زوجتي ترفض العودة.. وتتعلل بحضانة الطفلة؟!
أجاب عنها : خالد عبداللطيف
السؤال:
أعمل مهندساً زراعياً.. وكانت زوجتي تقيم عند أهلها؛ نظراً لسفري بسبب العمل، وكانت تأتيني يومين في الأسبوع..
ثم وفقني الله لعمل مناسب أستطيع معه الذهاب إلى البيت كل يوم فطلبت من زوجتي الإقامة في منزل الزوجية، ولكنها رفضت متعللة أن البنت في حضانة وأنها ستأتي للبيت بعد عدة أشهر عندما تنتهي الحضانة مع الحفاظ علي المبيت في المنزل يومين..
ولكني رفضت ذلك وطالبتها بالرجوع للمنزل فرفضت ولم ترد علي مكالماتي..
وعندما ذهبت إليهم في البيت تشاجرت معي والدتها وتطاولت علي وطردتني من المنزل، والزوجة موافقة علي ما فعلته والدتها.. فماذا أفعل؟!





الجواب:
مرحبا بك أخي الكريم في موقعك موقع "المسلم"، وشكر الله لك ثقتك، وأعانك وأصلح شأنك ويسر أمرك.
أخي الكريم:
اسمح لي في البداية أن أضبط معك المشكلة الحقيقية:
فليست المشكلة الأهم هي هذا الخلاف العارض بينك وبين زوجتك الكريمة..
ولا الشجار الذي وقع مع والدتها وانتهى بطردك من المنزل..
بل هذا وذاك من توابع المشكلة الأساس، وهي: رفض زوجتك الانتقال للإقامة معك بصورة كاملة بعد زوال المانع (وهو السفر بسبب العمل)؛ متعللة بحضانة الطفلة قرب منزل الأم، كما فهمت من سياقك.
ولست أهوّن من شأن ما جرى؛ فلا شك أن الشجار مع أم زوجتك، مع استشعارك موافقة الزوجة لها، هو أمر محزن ومؤلم، لكن العدل يقتضي وزن الأمور وتقديرها بما يحيط بها ويكتنفها، والتأمل والأناة قبل إصدار الأحكام والقرارات.
ولهذا فإني أشكر لك وأكبر فيك توقفك للمراجعة والاستشارة؛ وهو ما يعني حرصك على تدارك الأمر وجمع الشمل وتفادي ردود الأفعال السريعة الخطيرة.
أخي العزيز:
أعلم أن الأسى يعتلج في نفسك؛ فمكانة الزوج من زوجته مكانة عظيمة بلغت ما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" (صححه الألباني). وفيه إشارة إلى عظم حق الزوج على زوجته.
ولكن هذا - أخي المبارك - لا يعنى الاعتساف والتعنت من الأزواج، بل أمر الله الرجال بالعشرة بالمعروف وإكرام زوجاتهن ومراعاة ما جبلن عليه من مشاعر وعاطفة شديدة ترتبط بتكوين المرأة وطبيعتها.
كما أن تصورك موافقة زوجتك لوالدتها فيما جرى يحتاج إلى إعادة نظر؛ فالموقف محتدم والبيت بيت أمها، والشأن أنها تدافع عنها (بصرف النظر عن صواب ذلك من خطئه) فماذا عساها تفعل؟!
فهي أقرب لالتماس العذر في هذا الموقف الشائك من اتهامهما بالرضا عن ذلك.
واعلم - أخي الفاضل – أن من أفضل السبل لتحقيق طاعة زوجتك لك بالمعروف، والوقاية من مثل هذه المواقف، أن يكون تذكيرها بذلك (سواء منك أو من طرف آخر) بالمعروف والحكمة؛ فقد بدأ الله تعالى في بيان كيفية الإصلاح في حال نشوز المرأة على زوجها بقوله عز وجل: {فَعِظُوهُنَّ..} قبل غيره من الوسائل.
بل توعد الله من يبغي من الأزواج بعد الإصلاح وطاعة الزوجة بقوله سبحانه: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.
كما شدّد الله جل وعلا في حال التحكيم بين الزوجين عند الشقاق على إرادة الإصلاح من الحكمين وأنه سبب للتوفيق {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا..}.
ففي هذا كله إشارات وهدايات وترغيب في طلب الصلح وإقالة العثرة وجمع شمل بيت الزوجية بكل سبيل ممكن؛ ومن ثم فإني أشدّ على يديك وأهمس إلى قلبك أن تجدد نية الإصلاح والرغبة فيه؛ وأن تزيل منه كل ميل للانتصار لنفسك مما شجر بينكم.
ثم بعد ذلك أرى أن تستعين بالله تعالى في الخطوات العملية الآتية:
- تهدئة الوضع الذي شجر بينك وبين زوجتك وأهلها بحكمة وسعة صدر، ودعاء المولى جل وعلا بصلاح ذات بينك، وحفظ بيتك.
- اجعل أحد الأقارب الصالحين العقلاء الذين لهم اعتبار واحترام لديك ولدى أهل زوجتك وسيط خير في الإصلاح بينكم.
- اقطع حالة الجفاء مع زوجتك، وهاتفها واسأل عنها وعن ابنتكما، وأكّد لها أن ما بينكما من عشرة وطفلة وبيت، وصلة كريمة وميثاق غليظ، وحب وتقدير، أقوى – بعون الله - من نزغ الشيطان ومكائده، وأن أفضل ما يرد كيده الآن هو البدء من جديد وطوي صفحة ما جرى، وأن كل الأمور قابلة للتفاهم والحوار، من منطلق شراكة الحياة وتقديرك لها.
- فإذا هدأت النفوس وسكنت الأزمة تكون الخطوة التالية هي: حوار نبيل بالحسنى مع الزوجة الكريمة تظهر فيه اعتزازك بها وحبك لها، واحتياجك لقربها، وحرصك على جمع شملكما مع ابنتكما في بيتكما المبارك، وأنه بالإمكان نقلها لحضانة قريبة من البيت.
- ثم توقع كل الردود الممكنة من الزوجة، وأعد لكل منها جوابا حكيما واعيا:
· فإما أن تستجيب، ويلتئم الشمل؛ بحمد الله تعالى وفضله.
· وإما أن تبدي تفهمها وموافقتها، وتستشكل موقف والدتها؛ فتستعينان بالله على إقناعها بالحسنى. نعم.. من حقك شرعا أن تتمسك برغبتك، ولا يلزم أن توافق والدتها الكريمة، لكن ما أجمل أن تصل لما تريد بوفاق مبارك، ترجو به من المولى الفضل والبركة بحرصك على جمع الشمل الكبير بالعائلة؛ كما تحرص على جمع الشمل الخاص ببيتك.
· وأما إذا تمسكت الزوجة بموقفها؛ لمبررات معينة، فأظهر تفهمك لها، واصبر صبرا جميلا، هذه الأشهر المعدودة. وكن على يقين بأن هذا التفهم، والصبر، سيلقيان من زوجتك تقديرا كبيرا، ترى أثره بإذن الله في المستقبل، وأن الله تعالى سيطوي هذه الفترة ويعوضك خيرا جزاء حسن خلقك وعشرتك بالمعروف {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}؟!
وتأمل أخي وتفكر في الأثر الجميل المرجو من المولى الجليل لمن يدفع السيئة بالتي هي أحسن، فينقلب عدوه صديقا حميما: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
فكيف بمن ليسوا بأعداء؟! بل زوجتك وأهلها!
فاظفر بحظك العظيم؛ لتنال خيري الدنيا والدين.
سدد الله خطاك وووفقك وأقرّ عينك بزوال همك وجمع شملك.