وأنا أتأمّل في الأوبئة والفِتن رأيت أنّ من بين أوجه الشبه بينهما وهو مكمن الخطورة فيهما: أنّهما يعمّان فلا تفرّق الفتنة أو الوباء بين الناس مهما كانوا، ووجدت شبهًا بين ما يوصي به الأطبّاء الآن في طريقة التعامل مع الوباء وبين وصية الحبيب ﷺ في الفتن: ففي صحيح مسلم أنّ النبي ﷺ قال: (تكون فتنةٌ النائم فيها خيرٌ من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الساعي، فمن وجد ملجأً أو معاذًا فليستعذ) رواه مسلم، وفي رواية في الصحيحين: (من تشرّف لها تستشرفه).
وفي أيّامنا هذه من استعاذ ببيته -أي لجأ- نجا بإذن الله فـ(النائم) في بيته لا يسمع الأخبار والشائعات في راحةٍ أكبر من (اليقظان) الذي -غالبا- يسمع ويقرأ ما وصل إليه فيبقى قلقًا والقلق كما يقول الأطباء من الأسباب التي تساعد المرض على الفتك بمن يصيبه، وهذا اليقظان خيرٌ من (القائم) وهو الذي عزم على الخروج من بيته فيُقلق القائمين على من يحرس الناس حتّى لا يخرجوا، وهذا القائم خيرٌ من (الساعي) وهو الذي خرج إلى الشوارع والأسواق فآذى الحارس وسبب الرعب للجالسين في بيوتهم وقد يرجع بالموت لأهل بيته؛ لذا كان هو الذي تشرّف للمرض أي عرّض نفسه للإصابة.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: ١٢/١٨: (تستشرفه) قيل: هو من الإشراف بمعنى الإشفاء على الهلاك، ومنه أشفى المريض على الموت.
وقال الحافظ في الفتح ٤٥/١٣: وحاصله أنّ من طلع فيها بشخصه قابلته بشرّها.
وقول الحافظ هذا هو الذي أهلك الأطباء أنفسهم وهم يحاولون إقناع البشر به.
والله أعلم.
ماهر أبو حمزة