في هذه المنظومة نلقي الضوء على أشهر ملاحدة الأمة

قصة ملحد ..!!
. . . . . . . . .
بالأمس انتهيت من قراءة كتاب : عبدالله القصيمي ..
وجهة نظر أخرى !!
لمؤلفه الشيخ : سليمان بن صالح الخراشي، وقد تضمن هذا السفر الكبير ١٤ ردًا على صاحب الترجمة : القصيمي، واحتوى على أكثر من٨٧٠ صفحة .

فمن هو القصيمي هذا؟ وما قصة انتكاسته وإلحاده؟

سأحاول من خلال السطور اليسيرة الآتية أن ألخص للقارئ الكريم ما قرأته ووعيته عن مسيرة أحد أشهر المنتكسين في مطلع القرن العشرين المنصرم، أثارت انتكاسته ضجة مدوية في أرجاء الشرق الأوسط وخارجه، على كل الأصعدة والمستويات العلمية والثقافية والإعلامية؛ رغم محدودية الإعلام في حينه، وقبل انفجار الثورة الإعلامية الهائلة في عالم اليوم..!!

إنه الشيخ المعمر الهالك : عبد الله بن علي الصعيدي، المشهور بـ( عبدالله القصيمي النجدي)؛ المرفقة صورته مع الكتاب، أحد أشهر رموز الانتكاسة والسقوط في القرن العشرين؛ المتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ ومن عالم سني موحد، إلى شيوعي مرتد ملحد ..!!
ولله في خلقه شؤون ..

ولد القصيمي في قرية خبّ الحلوة من منطقة القصيم، عام ١٩٠٧م، لأم قصيمية، وأب مصري صعيدي، قدم أجداده إلى نجد مع جيش إبراهيم باشا عندما هاجمها سنة ١٨١٨م.

مراحل حياة القصيمي ..
مر القصيمي بثلاث مراحل رئيسة في حياته:
المرحلة الأولى : مرحلة الطفولة البأئسة والتحصيل العلمي المبكر، حيث عاش حياة فقر وبؤس بعد انفصال أبويه، وانقطاع أخبار والده عنه، فعمل أجيرًا لكسب العيش، ثم بدأ رحلة البحث عن والده الذي انتقل إلى ساحل عمان، فالتقى به بعد رحلة بحث شاقة ومضنية، وهناك بدأ رحلته في طلب العلم بإشراف والده، الذي ما لبث أن فارق الحياة قبل أن يبلغ ولده الحلم .
واصل الشاب القصيمي رحلة الطلب والمعرفة، وعرف عنه شغفه بالدراسة وحب الطلب منذ الصغر، فاتنقل بعد وفاة والده من ساحل عمان، إلى الدراسة في الرياض، وبقي فيها ما شاء الله، ودرس على خيرة علمائها في وقته، ثم انتقل بعدها إلى العراق فدرس على الشيخ الأمين الشنقيطي، وهو غير الشنقيطي المشهور صاحب أضواء البيان، ثم ارتحل إلى الهند، ثم عاد منها ليستقر به التطواف بعد ذلك في جامعة الأزهر، التي التحق بها عام ١٩٢٧م، وعمره عشرون سنة .
وصف القصيمي بحدة الذكاء والنهم في القراءة، مع المشاكسة في الطبع وحب الجدال المفرط!!
فأمضى في جامعة الأزهر ثلاث سنوات، ثم فصل منها في السنة الرابعة بقرار جامعي عام ١٩٣١م، بعد اختلافه مع أحد شيوخ هيئة علماء الأزهر، وهو الشيخ يوسف الدِّجْوي، بكسر الدال المشددة وسكون الجيم، بعدما أصدر الدجوي هذا، العديد من المقالات التي ينتصر فيها لمسألة التوسل بالأولياء والصالحين، ويقر فيها أفعال العامة المنكرة عند الأضرحة والمزارات، ومن تلك المقالات : مقالته الشهيرة :(التوسل وجهلة الوهابيين)، ونشر ذلك، عام ١٩٣١م، في مجلة - نور الإسلام - الذائعة الصيت في ذلك الوقت، فانبرى له عبدالله القصيمي بالرد والتفنيد لشبهاته، وألف أول كتاب صدر له بعنوان : (البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية)، فكان وقع هذا الكتاب كالصاعقة على الأزهر وشيوخه ؛ بما أحدثه من ضجة كبيرة، ورواج واسع محرج لهم، وما اكتسبه كذلك من أنصار ومؤيدين في الوسط العلمي والثقافي في ذاك الوقت، ثم ما تلاه من تعاطفٍ كبير إثر فصل القصيمي من الجامعة على خلفيات هذا الكتاب؛ وقد اتسم كتاب القصيمي بقوة الحجة العقلية والنقلية، وأعجب به الكثير من حملة العلم وطلابه، ثم أتبع القصيمي كتابه هذا بمؤلفين آخرين، كانا بمثابة المعركة المعلنة على علماء الأزهر؛ والكتابان هما : (شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام) و :(الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم)،
وبهذه الكتب الثلاثة، اكتسب القصيمي شهرة غير عادية، ولمع نجمه في الأوساط العلمية، حتى وقف إلى جواره مناصرًا ومنافحاً علامة مصر الكبير : الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب تفسير المنار، ومكنه من الكتابة في مجلته الشهيرة: (مجلة المنار).
وبعد اعتراف الحكومة المصرية رسميًا بالمملكة العربية السعودية عام ١٩٣٩م، أصدر القصيمي كتابه الشهير : (الثورة الوهابية)، يدعو فيه لتأييد المملكة ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويزيل ما علق بصورتها السلفية الناصعة من أباطيل وتشويه أعدائها، وقد نال بهذا الكتاب حضوة كبيرة عند الملك عبدالعزيز رحمه الله، ومسؤولي الدولة، وانهالت عليه العطايا والإكراميات، وأجرت له الدولة راتباً مجزئاً ظل يتقاضاه مدة حياته، وقيل : إنه قطع عنه بعد إشهار إلحاده.
وعندما أصدر الرافضي محسن الأمين العاملي اللبناني كتابه : (كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب)، تصدى له القصيمي برد مزلزل، سماه (الصراع بين الإسلام والوثنية)، في جزئين كبيرين، احتويا على ١٦٠٠ صفحة، وصف بأنه من الطراز الرفيع في الردود والمجادلة وقوة الحجة ونصر المحجة، حتى قال بعض علماء نجد : لقد دفع القصيمي بهذا الكتاب مهر الحور العين، ولن يضيره ما عمل بعد ذلك؛ وشبهه بعضهم بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عصره !!
وبهذا الكتاب الأخير بلغت سمعة القصيمي الأفاق، وأثنى عليه المادحون من أهل العلم والأدب والساسية، حتى أنشد فيه إمام الحرم المكي في ذلك الوقت، الشيخ عبدالظاهر أبو السمح قصيدة عصماء مطلعها :

