الإسلام ودعائم التنشئة السليمة للطفل
آمال عبدالرحمن محمد شعبان


لقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً لرعاية الطفولة، وحضنا على ضرورة غرس عواطف الحب والرحمة والمودة ليجعل من المسلمين قدوة حسنة كي يربوا أبناءهم عليها، لذا أحاول إلقاء الضوء على هذا الموضوع البالغ الأهمية من منظور إسلامي·
إذ يؤكد علماء الإسلام أن الإسلام اهتم بالطفولة وإعداد القاعدة الصلبة للأجيال المقبلة حتى قبل ولادتهم عن طريق التحرِّي الدقيق في اختيار الأب للأم لتكون الثمرة طيبة، ومن السنن التي أثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أن يؤذَّن في أُذن الطفل اليمنى وتؤدى الإقامة في أذنه اليسرى لمجرد أن يأتي إلى الدنيا لأن ذلك فيه توجيه لوالديه أن ينشئاه على التوحيد والتكبير والتهليل، وأن يعوِّداه الصلاة في سن باكرة حتى لا تذهب به الأهواء كل مذهب·
ولذلك وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم الآباء أن يأخذوا أنفسهم بتعويد أولادهم على الصلاة منذ سن السابعة، وأن يهتموا بذلك حتى تصير الصلاة بالنسبة لهم أمراً معتاداً، فإن قصروا في ذلك دعا الإسلام الآباء لأن يتابعوا أولادهم بالتوجيه والتنبيه فإن بلغوا العاشرة ولم تصر الصلاة أمراً لازماً عندهم ضربوهم على التقصير حتى يشعروا أن الصلاة بالنسبة لهم أمراً لازماً كالطعام والشراب والنوم، ولم يكتف الحديث الشريف بذلك، بل وجه الآباء أيضاً على أن يجعلوا لكل طفل مضجعاً خاصاً به حماية للأولاد من أي ضرر يلحق بهم في سلوكهم وأخلاقهم، وجاء القرآن الكريم يأمر بتدريب الأولاد على الصلاة والمثابرة عليها فيقول تعالى: (وأْمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) طه:132، وينبه إلى مسؤولية الآباء نحو أولادهم ويحرص على توجيههم الوجهة الصحيحة السليمة في العقائد والعبادات والسلوك والأخلاق·
كما يعرض القرآن الكريم وصية لقمان لابنه بأسلوب بديع لتكون أنموذجاً للآباء، فيقول عزَّ من قائل: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) لقمان:17·

نظرة الإسلام

إن الإسلام ينظر إلى الإنسان نظرة مستوعبة تتناول كل جوانبه المختلفة، وتشرع لكل منها ما يحقق النمو، إنه ينظر إلى الإنسان جسداً وعقلاً وروحاً، الكل يحقق التوازن النفسي للبشر، وهو الدعامة الأولى التي لابد منها لكي يبني فرداً سوياً ومجتمعاً قوياً وأمة ناهضة، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمثلة العملية في غرس عواطف الحب والرحمة والمودة في قلوب أحفاده وأولاده ليعطي القدوة للمسلمين لكي يربوا أبناءهم وبناتهم عليها حتى ينشأ جيل تتفجر الرحمة من جوانبه، ويفيض عطفاً ومودة على من يتعامل معهم من إنسان وحيوان ونبات·
وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة في بيته ثم سجد جاء أحفاده فركبوا على ظهره الشريف، فيطيل السجود حتى لا يقطع عليهم متعتهم، وفي أثناء زيارة أحد البدو له يجيء حفيده الحسن أو الحسين فيأخذه بين يديه في حنان بالغ ويقبِّله، ويبدي البدوي تعجبه وهو يقول: >أتقبّلون أبناءكم؟ إن لي عشرة من البنين ما قبَّلت واحداً منهم، فيرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: >وماذا أملك لك وقد نزع الله الرحمة من قلبك<، كما كان الرسول الكريم إذا مر بصبية في الطريق يقرأهم السلام إيناساً لهم وتأصيلاً لنوازع الألفة والمحبة·
فما أحوجنا في أيامنا هذه إلى أن نربي أبناءنا على هذه المحبة التي تجعل الحياة تمضي بهم هينة لينة سهلة، ويشبوا أصحاء نفسياً وجسمياً وعقلياً وأخلاقياً وعقائدياً·
لقد حرص الإسلام على تنمية قدرات الأطفال منذ نعومة الأظفار وأن الطفولة لابد وأن تغرس فيها مبادئ الخير والقدرة الفائقة والتعلم الرشيد الذي يحقق الإنجاز السليم والإنتاج المبتكر·
فالإسلام بوصفه دين الحق والتطور والمعاصرة، يدفعنا إلى أن نوجه الأطفال إلى كل ما ينمِّي قدراتهم ويدفعهم إلى السلوك القويم الذي يعتمد على المهارات السليمة والخبرات المثمرة، قال تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً) النساء:9·

