أسماء الناس ...بين المشروع والممنوع
أ . د. حسن عبد الغني أبوغدة*
حقيقة الاسم : الاسم هو قالب للمعنى المراد ويدل عليه ، وينبغي أن يكون لفظا حلوا رشيقا جميلا ، وهو يطلق على الإنسان أول ولادته ليُعَرف به ، وغالبا ما يبقـى ملازما له طيلة حياته ، وهو مأخوذ من السُمُوِّ ، بمعنى الرفعة والعلو والكمال ؛ ولهذا يتحرى الناس في اتخاذ الأسماء الدلالات الجميلة والمعاني الحميدة والصفات المرغوبة .
وغالبا ما يطلق الناس الأسماء على أبنائهم تحت تأثير المعتقدات الدينية أو الأعراف الأسرية ، أو الظروف الصحية أو الجمالية أو الزمانية التي صاحبت المولود أو أمه حال الولادة ، وربما كـان إطلاق الأسماء على الأبناء نتيجة لعوامل بيئية أو تطلعات وآمال مستقبلية ، وهكذا يمكن القول بأن الهوية الثقافية والفكرية للأسرة لها تأثير كبير في تحديد الأسماء واختيار ألفاظها .
ومن الأمور الطريفة هنا : ما ذكره القرطبي ـ عن بعض مفسري التابعين ـ عند تفسيره قوله تعالى { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ...} : أن النبي يحيى عليه السلام سُمِّي بذلك إشارة إلى أن الله أحيا به رَحِم أمه العاقر التي كانت لا تلد.
هدي الإسلام في اختيار الأسماء : الأمة الإسلامية أمة متميزة في عقيدتها وشريعتها وثقافتها وسلوكها وآدابها ، وهي بهذه الأوصاف استحقت أن تكون خير أمة أخرجت للناس ، لأنها موصولة بهدي الله وصبغته للارتقاء في مدارج الكمال الإنساني ، قال الله تعالى : { صِبْغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون }.
وقد ذكر العلماء في هذا الصدد أن حكم الإسلام في اختيار الأسماء ينقسم إلى أربعة أقسام هي على النحو التالي :
القسم الأول : الأسماء المباحة : وهي الأسماء التي يستمدها الناس من أعرافهم وبيئاتهم وظروفهم المختلفة ، مما يشير إلى معاني ودلالات مرغوبة ، لا تخرج على هدي الإسلام في عقائده وتشريعاته وآدابه ، كسَعْد ، وسعيد ، وجميل ، وحسن ، وخالد ، وزيد ، وعمر ، وبشير ، وسلمان ، وفاطمة ، وزينب ، وعائشة ، وحَبيبة ، وفريدة ، ومنى ، وبُشْرى ...
ويُعتبَر التسمي بهذه الأسماء ونحوها أمرا مباحا غير مأمورِينَ به ولا منهيِّينَ عنه ؛ لما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سَمَّى بعض أقربائه بنحو ذلك ، تبعا لما هو معروف أو مألوف أو ومتداول في بيئته ، فسمَّى بعض أولاده القاسمَ ، وإبراهيم ، وفاطمة ، وزينب ، ورقية ، وسمَّى بعض أحفاده الحسن ، والحسين ، وأمامة ، وسمَّى بعض أبناء أصحابه المنذرَ ، وسهْلاً ، وجميلة ، وجُوَيْرِية ، وزينب....
القسم الثاني : الأسماء المستحبة : وهي الأسماء التي تتضمن معانيَ دينية ، وتُذكِّر بالله تعالى وعظمته وآلائه على عباده ، كعبد الله ، وعبد الرحمن ، وعبد الرحيم ، وعبد المنعم ، وعبد الملك ، وعبد القدوس ...
واستحبابُ التسمية بنحو هذه الأسماء أمرٌ متفق عليه عند علماء المسلمين ؛ لما بين الأسماء والمسميات من ارتباط وتناسب وتلازم وأمل ، ولما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أحب أسمائكم إلى الله عبدُ الله ، وعبد الرحمن ".
