الصدق[1] دُرة الأخلاق، وخَصلة من أعظم خِصال الخير، وهو من مكارم الأخلاق التي جاء الإسلام بتأكيدها والأمر بها، وهو خلق رفيع يتسم به الأفاضل من الناس؛ ولذلك كان وصفًا ملازمًا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمؤمن عليه أن يلتزم الصدق في ظاهره وباطنه.
الصدق في القرآن الكريم:
أمر الله عز وجل المؤمنين أن يتحلوا بالتقوى وبالصدق؛ فقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
أي: "اصدقوا، والزموا الصدق، تكونوا من أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا" [2].
فقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بتقواه بفعل ما أمر الله، واجتناب ما نهى عنه، ثم أمرهم بالصدق في أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم، واتِّصاف المربي بالصدق عند قيامة بعمله من أهم الصفات؛ وذلك لأن عمله يقتضي منه ذلك، ولهذا أثنى الله على الصادقين، ورغب المؤمنين أن يكونوا من أهله [3].
الصدق في السنة النبوية:
حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تحرِّي الصدق، فعن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ[4]، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» [5].
فحث الحديث على "تحرِّي الصدق، وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه، فعُرف به، وكتَبه الله لمبالغته صديقًا إن اعتاده، أو كذابًا إن اعتاده، ومعنى يُكتَب هنا يُحكم له بذلك، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم، أو صفة الكذابين وعقابهم"[6].
فمنزلة الصدق هي "منزلة القوم الأعظم الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه، فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهلُ النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران... ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين" [7].
التربية على الصدق:
على المربي "أن يحقِّق في نفسه ما يريد أن يحقِّقه في الآخرين، فيتعهد نفسه بالرعاية ويمتاز بالشفافية، ويتحرى الصدق في المواقف، والإخلاص في النية" [8].
فالصدق خلق كريم دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يكون المؤمن صادقًا مع الله عز وجل، وكذلك مع نفسه، ومع الناس، فالصدق بكل أشكاله وألوانه دعا إليه الإسلام، فإن كان الصدق مطلوبًا من جميع الناس، فإنه في القدوة أكثر طلبًا.
ومما يجب على المربي أن يكون صادقًا فيما يدعو إليه، وأمارة صدقه "أن يطبقه على نفسه، فإذا طابق علمُه عملَه اتَّبعه الطلاب، وقلَّدوه في أقواله وأفعاله، أما إذا خالف عمله ما يدعو إليه، فإن طلابه يشعرون بعدم صدق المربي، يعلم الرياء للطلاب، بدون أن يشعر بذلك؛ لأن الطلاب يتأثرون بسلوك معلمهم كما يتأثرون بكلامه، فهو قدوتهم في كل ما يقول ويفعل، فهو بعدم الصدق يُسيء إلى نفوس طلابه، وينحط بها بدلًا من أن يزكيها وينهض بأخلاقهم"[9].
فالمعلم "مُربٍّ وقدوة ينظر إليه طلابه وزملاؤه على أنه مثل أعلى لهم، فعليه أن يحترم هذه المكانة ويحافظ عليها، ولا ينزع ثقة طلابه به، فلا يجوز للمعلم أن يكذب ولو مازحًا؛ لأن الطلاب ينظرون إليه على أنه قدوة وعيونهم معقودة عليه" [10].
ومما ينبغي على المسلم أن يتصف بصدق حاله، فلا يظهر خلاف ما يبطن؛ لأنه قدوة ينظر إليه الصغار والكبار والجيران على أنه قدوة ومثل أعلى، فمن الواجب عليه أن يحترم هذه المكانة، وأن يحافظ عليها، ويكون صادقًا في جميع أحواله، وإلا فيخشى عليه من خسارة دينه، ومن أن يفقد حب واحترام الناس.
----------------
[1] الصِّدْق: نَقِيضُ الْكَذِبِ، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقًا وصِدْقًا وتَصْداقًا، صَدَّقه: قَبِل قولَه، وصدَقَه الْحَدِيثَ: أَنبأَه بالصِّدْق؛ [انظر: لسان العرب؛ ابن منظور، ج13، ص 193].وحدُّ الصدق التام هو: مطابقة القول الضمير والخبر عنه، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًّا؛ انظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، ص193؛ تحقيق: د. أبو اليزيد أبو زيد العجمي، دار السلام - القاهرة، 1428 هـ - 2007م.
[2] تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير، ج4، ص204.
[3] أخلاقيات مشرف التربية الإسلامية وأثرها على المعلم؛ علي بن عبدالعزيز الراجحي، ص113، مقال في كتاب: القدوة الحسنة وأثرها في بناء الجيل: جمع المادة العلمية: على نايف الشحود.
[4] فالبر بفتح الباء الواسع الخير، وهو مأخوذ من البر بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان، وهو اسم جامع للخير؛ انظر: شرح صحيح مسلم؛ النووي، ج16، ص49.
[5] صحيح البخاري، كتاب الآدب، باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، ج8، ص30، رقم ح 6094، وفي صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، ج4، ص2013، رقم ح 2607.
[6] المنهاج شرح صحيح مسلم؛ النووي، ج16، ص160.
[7] مدارج السالكين؛ ابن القيم الجوزية، ج2، ص257.
[8] القدوة وأثرها في المربين؛ عصام خضر، ص11؛ مقال في كتاب القدوة الحسنة وأثرها في بناء الجيل: جمع وإعداد على نايف الشحود.
[9] أصول التربية الإسلامية وأساليبها؛ عبدالرحمن النحلاوي، ص141، (بتصرف).
[10] التربية بالقدوة في ضوء آيات القرآن الكريم والسنة النبوية؛ جميل بن معيط بن زيد، رسالة ماجستير في التربية الإسلامية، قسم التربية الإسلامية والمقارنة، كلية التربية، جامعة أم القرى بمكة المكرمة؛ إشراف: د/ حازم علي أحمد بدرانة، 1432- 1433هـ.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/139080/#ixzz6GMvgb8YP