من أحاديث رسول الله في عثمان بن عفان

أولاً: فيما ورد في فضائل عثمان بن عفان مع غيره:
1- ((افتح له وبشِّره بالجنة على بلوى تصيبه)):
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((افتح له، وبشره بالجنة)) ففتحت له فإذا هو أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((افتح له وبشره بالجنة)) ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: ((افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) فإذا هو عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله، ثم قال: الله المستعان[1].
هذا الحديث تضمن فضيلة هؤلاء الثلاثة المذكورين؛ وهم أبو بكر وعمر وعثمان، وأنهم من أهل الجنة كما تضمن فضيلة لأبي موسى، وفيه دلالة على جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه الإعجاب ونحوه، وفيه معجزة ظاهرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لإخباره بقصة عثمان والبلوى، وأن الثلاثة يستمرون على الإيمان والهدى [2].
2- ((اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان)):
عن أنس -رضي الله عنه- قال: صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال: ((اسكن أحد -أظنه ضربه برجله- فليس عليك إلا نبي وصدِّيق وشهيدان)) [3].
3- ((اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)):
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان على حراء، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اهدأ، فما عليك إلا نبي أو صدِّيق أو شهيد)) [4].
4- حياء عثمان -رضي الله عنه-:
عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وآله وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع على فراشه لابسٌ مِرْط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: ((اجمعي عليك ثيابك)) فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن عثمان رجل حييّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليَّ في حاجته)) [5].
5- استحياء الملائكة من عثمان:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة -رضي الله عنه- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسوَّى ثيابه.
قال محمد -أحد رواة الحديث: ولا أقول ذلك في يوم واحد-، فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشَّ له ولم تُبَالِه، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ((ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة؟!)) [6].
قال المناوي: "مقام عثمان مقام الحياء، والحياء فرع يتولد من إجلال من يشاهده ويعظم قدره، مع نقص يجده في النفس، فكأنه غلب عليه إجلال الحق تعالى، ورأى نفسه بعين النقص والتقصير، وهما من جليل خصال العباد المقربين، فعلت رتبة عثمان كذلك، فاستحيت منه خلاصة الله من خلقه، كما أن من أحب الله أحب أولياءه، ومن خاف الله خاف منه كل شيء" [7].
6- ((أصدقها حياءاً عثمان)):
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياءاً عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرأها لكتاب الله أبي، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)) [8].
ثانيًا: إخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفتنة التي يقتل فيها عثمان:
1- ((من نجا من ثلاث فقد نجا)):
عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نجا من ثلاث فقد نجا -ثلاث مرات-: موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه)) [9] ومعلوم أن الخليفة الذي قتل مصطبرا بالحق هو عثمان، فالقرائن تدل على أن الخليفة المقصود بهذا الحديث هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
وفي الحديث -والله أعلم- لفتة عظيمة إلى أهمية السلامة من الخوض في هذه الفتنة حسيًّا ومعنويًا، أما حسيًّا فذلك يكون في الفتنة من تحريض وتأليب وقتل وغير ذلك، وأما معنويًّا فبعد الفتنة من خوض فيها بالباطل، وكلام فيها بغير حق، وبهذا يكون الحديث عاما للأمة، وليس خاصا بمن أدرك الفتنة [10].
2- ((يقتل فيها هذا المقنع يومئذٍ)):
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنة، فمر رجل فقال: ((يقتل فيها هذا المقنع يومئذٍ مظلوماً)) قال: فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان [11].
3- ((هذا يومئذٍ على الهدى)):
عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هذا يومئذٍ على الهدى)) فوثبت فأخذت بضبعي عثمان، ثم استقبلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: هذا؟ قال: ((هذا)) [12].
4- ((تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق)):
عن مرة البهزي قال: كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال بهز -من رواة الحديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تهيج فتنة كالصياصى، فهذا ومن معه على الحق)) قال: فذهبت فأخذت بمجامع ثوبه، فإذا هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- [13].
5- ((هذا يومئذٍ وأصحابه على الحق والهدى)):
عن أبي الأشعث قال: قامت خطباء بإيلياء في إمارة معاوية -رضي الله عنه-، فتكلموا وكان آخر من تكلم مرة بن كعب فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قمت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر فتنة فقربها، فمر رجل مقنع فقال: ((هذا يومئذٍ وأصحابه على الحق والهدى)) فقلت: "هذا يا رسول الله؟" وأقبلت بوجهه إليه، فقال: ((هذا)) فإذا هو عثمان -رضي الله عنه- [14].
6- ((عليكم بالأمين وأصحابه)):
عن أبي حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام، فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافاً)) أو قال: ((اختلافاً وفتنة)) فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: ((عليكم بالأمين وأصحابه)) وهو يشير إلى عثمان بذلك [15].
7- ((فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه)):
عن عبد الله بن عامر عن النعمان بن بشير عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبلت إحدانا على الأخرى, فكان آخر كلام كلَّمه أن ضرب منكبه، وقال: ((يا عثمان، إن الله -عز وجل- عسى أن يلبسك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني. يا عثمان، إن الله عسى أن يلبسك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني)) ثلاثاً، فقلت لها: يا أم المؤمنين، فأين كان هذا عنك؟ قالت: نسيته والله فما ذكرته، قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرضَ بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إليَّ به، فكتبت إليه به كتاباً [16].
8- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليَّ عهداً وإني صابر نفسي عليه:
عن أبي سهلة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا لي بعض أصحابي)) قلت: أبو بكر؟ قال: ((لا)) قلت: عثمان؟ قال: ((نعم)) فلما جاء قال: ((تنحَّ)) فجعل يساره -من السر أي المناجاة-, ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر قلنا: يا أمير المؤمنين، ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليَّ عهداً، وإني صابر نفسي عليه.
وهذا الحديث يبين شدة محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعثمان -رضي الله عنه-، وحرصه على مصالح الأمة بعده، فقد أخبره بأشياء تتعلق بهذه الفتنة التي ستنتهي بقتله، وحرص -عليه الصلاة والسلام- على سريتها، حتى إنه لم يصل إلينا منها إلا ما صرح به عثمان -رضي الله عنه- أثناء الفتنة لما قيل له: ألا تقاتل؟ فقد قال: لا، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليَّ عهداً، وإني صابر عليه [17].
ويظهر من قوله هذا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أرشده إلى الموقف الصحيح عند اشتعال الفتنة، وذلك أخذا منه -صلى الله عليه وسلم- بحجز الفتنة أن تنطلق، وفي بعض الروايات زيادة تكشف عن بعض مكنون هذه المسارَّة، فقد جاء فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((وإن سألوك أن تنخلع من قميص قمَّصك الله -عز وجل- فلا تفعل)) [18] ومضمون هذا العهد الذي ذكره عثمان -رضي الله عنه- يتعلق بالفتنة والوصية بالصبر فيها وعدم الخلع، وإن كان يفهم من هذه الأحاديث بأنه سيكون خليفة يومًا ما.
ويبدو أن هناك وصايا وإرشادات تتعلق بهذه الفتنة، انفرد بمعرفتها عثمان -رضي الله عنه- محافظة من النبي -صلى الله عليه وسلم- على السرية فيها، ومما يبين ذلك أنه أمر عائشة -رضي الله عنها- بالانصراف [19] عندما أراد الإسرار بها لعثمان -رضي الله عنه-، كما أسر إليه إسراراً رغم خلو المكان من غيرهما حتى تغير لونه، مما يدل على عظم المسرِّ به. وربط عائشة -رضي الله عنها- الإسرار بالفتنة دليل واضح على أن هذه المسارة كانت حول الفتنة التي قتل فيها، كما أن الإسرار تضمن توجيهات منه -صلى الله عليه وسلم- إلى عثمان ليقف الموقف الصحيح عند عرض الخلع، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتصر على الإخبار بوقوع الفتنة، فقد أخبر بذلك في أحاديث كثيرة، كما تقدم، فإسراره يدل على أن الأسرار تضمن أشياء أخرى زيادة على الإخبار عن وقوعها، ورغب -عليه الصلاة والسلام- بالمحافظة على سريتها لحكمة اقتضت ذلك, الله أعلم بها.
وهذا الحديث يفسر لنا جليا سبب إصرار عثمان -رضي الله عنه- على رفض القتال أثناء الحصار، كما يفسر أيضا سبب رفضه للتنازل عن الخلافة وخلعها عندما عرض القوم عليه ذلك، وهما موقفان طالما تساءل الباحثون والمؤرخون عن السبب الذي أدى عثمان إليهما واستشكلوهما، وحدث فتنة مقتل عثمان -رضي الله عنه- من ضمن حوادث كثيرة أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته بأنها ستقع بالغيب، فإن علم الغيب صفة من صفات الله -عز وجل-، ليست لأحد من خلقه، وإنما ذلك علم أطلعه الله عليه وأمره أن يبينه للناس [20] قال تعالى: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188].
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ــــ
[1] البخاري، رقم (3695).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم، (15/ 170، 171).
[3] البخاري، رقم (3697).
[4] مسلم، رقم (2417).
[5] مسلم، رقم (2402).
[6] مسلم، رقم (2401).
[7] فيض القدير للمناوي، (4/ 302).
[8] مسند الإمام أحمد، باقي كتاب مسند المكثرين، باب مسند أنس بن مالك (12493).
[9] المسند (4/ 419) (5/ 346)، تحقيق أحمد شاكر.
[10] فتنة مقتل عثمان، د. محمد عبد الله الغبان (1/ 44).
[11] فضائل الصحابة لأحمد، (1/ 551) إسناده حسن.
[12] صحيح سنن ابن ماجه (1/ 24).
[13] المسند (5/ 33) له طرق تقويه.
[14] مسند أحمد، مسند الشاميين، باب حديث كعب بن مرة السلمي أو مرة بن كعب، حديث رقم (17602).
[15] فضائل الصحابة (1/ 500) إسناده صحيح.
[16] مسند أحمد، باقي مسند الأنصار، (24045).
[17] فضائل الصحابة (1/ 506)، إسناده صحيح.
[18] فضائل الصحابة (1/ 613) إسناد صحيح، الطبقات (3/ 67،66).
[19] فقد قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تنحَّ)، ومعنى التنحي الانصراف، الفيروز آبادي، القاموس المحيط (4/ 396)، لسان العرب (15/ 311).
[20] فتنة مقتل عثمان، محمد عبد الله الغبان، (1/ 48).