تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التحلل الأسري

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي التحلل الأسري

    التحلل الأسري
    أ·د·محمد رواس

    مفهوم الأسرة:
    الأسرة مشتقة من )أسر( بمعنى )قيد(، والأسرة في لغة العرب ترد بثلاثة معان:
    الأول: الدرع الحصينة، والثاني: أهل الرجل وعشيرته، والثالث: الجماعة يربطها أمر مشترك، كأسرة التعليم، وأسرة الفن، ونحو ذلك··
    هذه المعاني كلها تحمل بين طياتها معنى التعاون والتناصر، وكأن كل واحد مشدود مقيد بالآخر يقويه ويشد أزره·
    والأسرة في المفهوم الغربي: تعني الزوج والزوجة والأولاد ما داموا تحت كنف أبيهم وفي بيته، فإذا استقلوا عنه في حياتهم، وملكوا حريتهم في التصرف بمعزل عن أبيهم ـ وذلك ببلوغ سن معينة يحددها القانون ـ خرجوا عن كونهم من الأسرة·

    أما في الإسلام فإن الأسرة تحمل معنى أوسع من هذا بكثير، فهي تضم:
    أولاً: الزوجان ما بقيا على الزوجية، فإذا طُلِّقت الزوجة خرجت عن كونها من أسرة زوجها·
    ثانياً:جميع العصبات مهما بعدوا، سواء كانوا من المحارم أم لم يكونوا من المحارم، وسواء كانوا في كنف رب الأسرة يعيشون معه، أم لم يكونوا في كنفه، كالجد أبي الأب، وأبي الجد، والأبناء، وأبناء الأبناء مهما بعدوا، والإخوة وأبناء الإخوة مهما بعدوا، والعم وأبناء العم مهما بعدوا، أما أولاد البنت، وأولاد بنت العم، فإنهم ليسوا من الأسرة، لأنهم ليسوا بعصبات·
    ثالثاً: من كانوا في كنف رب الأسرة، ويعيشون معه في بيته، وهو الذي يكفلهم ويرعاهم وينفق عليهم، ولو لم يكونوا من العصبات، كبنت زوجته التي تعيش معه، وبنت بنته، واليتيمة التي لا قرابة بينه وبينها إذا كان هو الذي يكفلها وتعيش معه، واللقيط الذي تكفل برعايته والإنفاق عليه، ونحو ذلك·
    مما تقدم نلاحظ توسع الإسلام في مفهوم الأسرة، لأنه سيرتب على هذا المفهوم واجبات، من شأنها أن تسهم في بناء المجتمع المتماسك المتناصر·


    استطالات الأسرة:
    لم يكتف الإسلام بتوسيع مفهوم الأسرة، بل أقام جسوراً تربط بين الأسر المختلفة، هذه الجسور هي جسور المصاهرة، وما تقتضيه هذه المصاهرة من المناصحة والنصرة، فإذا تزوج رجل بأحد أفراد أسرة كذا، صارت أسرة زوجته أحماؤه، وصارت أسرة زوجها أحماؤها ـ والأحماء في اللغة هم: المنعة والمدافعون ـ وصارت أم زوجته محرمة عليه كأمه، لا تمتد منه إليها عين خيانة، وصار أبو زوجها محرماً عليها كأبيها، وبذلك تمتد جسور المحبة والمناصرة بين الأسرتين·

    الرابطة الأسرية:
    الروابط بين الأفراد والجماعات كثيرة، فهناك رابطة العرق: كالعربي والكردي، والجركسي، ورابطة الوطن: كالسوري، والمصري، والعراقي، والسعودي، ورابطة البلد: كالحلبي، والبغدادي، ورابطة الدين: كالمسلم والنصراني والمجوسي ورابطة الأسرة أو العشيرة، وهي رابطة تقوم في أصلها على الدم، كالقلعجي، والنخعي، والكتاني·
    ورابطة الأسرة أمر الإسلام بتحقيقها برأسها، بقطع النظر عن تحقق الروابط الأخرى أو عدم تحققها، فالابن مطالب ببر أبيه مسلماً كان الأب أو كافراً، كما قال تعالى في سورة لقمان: في الآية 15 (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)·

