نعم··· ناقصات عقل ودين .. ولكن، كيف؟
سميرة بنصديق


لا تزال المرأة المسلمة - في عيون المستشرقين الغربيين - تحتل مكانة دونية في الإسلام، ولا يزال الإصرار مستمراً على اعتبار الشريعة الإسلامية تجعل من المرأة كائناً أقل إنسانية وكرامة وشرفاً من الرجل، ومن بين الأدلة التمويهية التي طلع بها علينا بعض المستشرقين استدلالهم بالحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه: <ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أغلب لذي لب منكن>، ولا شك أن طبيعة التعليق والتعقيب على مثل هذا من طرف المستشرقين لن يخفى على كل من أطلع على مناهج المستشرقين وكتاباتهم المتحاملة على الإسلام ومبادئة وأحكامه، فالمرأة في نظر هؤلاء مهانة ومحتقرة ودورها ثانوي ما دام الإسلام يعتبرها ناقصة عقل ودين، أي أن سلطان العقل لدى المرأة ضعيف مقارنة بالرجل، كما أن مستوى تدينها لا يرقى إلى مستوى تدين الرجل· ومثل هذه التهمة - للأسف الشديد - تستغلها بعض التيارات النسوية المطالبة بمساواة الرجل بالمرأة لتؤكد من خلالها على أن الإسلام يجعل مكانة المرأة دون مكانة الرجل·
ويجدر التنبيه من جهة أخرى على أن سوء فهم الحديث النبوي الشريف قد ينطلي أحياناً على بعض المسلمين ذوي النية الحسنة الذين يقرأون الحديث مقطوع الصلة عن بقيته التي توضحه كما سنرى، ولعل هذا ما جعلنا نبادر إلى بيان حقيقة نقصان العقل والدين لدى المرأة، وكيف أن الشطر الثاني من الحديث النبوي مما لم نذكره بعد ولا يكاد يتنبه إليه سوى القلة القليلة من الناس يعتبر البيان الشافي والإيضاح الكافي لمفهوم ودلالة الحديث· ونحن نصر من خلال هذه المقالة على تبصير القراء وتنبيههم إلى أن الحديث ينبغي أن لا يفصل أوله عن آخره، فكما لا ينبغي الوقوف عند قوله تعالى (فويل للمصلين)، يجب عدم الوقوف عند الشطر الأول من الحديث لأن شطره الثاني فيه ما يشفي الغليل من حيث بيان معنى الحديث·
أما الحديث بتمامه فقد رواه أبو داود في سننه عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: <ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أغلب لذي لب منكن، أما نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجل وأما نقصان الدين، فإن إحداكن تفطر رمضان وتقيم أياماً لا تصلي>·
فالواضح إذن أن المراد ليس نقصان العقل والدين كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل المقصود أمور أخرى نص عليها المفسرون عند تفسير قوله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)· 282 البقرة ومدار كلام المفسرين أن للإنسان قوتين قوة العقل وقوة العاطفة، والعقل مناط التفكير الإنساني وهو عنصر مهم في حياة كل إنسان تقابله العاطفة وهي أيضاً أحد عناصر حياته الأساسية، وفي كثير من الأحيان يتعارض عمل كل منهما ودوره مع عمل الآخر ودوره، فإذا أراد الإنسان أن يتخذ قراراً عقلانياً لزمه التجرد نسبياً من العاطفة، ومن هم باتخاذ موقف عاطفي غيب سلطان العقل وأضعفه موقتاً، ومتى زاد سلطان العاطفة ضعف سلطان العقل، وزيادة العاطفة ليست عبثاً فهي مهمة بالنسبة للأنثى كزوجة في توددها لزوجها وكأم في صبرها على أطفالها والعناية بهم، ولذلك لما كانت الشهادة أمانة واجبة ومسؤولية دينية، خيف أن تكون شهادة المرأة الواحدة غير كافية نظراً لطغيان الجانب العاطفي لديها الذي يمنعها أحياناً من الإدلاء بشهادة ما ضد قاتل أو سارق مثلاً، وهذا ما فسره الحديث النبوي الشريف <أما نقصان العقل فشهادة أمرأتين بشهادة رجل>·
أما الجانب الآخر الذي هو نقصان الدين فالمراد به إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بأدب إلى العوارض الخلقية الطبيعية التي تنتاب المرأة من حيض ونفاس وهما العارضان اللذان يتسببان في إسقاط الصلاة عنها والإفطار في رمضان مع القضاء، وهو ما جاء في آخر الحديث: <وأما نقصان الدين فإن احداكن تفطر رمضان وتقيم أياماً لا تصلي>·
هكذا إذن يتبين بجلاء ووضوح أن ما يروجه خصوم الإسلام من أن الإسلام يكرس درجة دونية للمرأة من خلال الفهم السقيم للحديث النبوي السابق أمر لا أساس له من الصحة، ولعل السبب في فشو هذه التهمة الزائفة والشبهة المتهافتة هو أن الحديث يروج ويشتهر على الألسنة في شطره الأول دون الشطر الثاني·