحياة، ثقي أنك إن بحثت عن الرفقة الصالحة ستجدينها بإذن الله بل وأقرب مما تتصورين.. فقط استعيني بالله وابدأي بالبحث فوراً وأكثري من الدعاء..
صديقة من الأسرة..
ماذا لو كانت صديقتك المقرّبة - غاليتي - هي أختك أو أمك؟
ألا تعتقدين أن ذلك سيكون جميلاً حينها؟ بل إنه سيوطّد علاقة أسرتكم أكثر. جرّبي أن تتقربي لإحداهن وتحاولي كسب محبتها من ذي قبل.