    مسلتزمات رابطة الأسرة:
    إذا وجدت رابطة الأسرة، لزم على من ينخرط في هذه الرابطة ما يلي:
    أولاً: الاهتمام بأمور أفراد الأسرة: إذ كل فرد من أفراد الأسرة عليه أن يهتم بكل فرد فيها، بحيث يكون على علم دائم بأحواله، ويكون ذلك بالسؤال عنه، ليتمكن من مواساته في الحزن، ومشاركته في الفرح، وكشف الغم عنه إن نزل به غم، ونحو ذلك·
    ثانياً: الإنفاق: من حق كل مقيم في دولة الإسلام أن يكون مكفياً جميع ضرورات العيش، من طعام وشراب ودواء وكساء ومأوى وتعليم ونحو ذلك، ويكلف هو نفسه بتمويل هذه الضرورات لعيشه عندما يكون قادراً على ذلك، فإن بلغ به الفقر مبلغاً لم يعد معه قادراً على تمويلها، فإنه يكلف بتمويلها له أفراد أسرته ـ إن كانوا قادرين على ذلك ـ، فيكلف الابن بالإنفاق على الأب، ويكلف الابن بالإنفاق على ولده، ويكلف الأخ بالإنفاق على أخيه، وابن الأخ بالإنفاق على عمه، وهكذا، فإن لم تكن له أسرة، أو كانت أسرته فقيرة، فتأمين هذه الضرورات يكون على الدولة، فإن لم تقم بها الدولة، فتأمينها يكون على من علم حاله من المسلمين، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: )ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم)·
    ثالثاً: التواصل: ويتحقق هذا التواصل بزيارته في المواسم والأعياد، وإذا بعد زمن اللقاء، وفي مواساته في الأحزان، ومشاركته في الأفراح، ونحو ذلك، وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصلة بالإيمان بالله سبحانه، فقال صلى الله عليه وسلم: )من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)(1(، وجعل هذه الصلة سبباً في بسط الرزق، والمباركة في الأجل، قال عليه الصلاة والسلام: )من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)(2·(
    رابعاً: التناصح : فإذا رأى أحد أفراد الأسرة من آخر تقصيراً نبهه إليه، وبين له مكامن الخطر فيه، وإن رأى منه خيراً حثه وشجعه عليه، وهو ما يعرف بالمصطلح الإسلامي بـ )الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر( وهو أمارة صحة المجتمع الإسلامي، فمجتمع لا يرى خيراً إلا ويدل ويحض عليه القريب والغريب، ولا يرى منكراً إلا ويصد عنه ويمنع منه القريب والغريب، هو مجتمع جدير بالسيادة والبقاء، ولذلك جعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً على كل مسلم قدر استطاعته، فقال تعالى في سورة آل عمران: 401 (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(·
    والأسرة يرفع شأنها شخص واحد منها، ويسيء سمعتها شخص واحد منها، فكم من الأسر المغمورة قد ارتفع ذكرها، وعلا شأنها، بتفوق شخص واحد منها في العلم أو في التقوى، أو في عمل الخير، وكم من أسرة ساءت سمعتها بسوء تصرف شخص منها، لأن الأسرة خلية واحدة، يؤدي كل فرد فيها مهمة له، فإذا أساء أداءها فتح في الخلية ثغرة يمكن أن يتسلل منها الضعف، للذي يؤدي إلى خراب الخلية، وما أَجَلَّ ذلك المثال الذي ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم حين شبه الأسرة بسفينة، ركابها أفرادها، فإذا خرق أحد الركاب ـ كائناً من كان ـ في السفينة خرقاً، كان هذا الخرق سبباً في غرق السفينة وغرق الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)(3) وكذلك الأسرة إذا فتح أحد ثغرة فيها، تسلل الخطر من هذه الثغرة، ثم استشرى أمره، واستفحل، حتى يؤدي ذلك إلى تفكك الأسرة·
    خامساً: التعاون: التعاون على الخير أمر وجه إليه الإسلام بعامة، بقوله تعالى في سورة المائدة: 2 (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ولكن توجيهه إليه في رحاب الأسرة أشد، لما بين أفراد الأسرة من القرابة، ومن تشابك المصالح، وليس لهذا التعاون سوى ميدان واحد هو عمل الخير والدعوة إليه، وهو ميدان فسيح، ومجالاته كثيرة، فهناك تعاون في أعمال البيت، فقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى( 4) (ـ أي: يساعدهم في الأعمال البيتية، وتعاون في تربية الأولاد، وتعاون على العبادة، وقد أثنى رسول الله على من يوقظ أهله لصلاة قيام الليل، فإذا تثاقلت داعبها وأيقظها برش وجهها بالماء، فقال صلى الله عليه وسلم: )رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، ثم أيقظ امرأته، فإن أبت نضح وجهها بالماء، ورحم امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)(5) وتعاون في الترفيه عن الأسرة، قالت عائشة رضي الله عنها )لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا التي أسأمه))6(، وهكذا·
    سادساً: التناصر: وأعني بالتناصر: التعاون لرفع الضيم، حتى إذا ما وقع على أحد أفراد الأسرة ضيم، هبت الأسرة كلها لمناصرته حتى يرفع الضيم عنه، وقد يكون هذا الضيم ظلماً وقع عليه كسطو ظالم على ماله، وقد يكون مصيبة أصابته من الله تعالى كمرض عضال تحتاج إزالته إلى مال كثير، وهو غير موجود عنده، وقد يكون نتيجة خطأ لا يريده، كما لو قتل شخصاً خطأ، فإن ديته تفرض على عاقلة القاتل، لأن القاتل ليس بمجرم، بل هو مخطئ·
    سابعاً: ثبوت المحرمية: تثبت المحرمية بين الأقارب الأقربين رجالاً ونساء من أفراد الأسرة، وهم الذين يسمون بـ )الرحم المحرمة) وهذه المحرمية تعطي نوعاً من القداسة لهذه العلاقة الأسرية·
    ثامناً: الإرث: وهو يثبت بين أفراد الأسرة، كما هو مفصَّل في الشريعة·


