همسات في السرائر··

ميسون صافي


إن مصاعب الحياة التي نمر بها·· وازدياد المشاغل التي كثيراً ما نشتكي منها·· وتكالب الشياطين علينا·· من حولنا ومن الخارج على السواء·· وفوق هذا ثقل الأمانة التي أكرمنا بها المولى بعد أن أبت حملها السماوات والأرض والجبال!·· كل هذا يوجب علينا - أخت الإسلام - أن نتعاون على الخير·· وأن يأخذ بعضنا بيد بعض·· وأن نتناصح·· فالدين النصيحة·· وخير النصيحة ما كان في السرّ·· فلقد أتيت هنا لأسرّ إليك بهذه الهمسات عسى الله أن ينفعنا بها جميعاً·
إن المسار الذي نتخذه في حياتنا نابع من طبيعة الهدف الذي نعيش له·· فمن عاش لشهواته كان دأبه جمع المال ليمكنه من تحصيل أكبر قدر من المتع الدانية·· ومن كان همها استثمار ما وهبها المولى من جمال راحت تهتم بعالم الأزياء وأدوات التجميل!·· ثم مضت تعرض بضاعتها حسبما يزين لها الشياطين!
ولأننا - أخت الإسلام - قد أتفقنا من البداية أن هدفنا، هو الفوز بالجنة والنجاة من النار·· فإننا بالتأكيد سوف نستشير كتاب الله وسنَّة نبيه الكريم وسيرة آبائنا من السلف الصالح·· في النهج الذي سنسلكه لنضمن أننا من أهل الرضى وأن النهاية ستأتي - بإذن الله - كما نحب ونتمنى!
نعلم أن تربية الأبناء هي من أسمى الغايات إن لم تكن الغاية الأولى للمرأة المسلمة·· ولكن من منا حدد تماماً على أي شيء نربي الأبناء؟! لقد قالوا: نربيهم على طاعة الله ورسوله·· وعلى بر الوالدين·· وحسن الخلق·· حسنا·· ولكن!· دعونا نتعاون في تفكير أكثر تحديداً! بل دعوني أتساءل: من منا لديها العزيمة أن تتقرب إلى الله - بعد الصلاة والصيام - بتفوق أبنائها العلمي؟!·· التفوق الذي يجعل الناس يقولون بافتخار: أنظروا هاهي ابنة الإسلام لا يشق لها في العلم والتفوق غبار؟!
وصدقوني إن نتيجة التفوق تستأهل ما يبذل لها من جهد·· ولكن لأنها غاية فيها صعوبة ولا تظهر نتيجتها فوراً أمام الناس فإن المسلمة تزهد فيها!·· تزهد فيها لتترك لبنات غير المسلمين أن يتفوقن وأن يكُنّ عالمات طبيبات أو·· أو··أو·· ولنجد بناتنا - في المحصلة - تُرضعن لبان العلم - والخلق والعادات والسلوك أيضاً! من تلك المدرسة التي لا تتقي الله في نفسها ولا في بناتنا!·· لماذا؟·· لأن أختنا المسلمة زهدت في نتيجة التفوق لصعوبتها·· ناسية أن أعداءنا ما تغلبوا علينا إلا بالتفوق العلمي!·
ولعلي لا أبتعد كثيراً عن هذا لأجعل همستي الأخرى تهتم بالوقت في حياة المسلمة·· وأعنى بالتحديد الأخت المسلمة التي تجاوزت في نشاطها هموم المطبخ والزينة وشكل أثاث البيت·· فإلى هذه المسلمة تحديداً أتقدم بهمتسي ولتعذرني الأخريات!
(لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:··· وعن عمره فيما أفناه!) ويالله كم أهمني هذا الحديث الشريف الصادر عن رسول الله الكريم!·· ويالله كم أرهبني ما فيه في وعيد بالسؤال لدرجة أني صرت أتحسب من اللحظة أن أنفقها في غير طاعة على سعة معنى الطاعة الذي أعني!·· وزادني تخوفاً قول ذلك الرجل الصالح وهو يوصي أحد أتباعه: (اقرأ القرآن·· أو أذكر الله·· أو طالع·· ولا تنفق وقتك إلا في خير)·· حتى وضعت لنفسي شعاراً حروفه من نور (·· لا تنفق وقتك إلا في خير)··!·
إن التي في برنامجها اليومي تبادل الأحاديث الهاتفية مع الجارات للوقوع على آخر الأخبار!·· هذه لا تنفق وقتها في خير!·· والتي تصرف أمام المرآة وقتاً أكثر مما تسمح به الفطرة السليمة·· لا تنفق وقتها في خير!· والتي تتبادل الأدوار مع زوجها فهو يتابع أحداث الفيلم الأثير لديه وهي تتابع آخر منتجات السوق المركزي!·· هذه لا تنفق وقتها في خير!·
ولعلي بك تسألين إذا كيف؟·· وأخشى!·· أخشى إن أنا أجبتك أن أفرض عليك برنامجاً يصلح لي وقد لا يصلح بالضرورة لك!·· ولكن تعالي - أخت الإسلام - نتعاون في وضع خطوط عريضة لما يصلح أن يكون استثماراً طيبا للوقت:
- قراءة قسط محدد من القرآن يجب أن يكون هاجساً يومياً لنا نحس بالضيق لو خالفناه··
