المتابعة التربوية ضرورة مُلحَّة



رجب أبو بسيسة


تربية النشء والشباب عملية شاقة، تحتاج إلى طول نفس وصبر واستمرارية، ومن أهم أركان هذه العملية المتابعة، وهذه المتابعة مبناها على قوة الملاحظة، ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف عند الشاب، ومن ثَمَّ توجيهه إلى تجاوز نقاط الضعف، واستثمار نقاط القوة في التغلب على تحديات الواقع.

ومن ثمرات المتابعة الجيدة توجيه الشاب إلى اختيار الصحبة الصالحة، والبعد عن صحبة السوء، ومواجهة الشهوات، وحل مشكلات المراحل العمرية التي يمر بها، وإيجاد بيئة نافعة يكتمل فيها نموه باتزان، ويزداد فيها إيمانه، وتحصينه ضد الانحرافات الفكرية والسلوكية، ودعوات التغريب التي ينعق أصحابها ليل نهار على أتباعهم، وتستهويهم لطمس الهوية، وقتل روح الانتماء والاعتزاز بالأمة.


ومن ثمرات معرفة نقاط الضعف ونقاط القوة وطريقة تفكير الطالب وميوله ورغباته الارتقاء والتطوير والتهذيب والتزكية وهو الأمر الذي نفتقده في المحاضن التربوية!

العمود الفقري

كذلك فالمتابعة هي العمود الفقري للعملية التربوية ومن دونها تهدر الطاقات وتقتل الكفاءات دون أن نشعر، وفرق جوهري بين النصح والوعظ في اللقاءات والمحاضرات، وبين الاهتمام بتحويل مضمونها إلي سلوك إيجابي داخل المحاضن، بل وخارجها، وهذا هو المقصود الأعظم من التربية.

تفعيل المتابعة

والمتأمل جيدًا لواقع العمل التربوي الآن يجد أننا ينقصنا الكثير من الإجراءات التربوية لتفعيل المتابعة المطلوبة حتى تؤتي ثمارها، ولذلك يلزم القائم على عملية التربية عدم الاكتفاء بالتقييم والتشخيص؛ لأن التقييم وسيلة وليس غاية في حد ذاته.

مخرجات هشة وضعيفة

فالتربية التي تقوم على اللقاء الأسبوعي العابر، أو المحاضرات العامة بلا متابعة وبناء وتقويم مستمر، غالبًا ما تكون مخرجاتها متذبذبة وهشة وضعيفة، فالمجالسة والمعايشة ليست مقصودة لذاتها بل هي وسيلة فاعلة للبناء والتقويم، وإن لم تكن كذلك فلا تعدو أن تكون مجرد ارتباط عاطفي فقط، وهذا يكون بلا فائدة وتكون مفسدته حينئذ أكبر من نفعه.

وضع الأهداف

إن وضع الأهداف للأنشطة وضبط العلاقة بين المربي والطالب يجب أن يكون واضحًا في ذهن المربي، فيعلم ماذا يريد بوضوح، ويضع الخطط المتدرجة التي تساعد الطالب بطريقة واضحة في بناء الشخصية التكاملية فهمًا وعلمًا وسلوكًا ودعوة إلى الله -تعالى.

تفقد وملاحظة

كذلك تحتاج المتابعة إلى تفقد وملاحظة دقيقة للتغيرات الإيجابية، وكذلك السلبية، وكلما كان المربي ماهرًا في الملاحظة المبكرة ساهم ذلك في الإصلاح والتغيير للأفضل؛ لأن كل معضلة حلها يكون في البداية أيسر، أما إهمال الأمور الصغيرة مع مرور الوقت يجعلها تتحول إلى أشياء معقدة ومشكلات صعبة، وحينها تحتاج إلى مجهود مضاعف للحل، وقد تتعقد أكثر فيصعب حلها، وليس المقصود بالمتابعة التدخل الدقيق في تفاصيل حياة الطالب، أو الانتباه لكل هفوة تصدر منه، بل المقصود أن ينتبه المربي للأمور والتقلبات مبكرًا حتي يسهل عليه تدارك الخلل مبكرًا.

الغفلة والتغافل

وأيضًا لابد في المتابعة من أن نفرق بين الغفلة والتغافل، فالتغافل مهم وضروري ومطلوب لا سيما في الأمور اليسيرة التي يمكن أن تعالج بالنصيحة العامة، لكن الغفلة عيب خطير في التربية، ولا تليق بالمربي الذي يسعى لتغيير الواقع وإصلاح المجتمع أن يغفل عن طلابه.

عبادة وقربة

وأخيرًا: المتابعة عبادة وقربة عظيمة ولها أثر كبير في اكتشاف الطاقات وإيجاد أفراد ولبنات صالحة لتشييد صرح الأمة من جديد.