    التفكك الأسري:
    إذا قلنا )أسرة) فإن ذلك يعني تطبيق تلك المستلزمات التي ذكرناها في الفقرة السابقة، فهي في جملتها تعطي للأسرة معناها، والخلل الذي يصيب أحد مستلزمات الأسرة يعني أن خللاً قد أصاب لبنة أساسية في بناء الأسرة، فإذا سرى الخلل إلى لبنة أخرى، وثالثة ورابعة، وهن بناء الأسرة، وتصدعت أبراجه، وأصبحت هذه اللبنات عبئاً عليه ينوء بحمله، بل يهدد بقاءه·

    أسباب التفكك الأسري:
    الإنسان اجتماعي بطبعه، تلك مُسلَّمة قرأناها صغاراً، ورددناها كباراً، لأنه لم يثبت عكسها، وبناء على ذلك فإن الأمر الطبيعي أن تكون الأسرة وحدة متراصة، لأنها تحقق فطرة الإنسان في نزوعه للعيش في مجتمع، ولما بين أفرادها من رابطة الدم، ومن المصالح المشتركة، فإذا رأينا الأسرة مفككة، علمنا أنه لابد من وجود أسباب أدت إلى هذا التفكك، فما الأسباب هذه؟
    بعد تقليب النظر في أسباب التفكك الأسري أرى أن أسباب هذا التفكك يعود إلى سبب، أو أكثر من
    الأسباب التالية:
    أولاً: التحلل من القيم الدينية: إن المحافظة على وحدة الأسرة وتماسكها عبادة أمر الله تعالى بها، وتفكيك بنية الأسرة معصية يعاقب الله تعالى عليها، قال عليه الصلاة والسلام: )كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، والولد في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) (7) فأنت ترى عظم هذه المسؤولية التي حملها الله تعالى كل فرد من أفراد الأسرة، وإنها ليحاسبه عليها يوم القيامة إن هو فرط فيها·
    وتأمل هذه الرابطة التي فرضها الله تعالى على المرء تجاه والديه، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة)(8) إنها رابطة مفروضة بسلطان الدين، يغذيها الإيمان بالله واليوم الآخر·

