السؤال:
♦ الملخص:
سائل استشكلت عليه جزئية في فهم حديث نبوي، ويريد إزالة هذا الاستشكال.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، استَشكَل عليَّ فَهمُ حديث للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراةِ التوراةَ فعمِلوا، حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأُعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتي أهل الإنجيلِ الإنجيلَ، فعملوا إلى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأُعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس، فأُعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أي ربنا، أعطيتَ هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملًا؟ قال: قال الله عز وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيءٍ؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء))، فقد استشكل على فَهمي أن عمر أمة النصارى ٦٠٠ عام قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظ الحديث الشريف ذكر أن النصارى عملوا من نصف النهار إلى العصر، وهي مدة أطول من عمل المسلمين التي من صلاة العصر إلى الغروب، أرجو المساعدة في الفهم الصحيح للحديث، فعمر الأمة الإسلامية الآن ضعف عمر النصارى قبل البعثة النبوية، فما هو الفهم الصحيح للحديث الشريف؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قد أجاب أهل العلم على هذا بأجوبة؛ أقواها إجابتان:
الإجابة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد عمر الأمة الإسلامية مقارنة بمجموع الأُمَّتين اليهود والنصارى، لا مقارنة بأمة واحدة منهما، ولا شك أن عمر أمة الإسلام أقصر من عمر الأمتين معًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه بُعث هو والساعة كهاتين، وقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى[1].
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم)): إنما أراد به والله أعلم أتباع موسى وعيسى عليهما السلام، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بعمل أهل التوارة بها إلى انتصاف النهار، وعمل أهل الإنجيل به إلى العصر، وعمل المسلمين بالقرآن إلى غروب الشمس؛ لأن مدة هذه الأمة بالنسبة إلى مدة الدنيا من أولها إلى آخرها لا يبلغ قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس بالنسبة إلى ما مضى من النهار، بل هو أقل من ذلك بكثير، ويدل عليه صريحًا ما خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة العصر يومًا بنهار، ثم قام خطيبًا، فلم يَدَعْ شيئًا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به - فذكر الحديث بطوله، وقال في آخره: قال: وجعلنا نلتفت إلى الشمس هل بقي منها شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إنه لم يبقَ من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه)).
ويشهد لذلك من الأحاديث الصحيحة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين أصبعيه: السبابة والوسطى)).
وكل هذا النصوص تدل على شدة اقتراب الساعة؛ كما دل عليه قوله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]"؛ ا.هـ[2].
الإجابة الثانية: أن هذا باعتبار عمر كل فرد على حدة؛ فالأمم السابقة كانت أفرادها أطول عمرًا من أفراد هذه الأمة؛ فعَمَلُ هؤلاء الأفراد أطول بلا شك من عمل أفراد هذه الأمة، ومع ذلك أُعطينا أكثر مما أُعطوا.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "فربما قال قائل: فهذه الأمة قد قاربت ستمائة سنة من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون زمانها أقل؟ فالجواب: أن عملها أسهل، وأعمار المكلفين أقصر"؛ ا.هـ[3].
هذا، والله أعلم.
--------------------
[1] أخرجه مسلم (867).
[2] فتح الباري لابن رجب (4/ 333 - 335) مختصرًا.
[3] كشف المشكل في الصحيحين (1/ 416، 417).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6ISE4k600