قال ابن عابدين في " رد المحتار " : ويُلحق بهذين الاسمين ـ عبد الله وعبد الرحمن ـ ما كان مثلهما ، كعبد الرحيم ، وعبد الملك ... وتفضيلُ التسمية بهما محمولٌ على من أراد التسمي بالعبودية ...
وقال البهوتي في " كشاف القناع " : وكل ما أضيف إلـى اسم من أسماء الله تعالى فحسنٌ ، كعبد الرحيم ، وعبد الرزاق ، وعبد الخالق ....
هذا ، ويرى بعضُ العلماء : أن هناك أسماء أخرى تُلْحَق بهذا النوع الثاني من حيث استحباب التسمِّي بها ، كمحمد ، وأحمد ، وحامد ، ومحمود ، واستدلوا لذلك بآثار منها : ( خيرُ الأسماء ما حُمِّد وعبُِّد ) . وقد قال بعض المحدِّثين في هذه الآثار : إنها واهية وموضوعة .
القسم الثالث : الأسماء المكروهة : وهي الأسماء التي تشتمل على معاني غير مرغوب فيها دينيا أو لفظيا وذوقيا أو اجتماعيا ، إما لقبحها بما تتضمنه من تشاؤم أو سبٍّ أو تعالٍ على الغير ، أو تزكيةٍ للنفس وثناءٍ عليها ، وإما لما فيها من مرارة ذكرياتها وبشاعة مدلولاتها ، ومن هذا القسم اسم : رسول ، وحَزْن ـ بمعنى صعْب ـ وحزين ، وحرْب ، وجبَّار ، وقاهر ، وقاتل ، وتقي ، والمتقي ، والرشيد ، ومُرَّة ، وحنظلة ، وعاصية ، وبرَّة ...
والأصل في كراهة التسمية بنحو هذه الأسماء ما رواه أبو داوود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " تسموا بأسماء الأنبياء ، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله ، وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمَّام ، وأقبحُها حرْب ومُرَّة." قال ابن حجر : وذلك لما في الحرب من المكاره ، ولما في مرة من المرارة.
وروى البخاري أن حَزْن جدَّ سعيد بن المسيب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : ما اسمك ؟ قال : اسمي حزن ، قال : بل أنت سهْل ، قال : ما أنا بمغيِّر اسْما سمانيه أبي ! قال سعيد بن المسيب : فما زالت فينا الحزونة بعد.
وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيَّر أسماء عدد من أصحابه إلى ما هو أحسن ، فغير اسم برَّة إلى زينب وجويرية ، وغير اسم عاصية إلى جميلة.
ومما ذكره العلماء في الأسماء التي يكره التسمية بها : بَرَكة ، ومُبَارك ، والأفضل والأشـرف ، وزين العابدين ، ومحيي الدين ، وشمس الدين ، وشمس الحق ، وحبيب الرحمن ، ونحو ذلك مما قد لا يكون لصاحبه من اسمه أي نصيب ، إن لم يقع منه عكس ذلك تماما من ضرر ووبال على الإسلام والمسلمين .
هذا ، ومن أسباب كراهة التسمي بهذه الأسماء الدعوة إلى حفظ المنطق واختيار الألفاظ ، والابتعاد عن المدلولات السلبية التي قد تشير الى تطيُّر تكرهه النفوس ، وحتى لا يقال : ذهب محيي الدين ، أو جاء محيي الديـن ... فيفهم أن الدين متوقف على فلان من الناس . وكذلك حتى لا يقال : ذهب التقيُّ أو جاء التقي ... فيتضمن هذا الثناء الذي قد يكون من قبيل الباطل وقول الزور ، من باب : لا تزكوا أنفسكم ...
القسم الرابع : الأسماء المحرمة : وهي الأسماء التي لا يجوز التسمي بها لاشتمالها على معاني ودلالات لا تتوافق مع العقيدة الإسلامية وصفائها وخلوصها لله تعالى وحده ، بل ربما تضمنت تلك الأسماء المحرمة ما هو من خصائص الله تعالى ، وذلك كالتسمي بخالق الخلق ، وملك الملوك ( ومثله في الفارسية : شاهان شاه ) والخالق ، والمهيمن ، والقدوس ، وعبد الدار ، وعبد الحجر ، وعبد شمس ، وعبد المسيح ، وسيد الناس ، وسيد الكل ...
