ينصب المضارع إذا وقع بعد إحدى الأدوات التالية:
1- (أنْ) المصدرية، وهي التي تُؤَول مع ما بعدها بمصدر، تقول: أردتُ أنْ أساعدَك، والتأويل: أردتُ مساعدَتك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]، والتأويل: وصومُكم خيرٌ لكم، وتقول: يجب أن تجتهدَ، والتأويل: يجب اجتهادُك[1].
2- (لَنْ )، وهي حرف نفي؛ تقول: لن أقربَ الشرَّ، وفي القرآن الكريم: ﴿ قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ﴾ [طه: 91].
3- (إذَنْ)، وهي حرف جواب، ويشترط لنصب المضارع بها أن يُرادَ بالمضارع الاستقبال لا الحال، وأن تقع (إذن) في صدر الجواب، وألا يفصل بينها وبين الفعل فاصلٌ، تقول: إذن أكرِمَك، جوابًا لمن قال لك: سأزورُك، فالفعل أكرم منصوب بإذن لتوفُّر الشروط المذكورة، فالإكرام مستقبل بالنسبة إلى قولك، وقد وقعت إذن في صدر جوابك، ولم يفصل بينها وبين أكرم فاصل، فإن لم تتوفر الشروط المذكورة، وجب رفـعُ الفعـل، فلو قلت في جـوابـك: إنِّي إذن أكرمُـك رفعت الفعل؛ لأن (إذن) لم تتصدر الجواب، وكذلك ترفع الفعلَ إذا قلتَ: إذن إني أكرمُك، لوجود الفاصل، ولو قال لك شخص: إني أحبُّك، فقلت: إذن أظنُّك صادقًا، رفعتَ الفعل؛ لأنَّ المراد به الحال، ويُنصَب الفعل إذا كان الفاصلُ قسمًا، تقول لمن قال لك: سأزورك: إذن والله أكرَمك، بنصب الفعل.
4- (كي) المصدرية، وهي بمنزلة (أن) المصدرية في تأويلها مع ما بعدها بمصدر، و(كي) يجب أن تقع بعد اللام الجارة، وهذه اللام إمَّا ظاهرة؛ مثل: جئتُ لكي أساعدَك، والتأويل: جئتُ لمساعدتِك، أو مقدرة تظهر عند التأويل، تقول: جئتُ كي أساعدَك، والتأويل كما هو عند وجود اللام، ولو كان قبل الفعل (لا) النافية، وجب إظهار اللام، تقول: زرتُك لكيلا تعتبَ عليَّ، قال الله تعالى: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾ [الحديد: 23].
(لكيلا): اللام: حرف جر، كي: حرف نصب مصدري، لا نافية.
والفعلان (تَعتِبَ وتأسَوا): منصوبان بكي، علامة نصب الأول الفتحة الظاهرة، وعلامة نصب الثاني حذف النون.
وينصب المضارع بأن مضمرة في المواضع التالية:
1- إذا وقع بعد عاطف مسبوق باسم خالص؛ (أي غير مقصودٍ به معنى الفعل)؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51]؛ أي: إلا وحيًا أو إرسالًا، وإضمار (أن) في هذا جائز.
2- إذا وقع بعد لام الجر، سواء كانت للتعليل أم للجحودِ (أي للنفي)، فالتي للتعليل مثل: جئتُ لأتعلَّمَ، فأتعلم منصوب بأن مضمرة، وإضمارها جائز؛ إذ يصح أن تقولَ: جئتُ لأِن أتعلم، ومثال لام الجحود، (وهي ما كانت مسبوقةً بِكَوْنٍ منفي مثل ما كان أو لم يكن): ما كنتُ لأِفعلَ الشرَّ، ولم أكن لأتركَ الواجبَ، فالفعلان (أفعل وأترك) منصوبان بأن مضمرة بعد لام الجحود، وإضمارها هنا واجب، فلا يصح أن تقول: ما كنت لأن أفعل، أو لم أكن لأن أترك.
3- إذا وقع بعد (حتى) التي بمعنى (كي أو إلى)، فتكون بمعنى (كي) إذا كان ما قبلها علةً لما بعدها، كقولك لكافر: أسلِمْ حتى تدخلَ الجنة، فالإسلام علةٌ لدخول الجنة، وتكون بمعنى (إلى) إذا كان ما بعدها غايةً لما قبلها؛ كقولك: سأبقى هنا حتى تطلعَ الشمسُ، فطلوع الشمس غاية لبقائك، وليس ناشئًا من بقائك؛ لأنَّ الشمسَ تطلع سواء بقيتَ أم لم تبقَ، وإضمار أن بعد (حتى) واجب.