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: التحلل الأسري

    التحلل الأسري
    أ·د·محمد رواس


    ثانياً: الرغبة في التفلت من رقابة الأسرة: من أسباب التفكك الأسري رغبة أفراد الأسرة بالتفلت من رقابة الأسرة، وممارسة الحرية في التصرفات، وسبب ذلك يعود إلى أمرين اثنين:
    الأول: فساد في الشخص الذي يريد التفلت من رقابة الأسرة، إذ إن رقابة الوالدين بخاصة، ومجموع أعضاء الأسرة بعامة تمنعه من ممارسة حريته غير المنضبطة، ولذلك فإنه يعلن تمرده على الأسرة وانشقاقه عنها، وسبب هذا في نظري: إفراط الوالدين في تدليل الولد، وإجابة جميع طلباته، وعدم تعويده على سماع كلمة )لا) من أحد، ولما يشب ويصلب عودة، ويريد أن يمارس حريته غير المنضبطة بأدب أو دين، ويسمع اعتراض الأسرة على تصرفاته، يضيق بها ذرعاً، ويتمرد عليها· وقد يكون سبب ذلك رفقة السوء الذين يغرونه ويزينون له الخروج على طاعة الوالدين أو الخروج عن تقاليد الأسرة·
    الأمر الثاني: ضغط الأسرة الخارج عن حد التحمل، أو قسوة الوالدين أيضاً، قد يحملان الولد على الهرب إلى ساحة الحرية، وكسر طوق الأسرة التي تطوِّقه بطوق يشق عليه احتماله·
    ثالثاً: الخيانة الزوجية: وأعني بالخيانة الزوجية: إحداث علاقة جنسية غير مشروعة من غير الزوج أو الزوجة، سواء كانت هذه العلاقة وقاعاً أو ما دونه من الاستمتاع باللمس أو بالنظر أو بالحديث أو بالحب· وأسباب الخيانة الزوجية متعددة، يأتي في طليعتها ضعف الوازع الديني، والاختلاط بين الجنسين، لأنه لا خيانة بغير اختلاط·
    وفي ظل الخيانة الزوجية يعظم التفكك الأسري، حيث يضعف أو ينعدم انجذاب كل من الزوجين للآخر، ويسود الفتور، لا، بل الكره، للزوج الخائن، وكثيراً ما ينتهي ذلك بالطلاق·
    ويمكننا أن نجعل علاج الخيانة الزوجية على نوعين علاج وقائي، وعلاج دوائي·