ألا لله ما خط اليراعُ
لنصر الدين واحتدم الصراعُ

صراع بين إسلامٍ وكفرٍ
يقوم به القصيميُّ الشجاعُ !

وقد شعر القصيمي بعد هذا الكتاب وما لقيه من مدح وشهرة بالزهو والفخر والعظمة؛ ونيل بعض ما كان يتطلع إليه من الشهرة والمكانة بين أقرانه، ولكن لم يحالفه الحظ بعد ذلك في نيل التصدر المطلق، الأمر الذي انعكس على نفسيته وسبب له ردة فعل ساخطة على كل من حوله؛ فطغت عليه في هذه المرحلة عقدة الأنا وأخواتها؛ وظهرت منه خبايا النفس الكامنة النازعة إلى حب العلو والظهور، وخانه انعدام الإخلاص وزكاة النفس؛ وخذله العجب والكبر؛ وهو ما اتسمت به المرحلة الثانية! نعوذ بالله من سوء النية وخبث الطوية .

المرحلة الثانية : مرحلة التذبذب والشك والحيرة، وترك التوجه الشرعي وعلومه، واستبداله بالانكباب على قراءة كتب الفلسفة وثقافة الثورة الشيوعية البلشفية الملحدة؛ وغيرها من كتب الضلال والريب التي كانت تعج بها الساحة المصرية، فتشبع فكره بثقافة ماركس، إلى حد الإعجاب والانبهار ثم التأثر بها والتشرب لها فبدت عليه ملامح الشك والتشكيك، وبدأت تظهر على فلتات لسانه؛ وتسقط عليه إن سهواً وإن عمداً في مجالسه، فصار يشكك في البدهيات، ويثير الشبه والشكوك حول كليات الإيمان وأمور الغيب؛ ويطرح على جلسائه الشبهات حول وجود الجنة والنار، والقدر وعدل الله!!
يذكر أحد زملائه الذين تبرأوا منه بعد : إنه وضع سؤالاً على القصيمي تحير في الإجابة عنه فقال له : إن ابني سألني عن الجنة أين هي؟ فقلت له : في السماء، فقال : وكيف نصل إليها ونحن في الأرض؟ فلم أستطع الرد عليه . فما تقول أنت يا أبا علي؟
فقال القصيمي : أوما زلتَ تصدق هذه الخرافات البائدة !!
فلما رأى غضبي وامتعاضي قال لي : قل له : إن الذي جعلها في السماء قادر أن يرفعنا إليها !!

وذكر الشيخ ابن يابس وهو أحد زملائه الذين ردوا عليه، عن أحد الثقات أنه لقي القصيمي فقال له : من أين أقبلت؟ فقال القصيمي : من عند هدى شعراوي، فقال له الراوي مستغرباً : هدى شعراوي؛ وما تصنع عندها؟ قال : تعلمت منها علمًا لا يعرفه علماء الأزهر؛ قال : ماذا تعلمت منها؟ قال : تعلمت منها كيف أحطم هذه الأغلال، فقال له الراوي : أي أغلال تعني؟ قال: أعني الحجاب !!

تحير عقله الصغير أمام قدر الله وحكمته، كيف رفع هذا ووضع ذاك؛ وهدى فلانًا وأضل آخر ! فظل مترددًا بين شبهات الشك والحيرة، وشهوات النفس التي ما زال يتهم القدر بهضمها وظلمها؛ وأنه لم ينصفه على حد زعمه؛ فقاده ذلك للتشكيك بذات الله ووجوده !! وذهب عنه نور الإيمان؛ وانطفأت في قلبه جذوة القين؛ وفارقه توفيق الله، ولم تتداركه عنايته، لما سبق في علمه تعالى من استحكام غوايته وضلاله وشقاوته، بما قام بقلبه من العجب والغرور والكبر الإبليسي؛ وخلوه من الصدق والإخلاص، فخذل وأبلس؛ ولله في خلقه كمال الحكمة والحجة البالغة، (ولا يظلم ربك أحد)

وهنا أتذكر قول الإمام الذهبي رحمه الله، وهو يترجم في كتابه : سير أعلام النبلاء، لابن الروندي الملحد :"لعَن اللهُ الذكاءَ بلا إيمان، ورضِي اللهُ عن البَلادة مع التقوى"، فعَلام ما يأمَنُ أحدُنا مع قِلَّة البضاعة، وبَلادة الذِّهن، وعطَن الفَهم؟! فكيف لو انضمَّ إلى ذلك شهوةٌ خفيَّة، وشُبهةٌ غويَّة، والْتِماس رضا الناس).
وفي هذه المرحلة تعرض القصيمي للطرد من مصر إلى لبنان، من قبل الرئيس جمال عبدالناصر، بدافع النزعة القومية لا الدينية، بعدما بلغه أن القصيمي يسب العرب ويزري بهم؛ ويمتدح اليهود والنصارى؛ وقيل بل كان ذلك بطلب من الإمام أحمد حاكم اليمن، بعد أن أفسد مجموعة من طلاب ومنتسبي السفارة اليمنية في القاهرة، فطرد إلى لبنان، وقضى في فيها بضع سنين، واجتمع له هناك مع فتن الشبهات فتن الشهوات؛ فارتمى في أحضان البغايا والمومستات، وكان يقول متهكماً ومستهزئاً : كيف يعقل أن يدخل هؤلاء الصبايا الجميلات النار، ويدخل عجائز نجد وعميانها الجنة؟!
ثم عاد مرة أخرى إلى مصر، بشفاعات زملائه في الفكر والإلحاد، فظل بها حتى نهاية المرحلة الثالثة التي هلك في نهايتها.

المرحلة الثالثة : مرحلة نشر غسيل الإلحاد والاستعلان بالردة والكفر أمام الأشهاد، فخرج على الدنيا بكتابه (هذه هي الأغلال)!! ترجم فيه كل ما أملاه عليه شيطان شكه من شبهات ووساس وكفريات، وما تلقفه وأشربه قلبُه من شبهات ملاحدة الثورة الشيوعية الماركسية وغيرهم من ملاحدة الشرق والغرب، فزعم أن الإيمان بالإله والغيبيات بعمومها وتعاليم الأديان، ورسالات الأنبياء ليست سوى أغلال وقيود يجب الكفر بها والتمرد عليها !! وقد كان لهذه الردة الصارخة والسقوط المدوي ضجة كبيرة بين صفوف أهل الإسلام وأهل الإلحاد.
أما الملحدون فطاروا فرحًا بهذا الكتاب كل مطار، وانبروا للدفاع عن القصيمي والإشادة بعبقريته وحريته وتمرده الصارخ على كل شيء!!
وأما أهل الإسلام فتداعى بعضهم لتدارك الرجل والأخذ بيده، وظن البعض أنها زلة وغلطة يمكن تصحيحها وإعادة الرجل إلى جادة الصواب، فحاولوا التواصل معه والمناقشة له، ولكن هيهات هيهات!!
فات الآوان واستحكمت الغواية، وتشرب قلب الرجل الإلحاد؛ فلم يزدد إلا عتواً ونفوراً، ولج في غيه فأتبع كتابه الأغلال، بـعدة كتب كل واحد منها أسوء من الآخر، وكلها تؤكد ردته وكفره وجحوده، وتطعن في كل شيء؛ ومنها :
- (العرب ظاهرة صوتية)؛
- (هذا العالم ما ضميره)؛
- ( الكون يحاكم الإله)؛
- ( العالم ليس عقلًا)؛
- (أيها العار إن المجد لك)؛
- (كبرياء التأريخ في مأزق)؛
- (فرعون يكتب سفر الخروج)؛
- (الإنسان يعصي)؛
وكلها ظلمات بعضها فوق بعض؛ عناوينها يلعن بعضها بعضًا !!.
وقد تصدى للرد عليه كبار علماء وأدباء ومثقفي عصره، من أمثال : الشيخ عبدالرحمن بن سعدي،
والشيخ تقي الدين الهلالي، والشيخ زيد بن فياض، والشيخ عبدالله بن يابس، والشيخ أبو عبدالرحمن الظاهري، والشيخ صالح العصيمي التميمي، والأستاذ الأديب أحمدمحمد الشامي اليمني، وآخرين غيرهم رحم الله الجميع .

وهاك بعضاً من عناوين الردود :
- الرد القويم على ملحد القصيم
- بيان الهدى والضلال في الرد على صاحب الأغلال
- تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله
- مظهر الضلال في كتاب الأغلال .
————
خلاصة القصة :
ما وراء ارتداد عبدالله القصيمي وسقوطه هذا السقوط المروع؟

هناك تحليلات وتكهنات وتخرصات وإجابات كثيرة للإجابة على هذا السؤال؟
فمن قائل : إن الرجل كان عميلًا صهيونياً وقد اشتري بالمال؛ فأظهر ما كان يخفيه؛ وهذا بعيد جداً لنفي من عرفوه بأنه لم يكن ممن يشترى بالمال، وكانت حالته المادية أقرب إلى الفقر حتى هلك.
وقائل: إن الرجل ظل يتدحرج نحو الضلال ببطء وبشكل تدريجي، وكان يعاني من كوابيس وشكوك عميقة تهجم عليه فتمنع عنه النوم أحيانًا، فظل زمناً يكتمها ويدافعها حتى تمكنت منه وطغت عليه فصرعته.
وقائل : بأن علة الرجل جاءت من تكبره وغطرسته وعجبه بنفسه، حيث كان مفتوناً بجنون العظمة، وزهو النفس، وغرور الذكاء، مع جفاف روحه من التقـوى والزكاء والتواضع الذي هو من ثمار العلم ولوازمه، ومن أمثلة ذلك الغرور قصيدته التي ذكرها في مقدمة كتابه :(الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم) حيث قال مادحاً نفسه :

لو أنصفوا ﻛﻨﺖُ المقدمَ في الأمرِ
ولم يطلبوا غيري لدى الحادثِ النكرِ!

ولم يرغبوا إلا إليَّ إذا ابتغوا
رشاداً وحزماً يعربان عن الفكرِ!

ولم يذكروا غيري متى ذُكر الذكا
ولم يُبصروا غيري لدى غيبةِ البدرِ!

فما أنا إلا الشمسُ في غير برجها
وما أنا إلا الدر في لججِ البحر!

متى أجري فكل الناس في أثري
وإن وقفت فما في الناس من يجري!

على ما في البيت الأخير من زحف ظاهر !
ومما قاله من هوس الجنون في الثناء على نفسه :

ولو أن ما عندي من العلم والفضل
يُقسَّمُ في الآفاقِ أغنى عن الرسلِ!!

ومن هذه السفسطات التي تدل على ضعف العقل وخفته، وصغر النفس ودنائتها، دخل عليه الشيطان بخيله ورَجله، فأفسد عليه داخلة نفسه وإرادته، فوكله الله إليها وخذله، وحرمه نعمة السداد والتوفيق الذي من حرمه عاد علمه عليه وبالا، وفسد عليه دينه ودنياه حالًا ومآلاً ! نعوذ بالله من الحرمان والخذلان، وأن يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده !!

