الاختلاط .. يورث الشكوى ويقتل الغيرة
نهار بن عبد الرحمن العتيبي



كثر الحديث في هذه الأيام عن الاختلاط بين الرجال والنساء حتى وصل الأمر إلى أن قال بعض القائلين، إنه بات ضرورة، بل أباحه بعضهم الآخر مستدلاً بما يقع في المسجد الحرام.
وكان لأهل العلم والفقه وقفة وكلمة لبيان الأحكام الشرعية في هذه المسألة، منطلقين مما جاء في كتاب الله الحكيم وسنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-.. لهذا جاءت السطور التالية لتسلط الضوء على الحكم الشرعي الذي كثر السؤال عنه وازداد الخوض فيه ممن ليس لديهم علم يستندون إليه. فيا ترى ماذا قال العلماء والمشايخ في اختلاط الرجال بالنساء.
الاختلاط منهي عنه
بداية يقول صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء رداً على من قال بجواز الاختلاط مستدلاً بما يحدث في الحرم.
من قال ذلك فإن استدلاله فاسد؛ لأن الاختلاط في الحرم اختلاط غير مقصود، والاختلاط المنهي عنه هو الاختلاط المقصود سواء في الأماكن العامة أم في العمل أم المدارس، والرجل في هذا المكان يخاف الله - عز وجل - ومن جاء إلى المسعى وهو يريد مخالطة النساء فهو آثم.
ثم قال - حفظه الله -: الاختلاط في المسجد الحرام للضرورة ولا يجوز الاختلاط بالاختيار لأنه متعمد وهذا مدعاة للشر ومدعاة للفتنة.
- والعلماء قالوا: إن النساء يطفن في الليل مثل ما هو في المغني وغيره حفاظاً عليهن، والمرأة يجب أن تتجنب الاختلاط والزحام الشديد وعلى وليها أن يجنبها ذلك ويأتي بها في وقت يكون فيه الزحام خفيفاً. أما إذا حصل الاختلاط في وقت الزحام الشديد من غير قصد فإنه غير مقصود مع التحفظ والحذر من الفتن والابتعاد عنها مهما أمكن.
الاختلاط ومكانة المرأة
ويؤكد فضيلة الدكتور سعيد بن غليفص القحطاني إمام وخطيب جامع التويجري بالرياض على أن الاختلاط يقلل من مكانة المرأة التي جاء الإسلام لها بالتكريم فيقول: إن المرأة في الإسلام جوهرة مصونة محمية مكرمة، ولها المكانة اللائقة بها من المحبة والتقدير والصلة والاحترام، وأما المرأة في الغرب فهي كالبعرة المرمية في الطريق الكل يطؤها بقدمه، وكالمزبلة الكل يرمي فيها قاذوراته، وكالدمية التي يلعب بها، وحملت المرأة الغربية من المشاق والمكاره ما لا طاقة لها به، حتى إنها تعيش في أوضاع نفسية مزرية، لأنها تنظر لمجتمعها الغربي على أنه مجتمع جنسي حيواني؛ لذا فهي لا قيمة لها إذا لم تكن شابة جميلة، وسرعان ما تذبل الزهرة وتحل العبرة.
ناهيكم عمّا تعانيه من ويلات الاختلاط والابتزاز من قبل الآخرين؟!
أما الشريعة الإسلامية فقد أتت بسد الذرائع ومنعت اختلاط الرجال بالنساء، لما في الاختلاط من أسباب الفتنة والوقوع في الفواحش وانتشار الرذيلة والجريمة.
وقد حذّر النبي - عليه الصلاة والسلام - من مغبة ذلك حين قال: [[ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء فاتقوا الدنيا واتقوا النساء]].
فالخير للمرأة ألا تختلط بالرجال وألا يختلط الرجال بها، لما في منع الاختلاط سواءً في دور التعليم أم في المستشفيات أم غير ذلك من أسباب السلامة والعفة والعافية، ما لا يخفى على عاقل، إلا من عميت بصيرته من العلمانيين والليبراليين.