- التدرب على النوافل بقدر ما نستطيع·· وأقول التدرب قاصدة تماماً هذا المعنى··
- مطالعة في كتاب طيب أو مجلة طيَبة·· وما أوفر المجلات ذات الأريج الطيب من حولنا··
- عيادة مريض·· السؤال عن محزون·· الأطمئنان على أخت مشغولة بامتحان ابنها أو ابنتها··
- جلسة سمر·· لا مع الجارات· ولا في الأماكن العامة·· ولكن في البيت!·· مع الزوج والأولاد·· إن تحضير (طرفة) نستقبل بها الأبناء بعد المدرسة لهي عمل فيه من البناء - ورب الكعبة - الشيء العظيم·· كما أن تفكر ساعة لاختيار قصة ذات عبرة تروينها على مائدة الغداء لهي أكبر دليل على قدرتك على الإبداع والتميز والتأثير·· وهكذا وهكذا·
أن يقال - أختي المسلمة - إننا لا نصلح إلا للطبخ والغسيل و·· النوم·· إن هذه المقولة أضحت اليوم - نظراً لما يمر بنا من كيد وتخطيط شيطاني - عيباً كبيراً في حقنا·· عيب كبير آن لنا أن نرفضه وندفعه عنا·· ولكن كيف؟!·· هذا ما سأتركه لحكمتك التي أثق بها·· وقبل أن أنسى أود أن أهمس لك بما حصل معي أمس·· فقد جابهتني ابنة أخي بحقيقة أخافتني بعض الشيء·· فعندما نبهتها إلى أن متابعة برامج الأطفال يستغرق لديها أكثر مما هو مسموح، قالت لي: والماما؟!·· ثم سكتت·· ولم أسألها ما بها الماما!·· لأنني فهمت ما عنت·· وخفت بعض الشيء مما عنت!··
أن نقول لأبنائنا أفعل أو لا تفعل فهذا من أبسط الأشياء·· وقد يكون من أمتع الأشياء أيضاً·· ولكننا لن تنتهي مسؤوليتنا بالتأكيد - أمام ضمائرنا وأمام الله العليم - إذا اكتفينا بهذا·· بل إننا لن نجد ثمرة لما نقول لمجرد أن نقول·· وما أكثر من تأخذها الحيرة لأن أبناءها لا يستجيبون وبالسرعة المأمولة لكل ما تمليه عليهم!·· تأخذها الحيرة بعد أن تاه عنها السبب الرئيس لذلك·
إنه القدوة الصالحة أختى المسلمة·· صعبة ولا شك·· ولكن درهم قدوة خير من قنطار كلام·· صدقيني·· صدقيني وأذكري أن هذه الهمسات ما سافرت من بلدها لتقطع كل هذه المسافات الشاسعة إلا لتنسكب في سريرة من شمرت عن ساعد الجد ورفضت دأب الأخريات من اللواتي يتمنين ويكتفين بالأمنيات!
إن النفس - كل نفس أختاه - تحب الراحة وتهفو إلى الدعة·· وتود لو تأتيها الرغائب على طبق من الاسترخاء والأماني فحسب·· ولعمري فإن >العاجز من أعطى نفسه هو اها·· وتمنى على الله الأماني<·· كما قال الحبيب المصطفى·· ولأن النفس هكذا في طبعها فقد هيأ الله سبحانه في كل أمة علامات بارزات من الرجال والنساء تكون قدوة - أو لنقل - منارة لمن يراها·· فما أروعنا - أخت الإسلام - أن نكون إحدى هذه المنارات التي يراها كل واحد أويهتدي بنورها من أذن لها الله بذلك·
إن القيام بهمة قبل شروق الشمس خير وأعظم أثراً في نفوس الأبناء من محاضرة عن >بورك لأمتي في بكورهايفتقدون النشاط الذي كنا عليه في صغرنا!<·· ولن أتردد أن أضحك معك من ذلك الذي ينصح أولاده بالابتعاد عن >التدخين< بل يأمرهم بذلك ويشير بسبابته مهدداً محذراً·· بينما السبابة نفسها تحمل لفاقة تبغ مشتعلة!
أعلم أن المسألة لا تنقاد لنا بصفحة من مقال·· وأن الهمسة الواحدة لن تكفي لتجعل منا قدوة لغيرنا أو لأبنائنا على الأقل·· ولكن المقالة تشير·· والهمسة تنتبه·· وتقول لك أختى المسلمة إن للقدوة الصالحة أثراً بالغ الأهمية·· كما أن القدوة السيئة أخطر من ألف كتاب أو فيلم أو صورة في مجلة شيطان!·· ولا أبتعد كثيراً عما بدأت إذا أكدت على الحذر من أصدقاء وصديقات السوء·· فكم من ولد أو بنت غفل عنه أو عنها أبواه جرّه أوجرتها قرناء السوء إلى حيث نفقد السيطرة عليهم وعليهن لا سمح الله·
فتعالى - أختى المسلمة - تعالى نتدرب - أجل نتدرب - لنكون القدوة الصالحة لكل من حولنا·· والريحانة الفواحة عبيراً وتقوى وصلاحاً أيضاً·· في الحركة التي تصدر عنا·· في الكلمة التي نقولها·· في الموقف والسلوك الطيب والخلق الحسن·· وتأكدي·· تأكدي أختاه أن الثمرة الحلوة التي سنحصل عليها تستأهل الجهد المبذول فيها·· كما أن عكس ذلك سيكون عاقبته وخيمة - صدقيني - علينا·· وعلينا أجمعين!