وللعبرة والعظة من هذه القصة المحزنة أقول :
١- يجب أن نؤمن بأن الله حَكَمٌ عدل لا يظلم أحداً مثقال ذرة، ولا يتخلى عن عبده حتى يكون العبد قد تخلى عن عبوديته، وفرغ قلبه من الإيمان به والإخلاص له والركون عليه.
٢- يجب على العبد الاعتناء بصفاء قلبه وتطهيره من كل شوائب الإرادات الفاسدة كالشرك الخفي(الرياء)، وسائر الأمراض المردية من العجب والكبر والغرور والشك والريب وغيرها، لأن هذه الأمراض الخفية هي سبب انتكاسة العبد وسوء خاتمته؛ فالقلب محل نظر الرب، وبصلاحه تصلح الأحوال وتستقيم الأعمال، وبفساده تفسد .
(إنّ اللهَ لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
٣- القصيمي ليس بدعاً في سلسلة الانحراف والسقوط، ولا فلتة من فلتات المرتدين في التأريخ، فأمثاله في التأريخ كثر ممن أضلهم الله على علم، وقصة بلعام بن باعوراء التي قصها الله علينا في سورة الأعراف، تتكرر على مدى التأريخ؛ قال تعالى:(واتلُ عليهم نبأَ الذي آتيناهُ آياتنا فانسلخَ منها فأتبعهُ الشيطانُ فكانَ من الغاوين ولو شئنا لرفعناهُ بها ولكنهُ أخلدَ إلى الأرضِ واتبعَ هواه فمثلُه كمثلِ الكلبِ إنْ تحملْ عليه يلهثْ أو تتركه يلهثْ ..) الآيات :١٧٤ الأعراف .
وقال تعالى :(أفرأيتَ مَن اتخذَ إلٰههُ هواهُ وأضلّهُ اللهُ على علمٍ وختمَ على سمعِه وقلبه وجعلَ على بصرِه غشاوةً فمَن يهديهِ من بعد اللهِ أفلا تذكرون)
الجاثية: ٢٣.
فهذا هو حال المنسلخين عن علم وبينة ممن ساءت مقاصدهم، ولا يهلك على الله إلا هالك.
وهنا يتجلى لك معنى الحديث المتفق عليه، :(ومنكم من يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، تفسره رواية أخرى خارج الصحيح:(ومنكم من يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس!)، إذاً فيما يبدو للناس فقط؛ وحقيقة الباطن الخفية على الناس بخلاف ذلك!!.
ومن هنا تدرك أنه لا قيمة لأي عمل صالح تقوم به مهما بدا في نظرك أو نظر الناس عظيماً، ما لم يكن مقصوده الله تعالى وإرادة وجهه والتقرب إليه به دون سواه؛ كما لا عبرة بصلاح البدايات أو فسادها في الحكم العام الكلي حتى تتضح النهايات، وما يختم للعبد به من خير أو شر؛ (إنما الأعمال بالخواتم)، ومن هنا تدرك خوف السلف وجزعهم من سوء النهايات وتغير الخواتيم،وكثرة حديثهم عنها !!
فاللهم اختم لنا بخير، واجعل عاقبة أمرنا إلى خير .
اللهم يا ملقب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك .

وأخيراً .. هلك القصيمي وذهب ذلك الإنسان الكنود الجحود إلى ربه الذي كرس أكثر من ثلاثة عقود من حياته للكفر والتشكيك به والصدّ عن سبيله، والتكذيب بوعده ووعيده، والطعن بأبنيائه ورسله وأوليائه ...
إلى آخر قاموس كفره ....!!!
هلك القصيمي بعد أن أمهله الله وأنظره وأمد له في العمر ليعذر إليه، فبلغ ٨٩ عاماً، حيث كانت وفاته سنة ١٩٩٦م، هلك ولم يعلم له توبة ولا رجوع أو نزوع عما كان عليه !!

نعم .. مات القصيمي ولم تملك الطبيعة التي كان يدين لها بالخلق والإيجاد، وينكر خالقها وموجدها،
أن تبقيه على قيد الحياة؛ أو تصنع له مجدًا كان يحلم به ويطمح إليه..!!
نعم .. مات القصيمي العجوز، وأسدل الستار على حياة تعد بكل تفاصيلها من مآسي التأريخ المنصرم؛ وأهيل التراب على قصة حزينة ونهاية مروعة، يتفطر لها ألماً وحزناً وحسرةً كل قلب موقنٍ وضمير حي ..!!
(يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريمِ الذي خلَقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاءَ ركبك)!!

#أبو_غالب_ الحميري