حذار من الاختلاط
ويحذر فضيلة الشيخ حمود بن محسن الدعجاني الداعية المعروف وعضو الجمعية الفقهية السعودية من الاختلاط فيقول: حرم الإسلام اختلاط الرجال بالنساء لحفظ الأعراض والأنساب وبقاء الحياء والعفة والحشمة وإبعاد كل من الرجل والمرأة عن مواطن الريبة والرذيلة، وقد سد الإسلام كل ثغرة وذريعة إلى الاختلاط، ومن ذلك منع المرأة إذا أصابت بخوراً أن تشهد عشاء الآخرة في المسجد، وأمر النساء ألا يمشين في وسط الطريق، بل يسلكن حافات الطريق، وتحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، وتحريم سفر المرأة من غير محرم، وتحريم النظر العمد بشهوة من كل منهما للآخر. وتحريم مس الرجل بدن الأجنبية، وتحريم تشبه أحدهما بالآخر واستحباب صلاة المرأة في بيتها، والتفريق بين الذكور والإناث في المضاجع إذا بلغوا العاشرة من العمر، وغير ذلك من التشريعات الحكيمة التي تبعد المؤمن والمؤمنة عن فتنة الاختلاط، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [[ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء]].
فيجب على المسلمين الحذر كل الحذر من هذه الفتنة العظيمة وألا يظهر منهم التساهل فيها حماية للمحارم وغيرة على العرض والشرف، بل الواجب أن تسد كل ثغرة ووسيلة تؤدي إلى الاختلاط المحرم سواءً في المستشفيات أو الأسواق أو غيرهما، وعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله ولا تخرج لمجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة مع مراعاة ضوابط الخروج الشرعية.
الاختلاط مقدمة للفواحش
ومن جانبه يذكر مدرس العلوم الشرعية بثانوية ابن باز الأستاذ محمد بن علي الأحمري قول الله - تعالى -: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3].
ويقول لقد جاءت شريعة الله - تعالى -بكل خير ومنعت من كل فتنة وشر، جاءت للناس بما يصلح حالهم ويحفظ عوراتهم ويصون كرامتهم، ففيها الصلاح والرشاد للناس في العاجل والآجل.
والله - سبحانه وتعالى - قد خلق الذكر والأنثى وقد أودع الله فيهما ميلاً للآخر، ثم عظم - سبحانه - هذه العلاقة وهذبها بما يحقق المصلحة ويروي الشهوة ويصون العرض، ويبعد الشر فرغب في النكاح وحث عليه.
ثم أوصد - سبحانه - كل طريق يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة أو مقدماتها ومن ذلك أنه حرم الاختلاط أي اختلاط الرجال بالنساء- لما فيه من الفساد والانحلال ولما يعقبه من ذهاب الأخلاق وقلة الحياء ولأنه سبب رئيس في الوقوع في الحرام.
وقد تضافرت النصوص من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة على تحريمه، وأجمع عقلاء البشر على ما يخلفه الاختلاط من مفاسد وكوارث دينية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية ولا يماري في ذلك إلا مكابر.
- ويضيف الأحمري: تأمل معي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، وتمعن في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الشيطان ثالثهما)) وهذا الشيطان قد أخذ على نفسه العهد والميثاق أن يغوي بني آدم ويضلهم. فإذا كان ذلك الشيطان اللعين هو الثالث فحتماً سوف يزين لهم ويحسن لهم القول والفعل، وقد غصت المجتمعات الغربية بمشكلات الاختلاط ومصائبه، فأخذوا ينادون باستقلال الجنسين والفصل بينهما في شتى مجالات الحياة العلمية والعملية.
ثم إن الاختلاط على ما فيه من حرمة وإثم يورث الشكوك لدى الأسر والريبة ويقتل الغيرة التي هي شعار للمسلم الموحد لرب العالمين.
ويورث لدى المختلطين التشتت وعدم التركيز أثناء العمل أو الدراسة ويكون سبباً في عدم الاستقرار الأسري ويكسر حاجز الحياء ويذهب ماء الوجه ويسبب العنوسة.
بل إن الفطرة السليمة والعقول النيرة تنادي بالعودة إلى الشرع الحنيف المطهر وحفظ الأعراض وعدم التعدي على الفطرة التي أوجدها الخالق في نفوس الناس العقلاء.
ومما سبق نرى أن أصحاب الفضيلة بيّنوا لنا تحريم اختلاط الرجال بالنساء ما لم تكن هناك ضرورة لأمن الفتنة والحذر كما يحدث في الحرم.
ولا شك أن في ذلك مصالح عظيمة تعود على النساء بحفظهن وعدم تعرضهن للفتنة أو التحرش وخلافه، كما تحفظ المجتمع بأسره وذلك بالابتعاد عن أسباب الوقوع في المحرمات؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما يؤدي إلى محرم فإنه محرم، والاختلاط لا شك من هذا الباب، وعند التساهل فيه سيجر على المجتمع الويلات تلو الويلات والمصائب تلو المصائب