إذا عَلِم العبد أن الله عز وجل هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالِمٌ بمعناها. وضد العلم الجهل؛ وهو الذي أوقع الضلال من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله وبالتالي أجازوا عبادة غير الله مع الله، فمن جهل معنى لا إله إلا الله لابد أنه سينقضها إما باعتقاد أو قول أو عمل.
العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا بحيث يعلم القلب ما ينطق به اللسان فإذا عَلِم العبد أن الله عز وجل هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالِمٌ بمعناها. وضد العلم الجهل؛ وهو الذي أوقع الضلال من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله وبالتالي أجازوا عبادة غير الله مع الله، فمن جهل معنى لا إله إلا الله لابد أنه سينقضها إما باعتقاد أو قول أو عمل. والدليل على صحة هذا الشرط قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد من الآية:19]. وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» (رواه مسلم).
مفهوم الحديث: أن من مات وهو لا يعلم التوحيد لا يدخل الجنة، ومن لا يدخل الجنة لا يكون مسلمًا؛ لأن المسلم يدخل الجنة، كما في الحديث المتفق عليه: «لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمة». وتأتي أهمية هذا الشرط كذلك من جهة كونه يتقدّم العمل بالتوحيد، وهو لازمٌ له؛ لأن التوحيد لا يمكن العمل به إلا إذا تقدّمه العلم.. فالعلم يتقدّم العمل في كل شيءٍ، ولا يصح العكس في ذلك. وعليه من حُرِم العلم بالتوحيد لزمه تباعًا أن يُحرم العمل به ولا بد،
لذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعنون تعلُّم التوحيد الأهمية والأولوية قبل أي علمٍ آخر. كما في الحديث عن جندب بن عبد الله قال: "كنا مع النبي ونحن فتيان، فتعلمنا الإيمان -أي التوحيد- قبل أن نتعلّم القرآن، ثم تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانًا" (صحيح سنن ابن ماجة: [52]).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل أحدًا من أصحابه إلى أي بلدٍ من البلدان يأمره بأن يدعو أهلها أولًا إلى التوحيد قبل أن يدعوهم إلى أي شيءٍ آخر، كما في الحديث المتفق عليه أن رسول الله لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تقدم على قومٍ أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله -وفي روايةٍ: لا إله إلا الله- فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلواتٍ في يومهم وليلتهم». وقوله: «فإذا عرفوا الله»؛ أي عرفوا الله بأسمائه وصفاته وخصائصه، وعرفوا حقه عليهم من التوحيد وإفراده في العبادة، وأطاعوك في ذلك.. فبعدها أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم خمس صلواتٍ في يومهم وليلتهم إلى آخر ما جاء في الحديث.
وهذا بخلاف ما عليه كثير من الدعاة المتأخرين، حيث تراهم أول ما يبتدئون به الناس دعوتهم إلى الصلاة والصوم والزكاة قبل أن يدعوهم إلى التوحيد ، ويُعرفهم على معناه .. بل ومن دون أن يدعوهم إلى التوحيد، أو يعنوه اهتمامهم !!
لذا لا تفاجأ لو رأيت بعض هؤلاء الدعاة يقعون في الشرك ويمارسونه وهم يدرون أولا يدرون ..فالشرك لا يلفت انتباههم ولا يثير حفيظتهم لأنهم لا يعرفونه، كما أن التوحيد لا يُعنى منهم الاهتمام والدراسة لجهلهم لحقيقته وفضله وقيمته .
قال الإمام البخاري :
(باب العلم قبل القول والعمل ؛ لقوله تعالى : سورة محمد الآية 19 فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ محمد : 19] ، فبدأ بالعلم) .
قال الإمام الشافعي في الرسالة ( 1/42-53 بتحقيق أحمد شاكر ، ط . دار الكتب العلمية
(فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده ، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، ويتلو به كتاب الله ، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير ، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك ).
وقال البغوي عند تأويل :
( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق ) "وأراد بشهادة الحق قوله لا إله إلا الله كلمة التوحيد ( وهم يعلمون ) بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم" معالم التنزيل (7/350) سورة الزخرف/آية 86)
وقَالَ الْقَاضِي عياض في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " : وَقَدْ يَحْتَجّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يُرَى أَنَّ مُجَرَّد مَعْرِفَة الْقَلْب نَافِعَة دُون النُّطْق بِالشَّهَادَتَي ْنِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْعِلْم .وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْمَعرِقَة مُرْتَبِطَة بِالشَّهَادَتَي ْنِ لَا تَنْفَع إِحْدَاهُمَا وَلَا تُنَجِّي مِنْ النَّار دُون الْأُخْرَى إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى الشَّهَادَتَيْن ِ لِآفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لَمْ تُمْهِلهُ الْمُدَّة لِيَقُولَهَا ، بَلْ اِخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّة . وَلَا حُجَّة لِمُخَالِفِ الْجَمَاعَة بِهَذَا اللَّفْظ ؛ إِذْ قَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر :" مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه اللَّه وَأَنِّي رَسُول اللَّه " وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيث وَأَمْثَاله كَثِيرَة فِي أَلْفَاظهَا اِخْتِلَاف ، وَلِمَعَانِيهَا عِنْد أَهْل التَّحْقِيق اِئْتِلَاف ، فَجَاءَ هَذَا اللَّفْظ فِي هَذَا الْحَدِيث ". نقله النووي في شرح مسلم واستحسنه
وقال الإمام البدر العينتابي في شرح قول الإمام البخاري :
(باب العلم قبل القول والعمل ؛ لقوله تعالى : سورة محمد الآية 19 فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ محمد : 19] ، فبدأ بالعلم) .
(أي هذا باب في بيان أن العلم قبل القول والعمل : أراد أن الشيء يعلم أولًا ، ثم يقال ، ويعمل به ؛ فالعلم مقدم عليهما بالذات ، وكذا مقدم عليها بالشرف ؛ لأنه عمل بالقلب ، وهو أشرف أعضاء البدن ...؛ وقال ابن المنير : أراد : أن العلم شرط في صحة القول والعمل ؛ فلا يعتبران إلا به ؛ فهو متقدم عليهما ؛ لأنه مصحح النية المصححة للعمل ؛ فنبه البخاري على ذلك ) .
وقال الملا علي القاري :
(يتعين على كل موقن أن يعتني بشأنها [كلمة التوحيد] مبنى ومعنى ، لينقل من إفادة مبناها * إلى إعادة معناها * ؛ فإنها مفتاح الجنة * * وقد نص الأئمة * من سادات الأمة * : أنه لا بد من فهم معناها * المترتب على علم مبناها * ؛ ليخرج عن ربقة التقليد ، ويدخل في رفعة التحقيق والتأييد ؛ وقد قال تعالى : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ محمد : 19] .[منقول]