    أما العلاج الوقائي فإنه يتمثل بما يلي:
    1 ـ اختيار كل من الزوجين زوجه اختياراً مبنياً على أساس الدين والتقوى والخلق الفاضل، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فاظفر بذات الدين تربت يداك)(9)، وقوله (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)(10) ومن أعظم هذا الفساد: الخيانة الزوجية·
    2 ـ رؤية كل من الزوجين الآخر قبل الزواج، ومعرفة درجة جماله، ومقدار قبوله في القلب، لئلا يزين الشيطان للأزواج أو للزوجات الخيانة الزوجية بدعوى أن الزوج أو الزوجة قبيحة، والمأتية حراماً جميلة·
    3 ـ وجوب رعاية المرء نفسه بالتزكية حيناً بعد حين، ليقطع طريق الغواية على الشيطان، قال تعالى في سورة الشمس: 9 ـ 10(قد أفلح من زكاها· وقد خاب من دساها)·
    أما العلاج الدوائي: فإنه يتمثل بما يلي:
    1 ـ الستر على من وقعت منه الخيانة الزوجية مع وعظه وتوجيهه، إلا أن يجاهر بخيانته، أو يتحدث بها بغير مبالاة، فعندئذ لابد من عقوبته عقوبة يكون فيها عبرة لغيره، وهذه العقوبة في الإسلام هي الرجم بالحجارة حتى الموت·
    2 ـ إحاطته برفقة خيرة تزين له العفة وتقنعه بها، وتقبح له الخيانة الزوجية وتكرِّهه بها، كما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه فتى شاب، فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه: قالوا: مه مه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادنه، فدنا منه قريباً، قال، فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء)(11)·
    رابعاً: إنكار المرأة حق الزوج في الزواج بأكثر من واحدة: من حق الزوج أن يتزوج بأكثر من زوجة واحدة، فإذا تزوج بزوجة ثانية فقد لا يوفق هو في التوفيق بين الزوجتين، وقد لا تحتمل الزوجة أن تشاركها امرأة أخرى في زوجها، ويتحزب لكل زوجة أولادها، ويظهر التفكك الأسري، وتحل البغضاء بين الإخوة بدل التحابب، ويجد الكيد في ظل هذه البغضاء له مرتعاً، فيكيد بعض الأولاد لبعض، وتكيد كل ضرة لأختها، وقد يناصر الزوج زوجة على أخرى، وعندئذ يتفاقم الأمر، وتعظم البلية·
    وفي مثل هذه الحال لابد من أن يكون الزوج حكيماً، لا يناصر واحدة على حساب الأخرى، ويقيم العدل بين زوجاته، ولا ينتقص واحدةً شيئاً من حقها عليه، ولا يظهر الميل لواحدة دون الثانية، وتقنع المرأة أن تعدد الزوجات حق من حقوق الزوج، رخَّص الله تعالى له به وهو على كل حال خير من الزنا، لما فيه من البعد عن الأمراض الجنسية المهلكة، ولما فيه من الاجتماع بمن تملك على الأقل الحد الأدنى من الخلق والدين، أما الزانية فإنها لا تملك شيئاً منهما، وإن مشاركة زوجة أخرى لها في زوجها قدر قدره الله تعالى، ولا راد لقدر الله، وأنه لن تعيش إلا عمراً واحداً، فخير لها أن تتأقلم مع الواقع وتعيش عمرهاً بسعادة، خير من أن تعيشه في أسوأ حال·
    خامساً: غياب التفاهم والانسجام بين الزوجين، لأسباب كثيرة، منها: اختلاف المستوى الثقافي، اختلاف المستوى الاجتماعي، اختلاف مستوى الذكاء، تضارب المصالح، سوء أخلاق أحد الزوجين، الاختلاف في الممارسة الجنسية، وغير ذلك·
    وفي مثل هذه الحال لابد من الخلوة بالنفس ومحاسبتها، وتلمس عيوبها، والبحث عن طرق علاجها، وإذا ما فعل ذلك فلابد من أن يظفر بعلاج ناجع لمشكلته إذا وضع نصب عينيه التقويم الكلي لزوجه، من دون الوقوف عند الجزئيات، لأن المرء إن ساء فيه خلق، حسن فيه آخر، والوقوف عند الحسنات ينسي السيئات، كما قال تعالى في سورة هود: 114 (إن الحسنات يذهبن السيئات) وقوله صلى الله عليه وسلم: )لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)(12)·
    سادساً: كثرة الغياب عن البيت: إن كثرة غياب رب الأسرة من زوج أو زوجة قد يكون سبباً في التفكك الأسري، لأن كثرة الغياب يعني ترك البيت فترة طويلة من دون رقابة ولا توجيه، وعندئذ يكون التحلل من القيود الأسرية والتزاماتها، ويكون العمل خارج المنزل، أو حاجة الأب إلى السفر الدائم، فإنه يجب على الوالدين إقناع أبنائهم بأن الرابطة الأسرية رابطة مقدَّسة، وليس رابطة مصلحة، وأنها رابطة دينية وإنسانية واجتماعية، وتجب المحافظة عليها وإن شعر المرء بإمكانات الاستغناء عنها، لما لها من المنافع الروحية والنفسية والاجتماعية، أما الروحية فلما فيها من الثواب عند الله تعالى، وأما النفسية فلما فيها من الشعور بالانتماء، وأما الاجتماعية: فلأن المجتمع مؤلف من أسر، فإذا كانت البنية الأسرية متينة، كانت البنية الاجتماعية متينة أيضاً··
    سابعاً: الفهم الخاطئ لاستقلال المرأة وحريتها: لقد استقلت المرأة مالياً عن زوجها في كثير من بلدان العالم، فأصبح لها عملها الخاص بها، ولها دخلها المادي، ولها سيارتها، ولها خصوصياتها لا تسمح لأحد باقتحامها عليها·
    لقد صارت هذه الحرية عند المرأة الواعية أداة بناء، أما عند المرأة غير الواعية فإنها أداة تفكك وإفساد للأسرة، حيث صارت المرأة لا تستجيب لرغبة زوجها في الحد من الإنفاق، ولا تستجيب إليه في عدم إطالة الخروج من البيت، ولا تأخذ بتوجيهاته كرئيس للأسرة، ويكون جوابها في كل مرة: (مثلي مثلك) أو (أنا حرة) أو (المال مالي، وأنا فيه حرة أفعل ما أشاء) إلى غير ذلك من العبارات التي تثير حفيظة الزوج، وتزرع أو تغذي الفرقة بين الزوجين في الأسرة·
    والإسلام جعل للأسرة قائداً واحداً لتأتلف الأمور ولا تختلف، وجعل هذه القيادة للرجل بقوة النظام ولو كانت المرأة أعلى منه في المزايا والخصال، لأن طبيعة المرأة وما يعتريها من حمل وولادة وتربية ورعاية للأولاد تجعلها دائماً منحازة إليهم، ولا تصلح القيادة مع الانحياز، لأن أولادها جزء منها لم ينفصلوا عنها إلا بالمقراض، وطاعة القيادة واجبة ولو كان التابع أفضل من القائد، تماماً كوجوب طاعة العلماء للأمراء، ولو كان العلماء أفضل من الأمراء، وبغير ذلك لا تنتظم الأمور ولا تستقيم·
    ثامناً: فقدان الكياسة من أحد أفراد الأسرة تجاه الآخرين: كاعتياد الزوج على تسفيه رأي زوجته، لأن ذلك يؤدي إلى كرهها إياه، حتى يكون بعدها عنه أحب إليها من قربها منه، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة)(13)·
    تاسعاً: وسائل الإعلام: إن وسائل الإعلام تسهم اليوم في التفكك الأسري بأمرين:
    الأمر الأول: بطول مكث أحد أفراد الأسرة كالأب أو الأم الساعات الطويلة أمام التلفاز، حتى أن السهرة لتمضي من دون أن يكلم واحد من أفراد الأسرة فرداً آخر منها في أمر، وبذلك تضعف معرفة الواحد من أفراد الأسرة ما في داخل نفوس باقي أفراد الأسرة، فيقل وقوفه بجانبهم، لأنه لا يدري متى يحتاجون إلى مساعدته، وبذلك أيضاً يضعف الانسجام بين أفراد الأسرة·
    والأمر الثاني: ما تنشره هذه الأجهزة وما تذيعه من صور التفكك العائلي مسمية إياه بغير اسمه، كتسميته باسم الاعتماد على النفس تارة، وبإثبات الذات تارة أخرى، واحترام خصوصيات المرء تارة ثالثة، وهكذا، مع أنه ما هو إلا مظهر من مظاهر التحلل الأسري الذي تعاني منه المجتمعات الغربية، ونحن لا نعارض الاعتماد على النفس ولا إثبات الذات، بل نشجع عليه، ولكننا ننكر الخلط بين التفكك الأسري وإثبات الذات، وشتان بينهما··