والأصل في تحريم هذه الأسماء ونحوها ما رواه الشيخان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أخنع اسم عند الله رجلٌ تسمى ملك الأملاك ـ زاد ابن أبي شيبة : ـ لا مالك إلا الله عز وجل ".
وروى ابن أبي شيبة في المصنف : أن قوما وفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعهم ينادون : عبد الحجر ، فقال للرجل : ما اسمك ؟ قال : عبد الحجر ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنت عبد الله.
وذكروا : أن عبد الرحمن بن عوف كان يُسمَّى في الجاهلية : عبد الحارث ، فسماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - : عبد الرحمن.
توضيح شبهات في بعض الأسماء : قد يقول قائل : كيف نوفِّق بين ما سبق ذكره في الأسماء التي يحرم التسمي بها ، وبين ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري أنه قال : " تعِسَ عبدُ الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ، إنْ أُعطِيَ رضِيَ ، وإنْ لم يُعْطَ لم يرضَ " .
وكـذا ما صح عنـه في البخاري أنه قال : " أنا النبـي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ".
والجواب على ذلك : أنه لم يقصد ولم يُرِد في الحديث الأول ( تعس عبد الدينار ...) اسمَ شخص اسمُه عبدُ الدينار ، لأنه لا تجوز هذه التسمية أساسا ، وإنما أراد الدعاء أو الإخبار عن شقاء وتعاسة من سيطر على قلبه حبُّ الدنيا ، وشُغِف بها وبزينتها وزخارفها ، حتى صار عبداً لها وللثياب الفاخرة النفيسة ، يهتم بمظهره على حساب باطنه وخُلُقِه ودينه ...
أما الحديث الثاني : ( أنا ابن عبد المطلب ) فهو ليس من باب إطلاق تسمية جديدة حديثة الإنشاء ، وإنما هو من باب الإخبار بالاسم الذي عُرِف به جده عبد المطلب ، وهذا الاستعمال على هذا الوجه لا يحرم ، لأنه حكاية لما كان سابقا.
وتوضيحا لسبب هذه التسمية ، نذكر ما تناقله أهل السيرة : أن عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه في الجاهلية شَيْبة بن هاشم ، وأنه مكث سنوات في يثرب ( المدينة المنورة ) عند أخواله ، فجاء إليه عمُّه المطلب بن عبد مناف يريد العودة به إلى مكة ، فأركبه خلفه على بعيره ودخل به مكة ، فقال بعض قريش لما رآهما ـ وهو لا يعرف شيبة ـ : جاء المطلب ومعه عبد قد اشتراه ، فبها سُمِّي شيبة : عبد المطلب .
الخـاتمــة : وهكذا يمكن القول في ضوء ما سبق : أن للمسلم أن يتسمى بما شاء من الأسماء المباحة وهي كثيرة في حياة الناس لا حرج في اختيار أي واحد منها ، وأنَّ هناك بعض الأسماء التي يستحب التسمي بها ؛ لما لها من مدلولات دينية تذكِّر بالله الخالق الرازق الرحمن الرحيم ، كما أن هناك بعض الأسماء التي يكره التسمي بها ؛ لما اشتملت عليه من معان لا يُرتاح إليها ، بل هي ممجوجة غير مرغوبة شرعا وذوقا وفطرة .
وأما ما سوى ذلك من الأسماء التي تتضمن معاني مرفوضة شرعا ، أو فيها من الشرك أو شبهة الشرك ، أو هي مناقضة لأسس العقيدة وكمال العبودية لله تعالى ، فهي حرام لا يجوز التسمي بها ، قال البهوتي في الروض المربع : يحرم التسمي بنحو عبد الكعبة ، وعبد المسيح...
*الدكتور حسن عبد الغني أبو غدة أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية كلية التربية ـ جامعة الملك سعود بالرياض.