مظاهر الشرف والعزة المتجلية في فهرسة الشيخ محمد بوخبزة


صدر حديثًا كتاب "مظاهر الشَّرفِ والعزَّة المتجلية في فهرسة الشيخ محمّد بوخُبْزة"، ويليها "منتهى المقالات ومُشتهى الكتابات"، إعداد وتخريج "بدر العمراني" أستاذ الحديث النبوي وعلومه بكلية أصول الدين بتطوان، وذلك عن دار الذخائر.
ويتناول الكتاب ترجمة أفردها الأستاذ الباحث "بدر العمراني الطنجاوي" لشيخه الفقيه العلامة الشيخ "محمد بوخبزة الحسني التطواني"، والملاحظ أنَّ هذه الترجمة تتخذ توجهًا تجمع فيه بين الترجمة العلمية الإخبارية من جهة، وبين عمل الفهرسة من جهة ثانية.
وهذا العمل سبق وأن شاع في أعمال القدماء من العلماء حين يعمدون إلى ذكر مشيخة الرجل وتسمية رجاله وما أخذه عنهم واستفاده منهم، وذلك في إطار بناء الترجمة والتعريف بالرجال، وقد ترجم العلماء لأنفسهم وأوكلوا في بعض الأحيان طلبتهم أو من يتنزل من تلامذة التلامذة لهم لصنع تراجم لهم، ومنه ما نجده في عمل القاضي عياض لشيخه أبي علي الصَّدَفي حافظ الأندلس، وفي عمل أبي القاسم ابن الشاط السبتي لبرنامج شيخه أبي الربيع عبيد الله بن الحسين العثماني الإشبيلي، ومثل ما عمله الشيخ عبدالرحمن الفاسي لوالده عبدالقادر بن علي الفاسي الفهري في "ابتهاج البصائر فيمن أخذ عن الشيخ عبدالقادر"، وكذلك الشيخ أبي حامد العربي بن أبي المحاسن لوالده في ترجمة "مرآة المحاسن في أخبار الشيخ أبي المحاسن"...
وغيرها الكثير من الأمثلة والشواهد.
وقد مزج الأستاذ بدر العمراني بين عمل الفهرسة والترجمة وكتابة السيرة الذاتية لشيخه أبي خبزة، وهو أمر طبيعي لأنه يترجم لرجل اتصف بالعلم والعمل فيه، واتخذ الرواية والإسناد من بين ممارساته العلمية، فكان لابد أن تتجه صيانة ترجمته إلى عرض أحواله أولًا في النشأة والدراسة والرحلة والإنتاج التأليفي والأدبي، وإلى عرض ممارساته العلمية ثانيًا في ذكر المشيخة، والتلامذة، وحلقة الدرس، ونصوص الإجازات، واجتلاب الرواية بلقاء شيوخ الإسناد، وغير ذلك مما يدخل في العمل الفهرسي المعتاد، والسيرة الذاتية في ثنايا الترجمة.
والشيخ "أبو أويس مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة" من علماء أهل السنة في المغرب، وهو محقق وباحث مدقق، ولد بتطوان عام1932هـ/ 1351م، ودرس بها وتخرج على شيوخها في الحلقتين النظامية والحرة؛ إلا أن أكثر علمه حصله بالمطالعات الشخصية والقراءات الخاصة، يقول الشيخ محمد بو خبزة في مذكراته: "...
وفي فاتح رجب 1367 هـ توفي والدي رحمه الله ففُتّ في عضدي، وخمدت جذوة نشاطي، وتأخرت عن كثير من دروسي انشغالًا بالعيش وحل المشاكل المخلفة، وسعيًا على الوالدة والإخوان، ولم أنقطع قطُّ عن الدراسة والمطالعة واقتناء الكتب و دارسة إخواني الطلبة الأدب والعلم. وفي نحو عام 1370هـ زرت مدينة فاس ومكثت بها أيامًا أخذت فيها دروسًا على الفقيه الشهير محمد بن العربي العلَوي بالقرويين في "أحكام القرآن" لابن العربي، وبعد ذلك عرض علي الفقيه القاضي الحاج أحمد بن تاوَيْت رحمه الله العمل معه كاتبًا بعد أن عينته وزارة العدل قاضيًا ثانيًا عند اتساع العمران، وازدحام السكان، فأنشأت محكمة شرعية أخرى بحي العيون غربي الجامع، فقبلتُ وعملت معه كاتبًا".
