تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: البيئة النصية

  1. #1

    افتراضي البيئة النصية

    الكلمة بين المعنى المعجمي، والصياغة الصرفية، والبيئة النصيَّة:
    عندما يشرع الأديب في رسم لوحة أدبية – أيًّا كان نوعها – فإنه ينتقي من المفردات، والصياغات ما يستطيع أن يحمل رسالته، ويعبر عنها بالدرجة ذاتها التي يريد، ولذلك؛ وجدتُ أنه من واجبنا أن نتعرّف الطبيعة اللغوية للمفردات التي نوظفها في نصوصنا، والمتغيرات التي تطرأ على معناها المعجمي إذا صيغتْ صياغة ما، أو نُقِلتْ من بيئة نصيَّة إلى بيئة أخرى؛ حتى تكون تعبيراتنا مؤثرة، وتراكيب نتاجنا الأدبي تمتلك خاصية الجاذبية في ذاتها، وكذا سحر المتلقي؛ فيستحضر معها تجاربه؛ ويكون المبدع - حينذاك - قد نجحَ في توصيل رسالته، وعبَّر عنها بصدق.
    وندرك جميعًا أن لكلِّ لفظة في اللغة معنى معجميًا نستطيع معرفته بدلالة جذره (حروفه الأصلية) المكون له، كما يمكننا إدراك حدوث فعلٍ، وكذا زمن الفعل من خلال صياغته، وندرك أن له فاعلًا باعتبار أن لكل فعلٍ فاعلًا، كما ندرك كذلك مكانه حسب الملابسات، ومثال ذلك: الفعل "شَرِبَ" بصياغته تلك يدل على حدوث الشرب، بالإضافة إلى دلالته على الزمن الماضي، أضف إلى ذلك دلالته المعنوية على أن هناك شاربٌ، وهو الفاعل، ولا يُعقَلُ أن هذا الحدث قد حدث في غير مكان، فتلك أربع دلالات.
    وقد تتباين معاني الألفاظ بسبب الصياغات الصناعية التي تخضع لها، وأخص بالذكر هنا الفعل، ولو أننا سُقنا مثالًا على ذلك من الاستعمالات التراثية لصيغة صرفية، ودلالاتها في الفعل الثلاثي، لوجدنا أن معانيه تتباين حسب البيئة اللغوية التي وُضِع فيها، بمعنى أن المعنى المعجمي، والمعنى الوظيفي – حينئذٍ – يتعاونان في إيجاد معنى جديدٍ للكلمة في بيئتها الجديدة بالإضافة إلى المدلول اللغوي الأول.
    ولتكن الصيغة الصرفية التي نسوقها مثالًا لتعدُّد معانيها وصولًا إلى التباين بين المعنى الأول، والصيغة الجديدة: "فَعَّلَ"، فقد تغيرت دلالاتها في ضوء الاستعمال الذي وردت فيه، مما يدل على أن البيئة اللغوية لها دورٌ فعّال في أداء المعنى يتعاون معها المدلول المعجمي؛ فهي تدل على:
    1 – كثرة الحدث، تقول: كَسَرْتُها، وقَطَعْتُها، فإذا أردت كثرة الحدث قلتَ:كسَّرْتُها وقطَّعتُها، وقد ورد ذلك في الاستعمال القرآني، في قوله تعالى:"وغلَّقَت الأبواب" سورة يوسف 23 ، فكأن التغليق لكل بابٍ، وكذلك في قوله تعالى:"وفجَّرْنا خلالهما نهَرا" سورة الكهف33 ، وكأن التفجيرَ حدث في كل أجزاء النهر.
    2 –لإيجاز المعنى: ومنه قولك: كبَّرتُ، وهلَّلتُ، وسبَّحتُ، أي: قلت الله أكبر، ولا إله إلا الله، وسبحان الله.
    3 – للسلب والإزالة: أي إزالة الحدث ذاته، وقد ورد ذلك في قوله تعالى:" حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم" فقد دل الفعل "فزِّعَ" على إزالة الفزع عن قلوبهم، ومنه قولنا: قذَّيْتُ عينه، أي أزلت القذى عن عينه.
