الاستطاعة كما قررها الطحاوي في عقيدته:
الاستطاعة نوعان:
أولا: استطاعة بمعنى وجود آلات الفعل والطاقة والقدرة اللازمة لفعله، فهذه تكون قبل الفعل، والمراد بسلامة الآلات صحة الجوارح وارتفاع الموانع كالمرض ونحوه، وعلى أساسها يكون الأمر والنهي، فالخطاب متعلق بها، والتكليف منوط بها، ولا يلزم من وجودها وجود الفعل، فليس كل من كان سليما صحيحا قادرا يوجد الفعل المأمور به، وبها يتعلق خطاب الشارع بمعنى أن صاحبها أهل للتكليف وهي صفة تعود إلى العبد.
ثانيا: القدرة والإرادة التي بها الفعل، وهي تكون مت الفعل، وهي بمثابة التوفيق والهداية الذي لا يوصف به إلا الله تعالى، ويلزم من وجودها وجود الفعل، فمن وفقه الله لشيء فلا بد من ظهوره ووجوده، وهي مناط القضاء والقدر، وهي صفة تعود إلى الله فهو الموفق الخالق الأفعال.
فعامة أهل السنة على أن للعبد قدرة هي مناط الأمر والنهي وهذه تكون قبل الفعل، والقدرة التي بها الفعل لا بد أن تكون مع الفعل لا يجوز أن يوجد الفعل بقدرة معدومة.
قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: ٩٧]
فأوجب الحج على المستطيع، فلو لم يستطع إلا من حج لم يكن الحج قد وجب إلا على من حج ولم يعاقب أحدا على ترك الحج، وهذا خلاف المعلوم بالضرورة من دين الإسلام.
وكذلك قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: ١٦].
فأوجب التقوى بحسب الاستطاعة، فلو كان من لم يتق الله لم يستطع التقوى لم يكن قد أوجب التقوى إلا على من اتقى ولم يعاقب من لم يتق، وهذا معلوم الفساد.
فالاستطاعة المقارنة الفعل:
١- ليست مناط التكليف ولا يتعلق بها خطاب الشارع.
٢- تكون مع الفعل فلا تتقدمه.
٣- خاصة بالمؤمن.
٤- صفة لله تعالى فهو الموقف للفعل.
٥- لا يتخلف عنها الفعل، فلا بد أن يحصل الفعل.
٦- هذه الاستطاعة ضدها الخذلان.
أما الاستطاعة التي تكون قبل الفعل:
١- مناط التكليف.
٢- قد تتقدم الفعل وقد تصحبه، تكون قبل الفعل، وتكون مع الفعل.
٣- عامة للمؤمن والكافر.
٤- صفة للمخلوق وهي توفر الآلات والأسباب.
٥- قد يحصل الفعل وقد لا يحصل.
٦- هذه الاستطاعة ضدها العجز.
وقد خالف أهل السنة في مسألة الاستطاعة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.
أما الجهمية فقالوا أنه ليس للعبد أي استطاعة لا قبل الفعل ولا معه.
أما المعتزلة فقالوا: إن الله تعالى قد مكن الإنسان من الاستطاعة، وهذه الاستطاعة قبل الفعل، وهي قدرته عليه وعلى ضده، وهي غير موجبة للفعل.
وأما الأشاعرة فقالوا: إن الاستطاعة مع الفعل، لا يجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه وما يفعله الإنسان فهو كسب له.
والحق مع أهل السنة أن الاستطاعة نوعان منها قبل الفعل ومنها ما يصاحب الفعل.
[للمزيد ينظر: التوضيحات الجلية على شرح العقيدة الطحاوية: ٣/ ١١١٦ - ١١٢٠)]، للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس، باختصار وتصرف.