    علاج التفكك الأسري:
    إذا استطاع الطبيب تشخيص المرض فهو أمام أمرين:
    الأول: أن يكون هذا المرض لا دواء له، وعندئذ ليس أمامه وأمام المريض سوى الابتهال إلى الله تعالى أن يمن بالشفاء، فهو سبحانه بيده الأمر من قبلُ ومن بعدُ·
    الثاني: أن يكون له شفاء، وعندئذ يجب على الطبيب إخبار المريض بدوائه، وإذا أخبره بدوائه فهناك احتمال أن يأخذ المريض الدواء، ولكن هناك احتمال آخر أن يرفض المريض تناول الدواء، وعندئذ يتفاقم الأمر وتعظم البلية·
    ونحن قد عرفنا فيما تقدم أسباب التفكك العائلي، فإذا منعنا حدوث أسباب التفكك العائلي، امتنع حدوث المرض، أي التفكك العائلي، أما أن يقبل المجتمع· هذا الدواء ـ وهو منع أسباب التفكك العائلي ـ استجابة لنداء العقل والدين والمصلحة، أو لا يقبله، فذلك شيء آخر، لا نملكه نحن المفكرين، ولكن يملكه المجتمع نفسه·


    الهوامش:
    1 ـ أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار·
    2 ـ أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق يصل رحمه، ومسلم في كتاب البر، باب صلة الرحم·
    3 ـ أخرجه البخاري في كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة؟
    4 ـ مسند الإمام أحمد 6/126·
    5 ـ أخرجه أبو داود في الصلاة باب قيام الليل، والنسائي في قيام الليل باب الترغيب في قيام الليل·
    6 ـ أخرجه البخاري في كتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، ومسلم في كتاب العيدين، باب اللعب بين يدي الإمام يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك·
    7 ـ أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب المرأة راعية في بيت زوجها، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل·
    8 ـ أخرجه مسلم في الأدب باب رغم أنف من أدرك أبويه فلم يدخل الجنة·
    9 ـ أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين، ومسلم في كتاب الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين·
    10ـ أخرجه الترمذي في كتاب النكاح باب إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه·
    11 ـ أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/256·
    12 ـ أخرجه مسلم في الرضاع باب الوصية بالنساء·
    13 ـ أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في صنائع المعروف·


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •