عندما تقول الأم لابنها حاول

من السهل على الإنسان أن يعلِّم الطفل القراءة والكتابة والحساب، لكن من الصعب أن يعلِّمه كيف يعيش ويواجه صعوبات الحياة ومشكلاتها·· لذلك علينا بناء شخصيته قبل كل شيء·

جلس ولدي وراء المنضدة وحوله ألعابه المختلفة التي تعمدنا انتقاءها لتعليمه الحروف والأرقام، وهو الطفل الذكي ابن الثلاث سنوات، وكان بعضها من الألعاب التركيبية التي تمكنه من صنع أشكال متنوعة، بناية، طائرة، دبابة··· إلخ· بينما كنت أقوم بأعمالي المنزلية وكانت كثيرة جداً في ذلك اليوم من غسيل وطبخ، وتنظيف وترتيب··· إلخ·

فجأ"ة وأنا في المطبخ سمعت صوت ارتطام الألعاب وهي تلقى على الأرض، اقتربت فرأيتها تتناثر، كل في اتجاه، وصوت <الحسن> يعلو محتجاً مستنكراً، فكرت ماذا أفعل؟ أترك أعمال البيت وألعب معه لأنه وحيد وليس له أنيس سواي؟
وقررت بسرعة لماذا لا ألعب معه؟، وأعلمه بالوقت عينه أن يعتمد على نفسه ليكون في المستقبل رجلاً لا يهاب الصعاب يعالج مشكلاته الخاصة دون بأس أو ملل·
اقتربت منه وسألته: ما بك يا حسون؟
قال: أمي أريد أن أُركِّبَ شكلاً ولكن كلما ألصقت القطع ببعضها بعضاً لا يظهر الشكل الذي أريده·
قلت له: تعال نحاول مرة أخرى، اجمع معي القطع وضعها أمامك· عاد وجهه الجميل إلى ابتسامته المعتادة وظهر عليه الارتياح فهو من الأطفال الذين يسبقون سنهم في العقل والتفكير· جمعتُ وإيَّاه القطع وجلست بجانبه قبَّلت خده الأبيض المورِّد، وقلت: حاول واعتمد على نفسك وابدأ بالقاعدة·
بدأ <حسون> يُركَّب بصمت وهدوء وكأنه مخترع وانشغل تماماً حتى إنه نسي وجودي بجانبه، انسحبت وعدت إلى المطبخ، وإذ به بعد دقائق يأتيني راكضاً منادياً: ماما ماما تعالي سحبني من يدي لأرى بناية جميلة جداً وكأن مهندساً بارعاً قد خطط لبنائها، حملته وقبلته على جبينه مثنية على عمله·
بعدها أنهيت أعمال المنزل وحان موعد رجوع والده إلى البيت وحين سمع ولدي <الحسن> قرع الجرس وثب نحو الباب يريد أن يزف لأبيه بشارة النصر· وكان من عادة والده أن يسأله منذ دخوله إلى البيت: ماذا علمتك أمك اليوم أيها الحسن؟·
فيجيبه؛ قراءة سورة قصيرة من القرآن الكريم حفظ، عدد من آياته، ونطق بعض الحروف أو بعض الأرقام·
في هذه المرة لم ينتظر الحسن السؤال بل راح يقفز حول والده مردداً لقد علمتني أمي كلمة: <حاول> فحاولت ونجحت نجحت نجحت، تعال لترى··· دخلا غرفة الجلوس نظر أبوه إلى البناء وإلى وجه الحسن ووجه الأم مدركاً المغزى والهدف البعيد لهذه الكلمة ـ وهو الفنان المثقف ـ ودخل غرفة المكتب وأحضر آلة التصوير وطلب إلى الحسن أن يجلس إلى جانب الشكل وصوَّرهما معاً، مشجعاً إياه ومعززاً ثقته بنفسه، وامتلأ بيتنا الصغير بهجة وسروراً·

منقول