الطفولة الخصبة
إن الإسلام السمح القويم يؤكد أن المفكرين البارزين من الرجال والنساء في أي عصر من العصور هم المؤشر الدال على طفولة مثمرة خصبة حية، وهم أيضاً بحكم تنشئتهم الإسلامية يعبرون في عصرهم عن يقظة الضمير الاجتماعي، ويعلمنا الدين الحنيف كيف تكون النزاهة في إبداء الرأي وخطورة الانصياع إلى الهوى، وهكذا يوصي الدين الإسلامي بأهمية الطفولة وكيف نرسم لهما المستقبل بإذن الله، وإلى أي حد يجب أن يكون الالتزام بالتعاليم الدينية والرعاية السليمة والصراط المستقيم لعلها تعود بنا إلى جادة الطريق·

إن المتأمل العميق لروح الحياة المعاصرة سيجد أن هناك كثيراً من الأسر تغرق في متطلبات الحياة المادية المعاصرة حيث تعتمد على منطق السهولة واليسر والاستهلاك المادي، وكثير من هؤلاء يهملون اهتمامهم بأفراد أسرهم، ولكن الدين الإسلامي يدعونا إلى العناية بالطفولة وأن نحقق الأهداف الإيجابية في التربية عن طريق الإسهام الفعال والمثمر الذي يضيف حركة إلى الحياة ويغرس المبادئ، من خلال أصحاب القدرات الفائقة، لأن الحياة كما يراها الدين الإسلامي سعي وعلم وثقافة وحضارة وحركة مستمرة تجعل صاحبها يرتبط بأرض الواقع ويتطلع في الوقت نفسه إلى عنان السماء·

الطفولة والابتكار
لقد أرسى الإسلام قواعد للتعامل مع الأطفال لتتحقق لهم القدرات الابتكارية الفائقة وتتبلور هذه التوصيات الرشيدة في دعوة الإسلام الآباء إلى محاولة إمداد الأبناء بخبرات ثقافية اجتماعية لأن الإسلام دين العلم والمعرفة والثقافة، ومن هنا يحرص على تنبيه أولي الأمر من الآباء والأمهات إلى اصطحاب أولادهم في الرحلات والترفيه عنهم حتى يلتقط الأبناء خبراتهم مع تعويد الأولاد على الإسهام في البيئة المحيطة بهم من خلال معرفة الصواب والخطأ وكيف يستفيد من التعامل مع خلق الله سبحانه وتعالى في ترسيخ القيم الخاصة بالجودة والعظمة والجلال، يقول تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب· الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) آل عمران:190 ـ 191·

إن الإسلام يحضنا على أن نشجع أطفالنا بتقويمهم تقويماً سليماً من خلال التأمل والتدبر في مخلوقات الله وقدرته وعظمته وإعمال العقل لتتأصل معارفهم حتى تكسبهم الثقة في أنفسهم وأن تتقبل منهم إنجازهم وأعمالهم حتى يكوِّن الطفل مفهوماً ذاتياً وواقعياً يرى من خلاله الحياة على أنها فرصة يمنحها الله لنا لكي نسعى في الأرض ونفكر في صلاح الواقع وإصلاح المعوج من السلوك·

ثقة النفس
إن الإسلام يحضنا على تشجيع أولادنا على العمل وبث الثقة في نفوسهم لإشباع رغباتهم ضمن حدود الشرع، وألا نبالغ في مساعدتهم إلى الحد الذي يجعلهم يفقدون القدرة على الاعتماد على أنفسهم·

إن الدين الإسلامي بتعاليمه يحرص على ألا نقدم لهم الحلول الجاهزة حتى لا نحرمهم من الفرص التي تساعدهم على إظهار قدراتهم ومهاراتهم، وبذلك يفقد هؤلاء الأبناء لإمكانات التعليم واكتساب الخبرات المختلفة، تلك الخبرات كما ينبهنا ديننا الحنيف أن هذا لا يأتي إلا نتيجة للاعتماد على النفس وتحمل المسؤوليات ومواجهة التبعات، هذه التوصيات الرشيدة هي دعوة إسلامية عظيمة تهتم بقدرات الطفل الابتكارية وتدعو إلى الاهتمام بالطفولة كأمل ومستقبل·
ولا شك أن الاهتمام بالطفولة الآن يعد مؤشراً من مؤشرات التقدم ولنا في رسول الله أسوة حسنة، إذ يقول: >ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا< رواه البخاري·
وهذه دعوة كريمة تضفي على المجتمع التماسك والألفة والمحبة والرحمة والتفاعل البنَّاء بين أبناء المجتمع المسلم ليصبح كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً·

المراجع
1 ـ القرآن الكريم·

2 ـ رياض الصالحين للإمام النووي·
3 ـ محمد عيسوي الفيومي: فاعلية العلاج المتمركز حول العميل في تحسين بعض حالات الأمراض النفسية ـ دكتوراه تربية بنها 1995م·
4 ـ حامد زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي ـ عالم الكتب ـ القاهرة 1982م·
5 ـ محمد ناصح علوان: تربية الأبناء في الإسلام ـ ج1 ـ القاهرة ـ دار الاعتصام·