4- إذا وقع بعد (أو) التي بمعنى (إلى أو إلَّا)، فالأول مثل: لألْزَمَنَّك أو تقضِيَني حقي؛ أي: إلى أن تقضيَني، والثاني مثل: لأقتلنَّك أو تستسلمَ؛ أي: إلا أن تستسلم.
5- إذا وقع الفعل بعد فاء السببية، (وهي التي تُفيد أن الثاني مُسَبَّب عن الأول)، ويشترط لنصب الفعل بعد الفاء أن يسبق الفاء نفيٌ محض[2]، أو طلب بالفعل[3]، فالنفي كقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر: 36]؛ أي: لم يحصل القضاءُ عليهم فيتسبب عن ذلك موتُهم، فالفعل (يموتوا) منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية وجوبًا، وأما الطلب فيشمل ما يأتي:
الأول: الأمر، مثل: اجتهدْ فتنجحَ.
الثاني: النهي، مثل: لا تُهملْ فتندمَ.
الثالث: التمني، مثل: ليتني كنتُ مع المتَّقين فأفوزَ.
الرابع: الترجي، مثل: لعلي أنالُ مقصدي فأستريحَ.
الخامس: الدعاء، مثل: اللهم ارزقني مالًا فأتصدقَ على الفقراء.
السادس: الاستفهام، مثل: هل تعرفُ حاجتي فتقضيَها.
السابع: التحضيض، مثل: هلا تعملُ خيرًا فتربحَ.
الثامن: العَرْض، مثل: ألا تزورُنا فتحدثَنا.
والفرق بين التحضيض والعَرض هو أنَّ الأول طلب بشِدة، والثاني طلب برفق.
6- إذا وقع بعد واو المعية (وهي التي تفيد التشريك بين الفعلين)، ويُشتَرط لنصب المضارع بعدها نفس الشروط المذكورة في النصب بفاء السببية، فإذا كان الثاني متسببًا عن الأول استعملنا الفاء، وإذا كان المقصود التشريك بين الأول والثاني استعملنا الواو.
ومن الأمثلة المشهورة لواو المعية: قوله تعالى على لسان الكافرين يومَ القيامة: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27] وقولُ الشاعر:
لا تنهَ عن خُـلُقٍ وتأتيَ مثلَه ........................[4]
وقولك: لا تأكل السمكَ وتشربَ اللبَنَ، إذا قصدت النهي عن الجمع بينهما.
مسألة:
إذا قلتَ: (لا تأكلْ سمكًا وتشرب لبنًا)، فإن جزمتَ الفعل (تشرب) على أنه معطوف على الفعل تأكل (المجزوم بلا الناهية)، كان المعنى النهيَ عن كل واحد منهما مجتمعًا ومنفردًا. أي لا تفعل هذا ولا هذا.
وإذا نصبتَ الفعل (تشرب) على أن الواو للمعية وتشرب منصوب بأن مضمرة، كان المعنى النهيَ عن فعلهما معًا؛ أي: لا بأس أن تأكلَ سمكًا، لكن إذا أكلتَه لا تشرب لبنًا، ولا بأس أن تشرب لبنًا لكن إذا شرِبتَهُ لا تأكل سمكًا.
وإذا رفعت الفعل (تشرب) على الاستئناف، كان المعنى النهيَ عن الأول فقط، فكأنك قلت: لا تأكل سمكًا ولك أن تشرب لبنًا.
المصدر كتاب: توضيح قطر الندى
تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس
-----------------------
[1] إذا وقعت (أن) المصدرية بعد مـا يدل على يقين، وجب رفـع المضـارع الواقــع بعد ( أن )؛ لأنها مخففة من الثقيلة، مثل: علمتُ أن سيقومُ زيدٌ، وإذا وقعت بعد ما يدل على ظنٍّ جاز كونها ناصبة للمضارع، وجاز أن تكون مخففة من الثقيلة، وسيأتي بحث المخففة في موضوع النواسخ.
[2] أي غير منتقضٍ بنفي، فإن نفيَ النفي إثبات.
[3] فإن كان الطلب باسم الفعل، مثل: صَهْ فأحدثُك، رفعت الفعل.
[4] البيت لأبي الأسود الدؤلي، انظر عنه: معالم الاهتدا ص 14. ع.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_la...#ixzz6FKTUayf5