وقد أصدر بوخبزة عدة مجلات كانت أولها مجلة "الحديقة" وهي مجلة أدبية ثقافية استمرت خمسة أشهر، ثم أصدر جريدة "البرهان" وهي جريدة خطية سخرها لانتقاد سياسة الاستعمار الإسباني في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ثم غادر ميدان الصحافة، وانقطع عن كل نشاط من هذا القبيل وانكب على التدريس والكتابة، ونشر مقالات كثيرة في عدة صحف ومجلات كمجلة "لسان الدين" التي كان يصدرها الدكتور "الهلالي" بتطوان، ومجلة "النصر" و"النبراس" ، وأخيرًا جريدة "النور" وغيرها، ونظَمَ قصائد وأنظامًا كثيرة معظمها في الإخوانيات ضاع أكثرها، كما يتوفر على كنانيشُ فيها تقاييد ومختارات ومقطوعات لا يجمعها نظام ولا يضمها باب.ويُعدُّ محمد بن الأمين بوخبزة من العلماء المشهود لهم بالإحاطة الواسعة بمحتويات خزائن الكتب العربية الإسلامية قديمها وحديثها، مخطوطها ومطبوعها، وفي علم الحديث هو من المسندين الذين حملوا العلم عن كثير من الرواة الأثريين والذين يقصدهم أصحاب الرواية وطلاب الإجازات من المشرق والمغرب لنيل الإجازات والإذن بالرواية.
وله مؤلفات وتحقيقات عديدة، فمن جملة مؤلفاته: "جراب الأديب السائح"، في 15 مجلدًا، و"الشذرات الذهبية في السيرة النبوية"، و"صحيفة سوابق وجريدة بوائق"، و"فتح العلي القدير في التفسير"، و"نظرات في تاريخ المذاهب الإسلامية"، و"ملامح من تاريخ علم الحديث بالمغرب"، و"دروس في أحكام القرآن من سورة البقرة"، و"نقل النديم وسلوان الكظيم"، و"رونق القرطاس ومجلب الإيناس "... وغيرها.ومن جملة تحقيقاته: تحقيق جزء من التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للحافظ ابن عبد البر النمري، وتحقيق أجزاء من الذخيرة للقرافي المالكي طبع في 13 مجلدًا، وتحقيق أربعون حديثًا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، وتحقيق "الرسالة الوجيزة المحررة في أن التجارة إلى أرض الحرب وبعث المال إليها ليس من فعل البررة" للفقيه محمد الرهوني، وتحقيق "وصية بن عمار الكلاعي لابنه"، وتعليق على "الرائية" لابن المقرئ اليمني في الرد على الاتحاديين، وتحقيق جزء من "النوادر والزيادات" لابن أبي زيد القيرواني .طبع في 14 مجلدًا، وفهرس مخطوطات خزانة تطوان... وغيرها.
وقسم الأستاذ "بدر العمراني" ترجمته إلى بابين:
الباب الأول: في ترجمة الشيخ، وتناول فيه: اسمه ونسبه، كنيته ولقبه، أسرته، أعيان وأعلام أسرته، ترجمته بقلمه، زوجته وأبناؤه، المحن التي حلت به، وظائفه، معتقده، خطه، مجالسه العلمية والأدبية، مكتبته، أخلاقه، رحلاته، شهادات ومدائح وردت فيه، أعماله ومؤلفاته، أدبه، وتلاميذه.
الباب الثاني: في شيوخه وأساتذته، حيث تناول فيه فصلين:
الفصل الأول: شيوخ الدراية.
الفصل الثاني: شيوخ الرواية.ثم ختم هذا الباب بحوار أجراه الأستاذ رضا التيلاندي مع الشيخ وقد عُنونَ بـ"الشيخ بوخبزة يقلب سلبيات الحالة العلمية".
ونتيجة لملازمة الكاتب للشيخ بوخبزة فقد استقى منه معظم معلومات الترجمة موثقًا أغلبها من لسان الشيخ نفسه، كما أدرج نماذج من آثار الشيخ وكتاباته ضمن السياق المناسب لها بالترجمة.
يقول الكاتب في مقدمة ترجمته:
«شيخنا المفضال العلامة الأديب أبو أويس محمد بوخبزة الحسني التطواني، زانه الله بالتقى والعفاف.
الذي أخباره تعدت حدود مصره، ومزاياه اشتهرت بين أبناء عصره؛ لكن لم تجد من يلم شعثها، وينمق دررها، في عقد من الجواهر فريد، حتى يحظى بجماله صاحب الجيد. فكنتُ أنا الملم للشعث، بعزمٍ وجدٍّ لم يشُبهُ فتيل عبث...
توكلت على الله، ومضيت في العمل، أبحث وأجمِّع، وأرتب ما تجمع، فهالتني الذخيرة، وأجبرتني على الاختصار في نبذة يسيرة، خوفًا من الإملال، ودون الوقوع في الإخلال" صـ13، 14.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/138968/#ixzz6G5aaQzip