    4 –للتعدية: بمعنى أن الفعل اللازم (لا ينصب مفعولًا به) يتعدى بهذه الصيغة إلى المفعول به، مثل: فرِح، وفرَّحْتُه، ومنه قوله تعالى:" قد بيَّنَّا الآيات لقوم يوقنون" سورة البقرة118 ، من الفعل "بانَ" ، والفعل المتعدِّي لمفعول واحد يتعدّى بها إلى مفعولين، ومنه قولك: عَرَفَ فلانٌ الحقَ، وعرَّفته الحقَّ.
    5 – تأتي للتصيير: أي تحويل الفاعل من صفة إلى أخرى، وذلك في الفعل اللازم، مثل: عجَّزَت المرأة، وثيَّبَت، أي صارت عجوزًا، وثيِّبًا.
    6 – ومن معانيها جعل مفعول الفعل المضعف مفعولًا للفعل "جَعَل": ومثاله: أمَّرْتُه، وولَّيْتُه، أي: جعلته أميرًا، وواليًا.
    7 – تسمية المفعول بالفعل ذاته، (وهذا قريب من سابقه): وذلك عندما نقول: خطَّأْته، وفسَّقْته، أي سمَّيته مخطِئًا، وفاسقًا.
    8 – الإعلام بالدعاء للمفعول به: ومنه قولك: سقَّيْته، ورعَّيْته، أي قلت له: سقاك الله، ورعاك الله.
    9 – التوجُّه: ومعناه: السعي إلى الجهة المشتق منها الفعل، ومثاله: شرّق، وغرَّب، أي توجه إلى الشرق، وتوجه إلى الغرب.
    10 – الدخول في الوقت المشتق منه الفعل: ومن ذلك قول المتنبي:
    فمسَّاهم وبُسْطُهُمُ حريرٌ...وصبَّحهم وبُسْطُهُمُ ترابُ
    أي: كانت حالهم في وقت المساء وهم على الحرير، فلما أغار عليهم أدخلهم في الصباح وفرشهم التراب.
    11 – تأتي مضادة للفعل"أفْعَل": ومنه قولك: فَرَّطتُ، بمعنى قصَّرتُ، وهو ضد: أفرطْتُ، أي: تعدَّيتُ المقدار.
    12 – وقد تأتي متضمنة صِيغة أخرى للفعل كـ"فَعَّلَ"، أو"تَفَعَّلَ":وم الأول قوله تعالى:" وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون" بمعنى " زَانَ"، ومن الثاني قوله تعالى:" فلما رآها تهتز كأنها جانٌّ ولَّى مدبرًا ولم يعقب"، أي: تَوَلَّى.
    ومما سبق يمكننا التأكيد على أنَّ الكلمة لها معنى معجميٌّ، ومعنى وظيفي، أيْ بيئة لغوية جديدة توضع فيها، فيتمازج المعنيان؛ لتبدو لنا الكلمة، وكأنها لبست ثوبًا جديدًا، أو اكتسبت معنى آخرَ، هذا، وما سبق من حديث كان فيما يخص الكلمة مفردة، وهي في صياغة صرفية معينة، ونحن نعرف أن الصياغات الصرفية للفعل متعددة، وحروف الزيادة التي تدخله ليستْ بقليلةٍ (سألتمونيها)، وكل واحد من تلك الحروف له دلالاته إذا دخل في تركيب الفعل، إلى آخر ذلك، فكيف بها وقد اتحدت مع غيرها، أو سُبِكتْ بيد الكاتب، أو المتكلم مع كلمة أخرى، أو كلمات، وكيف بها إذا وُضِعَتْ في قالبٍ موسيقي، وصَنع لنا الكاتب بها صورةً فيها من الألوان ما يَجْذِب، ومن الحركة ما يُدْهِش، وسكب المبدع على ذلك التعبير كله من ذاته، ومشاعره، وأحاسيسه؟!


  2. #2

    افتراضي رد: البيئة النصية

    للقائمين على الصفحة أقول:
    شكر الله لكم، لقد ظهر الموضوع كاملًا بعد أن كان هناك حذف لأكثر من نصفه.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •