تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 133

الموضوع: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (40)

    "غُسْـلُ المرأة"


    غسل المرأة كغسل الرجل، إلا أن المرأة لا يجب عليها، أن تنقض ضفيرتها، إن وصل الماء إلى أصل الشعر؛ لحديث أم سلمة - رضي اللّه عنها - أن امرأة قالت: يارسول اللّه، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للجنابة ؟ قال: " إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تُفِيضي على سائر جسدك، فإذا أنت قد طُهرتِ " (1). رواه أحمد، ومسلم، والترمذيُّ، وقال: حسن صحيح.
    وعن عُبيد بن عمير - رضي اللّه عنه - قال: بلغ عائشة - رضي اللّه عنها - أن عبد اللّه بن عمر يأمـر النساء إذا اغتسلـن، أن ينقضن رءوسهن، فقالت: يا عجباً لابن عمر، يأمر النساء إذا اغتسلن بنقض رءوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؛ لقد كنت أغتسل أنا ورسولُ اللّه من إناء واحد، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات (2). رواه أحمد، ومسلم.
    ويستحب للمرأة إذا اغتسلت من حيض أو نفاس، أن تأخذ قطعة من قطن ونحوه، وتضيف إليها مسكاً أو طيباً، ثم تتبع بها أثر الدم؛ لتطيب المحل، وتدفع عنه رائحة الدم الكريهة؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن أسماء سألت النبي عن غسل المحيض ؟ قال: " تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فتطهر، فتحسن الطُّهورَ (3)، ثم تصب على رأسها،، فتدلكه دلكاً شديداً، حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تصبُّ عليها الماء، ثم تأخذ فِرْصَةً مُمسَّكة، فتطهر بها ". فقالت أسماء: وكيف تطهر بها ؟ قال: " سبحان اللّه! تطهَّرين بها ". فقالت عائشة:كأنها تُخفي ذلك، تتبعي أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة ؟ فقال: " تأخذ ماءً، فتطهر، فتحسن الطُّهورَ، أو تُبْلِغ الطُّهورَ، ثم تصب على رأسها، فتدلكه، حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تفيض عليها الماء " (4). فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. رواه الجماعة، إلا الترمذي.


    وننهي الكلام عن الغسل بــــ:

    "مَسَائــلُ تتعلــقُ بالغســل"

    1- يجزئ غسل واحد من حيض وجنابة، أو عن جمعة وعيد، أو عن جنابة وجمعة، إذا نوى الكل؛ لقول رسول اللّه : " وإنما لكل امرئ ما نوى " (5).

    2ـ إذا اغتسل من الجنابة، ولم يكن قد توضأ، يقوم الغسل عن الوضوء؛ قالت عائشة: كان رسول اللّه لا يتوضأ بعد الغسل (6). وعن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - أنه قال لرجل، قال له: إني أتوضأ بعد الغسل. فقال له: لقد تعمقت (7). وقال أبو بكر بن العربي: لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث، وتقضي عليها؛ لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث، فدخل الأقل في نية الأكثر، وأجزأت نية الأكبر عنه (8).

    3ـ يجوز للجنب، والحائض إزالة الشعر، وقص الظفر، والخروج إلى السوق، وغيره من غير كراهية؛ قال عطاء: يحتجم الجنب، ويقلم أظافره، ويحلق رأسه، وإن لم يتوضأ. رواه البخاري (9).

    4ـ لا بأس بدخول الحمام، إن سلـم الداخـل من النظر إلى العورات،وسلم من نظر الناس إلى عورته؛ قال أحمد: إن علمت أن كل مـن في الحمام عليه إزار فادخله، وإلا فلا تدخل. وفي الحديث عن رسول اللّه : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة "(10). وذكر اللّه في الحمام لا حرج فيه، فإنَّ ذكر اللّه في كل حال حسن، مالم يرد ما يمنع، وكان رسول اللّه يذكر اللّه على كل أحيانه.

    5ـ لا بأس بتنشيف الأعضاء بمنديل ونحوه، في الغسل والوضوء، صيفاً وشتاء.

    6ـ يجوز للرجل أن يغتسل ببقية الماء، الذي اغتسلت منه المرأة والعكس، كما يجوز لهما أن يغتسلا معاً، من إناء واحد؛ فعن ابن عباس، قال: اغتسل بعض أزواج النبي في جفْنة، فجاء النبي ؛ ليتوضأ منها، أو يغتسل، فقالت له: يا رسول اللّه، إني كنت جنباً. فقال: " إن الماء لا يجنب " (11). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حسن صحيح.
    وكانت عائشة تغتسل مع رسول اللّه من إناء واحد، فيبادرها وتبادره، حتى يقول لها: " دعي لي ". وتقول له: دع لي (12).

    7ـ لا يجوز الاغتسال عرياناً بين الناس؛ لأن كشف العورة محرم، فإن استتر بثوب ونحوه، فلا بأس؛ فقد كان رسول اللّه تستره فاطمة بثوب، ويغتسل، أما لو اغتسل عرياناً، بعيداً عن أعين الناس، فلا مانع منه؛ فقد اغتسل موسى - عليه السلام - عرياناً(13)، كما رواه البخاري، وعن أبي هريرة، عن النبي قال: " بينا أيوب - عليه السلام - يغتسل عُرياناً، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يَحْثي في ثوبه، فناداه ربه - تبارك وتعالى -: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى لي عن بركتك " (14). رواه أحمد، والبخاري، والنسائي.

    _______________

    - (1) مسلم: كتاب الحيض - باب حكم ضفائر المغتسلة (1 / 259)، الحديث رقم (58)، وسنن أبي داود: كتاب الطهارة - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسـل (1/173)، الحديث رقم (251) واللفظ هنا له وللترمذي _ أبواب الطهارة - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل (1/175) والحديث رقم (105).

    - (2) مسلم: كتـاب الحيـض - باب حكم ضفائـر المغتسلة (1 / 260)، الحديث رقم (59 )، والفتـح الربانـي (2 / 6، 135)، وابن خزيمة (247).

    - (3) "تطهر فتحسن الطهور" أي، تتوضأ فتحسن الوضوء، "شئون رأسها": أي، أصول شعر الرأس. "فرصة ممسكة". بكسر فسكون: أي، قطعة قطن أو صوفة بالمسك، "تخفي ذلك": تسر به إليها.

    - (4) روى القسم الأول منه، دون السؤال عن غسل الجنابة البخاري (1 / 44) كتاب العلم، تعليقاً، ومسلم: كتاب الحيض _ باب استعمال المغتسلة من فرصة من مسك في موضع الدم (1 / 261)، رقم (61)، وأبو داود: كتاب الطهارة _ باب الاغتسال (1 / 222، 223)، رقم (316)، ورواه النسائي مثل البخاري: كتاب الطهارة - باب ذكر العمل في الغسل من الحيض (1 / 135)، رقم (251)، وابن ماجه: كتاب الطهارة _ باب في الحائض كيف تغتسل (1 / 210، 211 )، رقم (642 )، ومسند أحمد (6 / 147، 148)..

    - (5) تقدم تخريجه، في "فرائض الوضوء"، وانظر: تمام المنة (126).

    - (6) أبو داود: بلفظ قريب: كتاب الطهارة _ باب في الوضوء بعد الغسل (250)، والنسائي: كتاب الطهارة _ باب ترك الوضوء من بعد الغسل (1 / 137)، والترمذي: أبـواب الطهارة _ بـاب ما جاء في الوضوء بعد الغسل (1 / 304 تحفة)، وابن ماجه: كتاب الطهارة _ باب في الوضوء بعد الغسل (597)، والحديث صحيح، انظر: صحيح أبي داود (244)، وتمام المنة (129).

    - (7) رواه ابن أبي شيبة، في "المصنف".

    - (8) انظر: تمام المنة (130).

    - (9) البخاري معلقاً (1 / 466 مع الفتح)، وقال ابن حجر: وصله عبد الرزاق، عن ابن جريج، عنه.

    - (10) مسلم: كتاب الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات (1 / 266) الحديث رقم (74)، وأبو داود: كتاب الحمام _ باب ما جاء في التعري (4 / 305)، والترمذي: كتاب الأدب _ باب في كراهية مباشرة الرجل الرجل، والمرأة المرأة (5 / 109)، وابن ماجه، مختصراً: كتاب الطهارة _ باب النهي أن يرى عورة أخيه (1 / 21)، والقول: لا بأس بدخول الحمام. يفهم منه جواز دخول النساء هذه الحمامات، وهذا فيه نظر؛ فإنه قد ثبت النهي في حقهن، ففي الحديث:"...، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر،فلا يدخل حليلته الحمام". ورواه الترمذي، وغيره، ومسند أحمد (3 / 63)،وصححه الألباني،في:صحي الجامع (6507).

    - (11) أبو داود: كتاب الطهارة - باب الماء لا يجنب (1 / 55، 56)، الحديث رقم (68)، والنسائي (1 / 74)، والترمذي: أبواب الطهارة - باب (48)، الحديث رقم (65)، (1 / 94)، وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب الرخصة بفضل وضوء المرأة (1 / 132)، الحديث رقم (37)، ومسند أحمد (1 / 235، 284، 308) بلفظ: "إن الماء لا ينجسه شيء"، وصححه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 64).

    - (12) المراد، أن الرسول _ عليه الصلاة والسلام _ كان يقول لعائشة: أبقي لي ماء. وهي تقول كذلك.
    والحديث أخرجه مسلم: كتـاب الحيض - بـاب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل، (1 / 257)، الحديث رقم (46)، وأحمد (6 / 91، 103).

    - (13) رواه البخاري: كتاب الغسل، باب من اغتسل عرياناً (1 / 75).

    - (14) البخاري: كتاب الغسل _ باب من اغتسل عرياناً وحده في الخَلْوة،... (279)، والنسائي: كتاب الغسل _ باب الاستتار عند الاغتسال (صحيح النسائي 396).


    والمرة القادمة إن شاء الله تعالى موعدنا مع:

    "التَّيَمُّــــ ُ"

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (41)

    "الـتيمم"

    "تَعْريفُه"

    المعنى اللغوي للتيمم: القصد.
    والشرعي: القصد إلى الصعيد؛ لمسح الوجه واليدين، بنية استباحة الصلاة ونحوها.

    دليلُ مشروعيَّتِه

    ثبتت مشروعيته بالكتاب، والسُّنة، والإجماع؛ أما الكتاب، فلقول الله تعالى: " وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً " [ النساء: 43].
    وأما السنة، فلحديث أبي أمامة - رضي اللّه عنه - أن رسول اللّه قال: " جعلت الأرض كلها لي، ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأيما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة، فعنده طَهوره " (1). رواه أحمد.
    وأما الإجماع؛ فلأن المسلمين أجمعوا على أن التيمم مشروع، بدلاً من الوضوء والغسل في أحوال خاصة.


    "اختِصاصُ هذه الأمَّةِ بِه"

    وهو من الخصائص، التي خص اللّه بها هذه الأمة؛ فعن جابر - رضي اللّه عنه - أن رسول اللّه قال: " أُعطيت خمساً، لم يعطهن أحد قبلي؛ نُصرت بالرُّعب مسيرةَ شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصلِّ، وأُحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث في قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامَّة " (2). رواه الشيخان.


    "سبـبُ مشروعِيَّتـه"

    روت عائشة - رضي اللّه عنها - قالت: خرجنا مع النبي في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيدَاء، انقطع عقد لي، فأقام النبي على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر - رضي اللّه عنه - فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ فجاء أبو بكر، والنبي على فخذي قد نام، فعاتبني، وقال ما شاء اللّه أن يقول، وجعل يطعن بيده خاصرتي، فما يمنعني من التحرك، إلا مكان النبي على فخذي، فنام، حتى أصبح على غير ماء، فأنزل اللّه تعالى آية التيمم: " فَتَيَمَّمُوا " [المائدة: 6]. قال أسيد بن الحُضَير: ما هي أول (3) بركتكم يا آل أبي بكر. فقالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته (4). رواه الجماعة، إلا الترمذي.

    _______________

    - (1) الفتح الرباني (2 / 187، 188) برقم (7)، والحديث صحيح، صححه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 180)، وصحيح الجامع (4220).

    - (2) البخاري: كتـاب التيمم، باب (1)، (1 / 91 )، ومسلم: كتـاب المساجـد، المقدمـة (1 / 370) الحديث رقم (3).

    - (3) ما: بمعنى ليس، أي؛ ليست هذه أول بركة لكم؛ فإن بركاتكم كثيرة.

    - (4) البخاري: كتاب التيمم _ باب حدثنا عبد الله بن يوسف... (334)، ومسلم: كتاب الحيض، باب التيمم، (1 / 279)، الحديث رقم (108)، وأبو داود: كتاب الطهارة _ باب التيمم (317)، والنسائي: كتاب الطهارة _ باب بدء التيمم (1 / 163)، وابن ماجه: كتاب الطهارة _ باب ما جاء في السبب (1 / 187، 188).


    وبالمرة القادمة إن شاء الله تعالى نتكلم عن:

    "الأسبابُ المبيحةُ له"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (42)

    "الأسبابُ المبيحةُ للتيمم"


    يباح التيمم للمحدث؛ حدثا أصغر أو أكبر، في الحضر والسفر، إذا وجد سبب من الأسباب الآتية:

    - أ ـ إذا لم يجد الماء، أو وجد منه ما لا يكفيه للطهارة؛ لحديث عمران بن حُصين - رضي اللّه عنه - قال: كنا مع رسول اللّه في سفر، فصلى بالناس؛ فإذا هو برجل معتزل، فقال: "ما منعك أن تصلي ؟". قال: أصابتني جنابة، ولا ماء. قال: "عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك"(1). رواه الشيخان، وعن أبي ذر - رضي اللّه عنه - عن رسول اللّه قال: " إن الصعيد طهورٌ، لمن لم يجد الماء عشر سنين " (2). رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
    لكن يجب عليه، قبل أن يتيمم، أن يطلب الماء من رحله، أو من رفقته، أو ما قرب منه عادة، فإذا تيقن عدمه، أو أنه بعيد عنه، لا يجب عليه الطلب.

    - ب _ إذا كان به جراحة أو مرض، وخاف من استعمال الماء زيادة المرض، أو تأخر الشفاء؛ سواء عرف ذلك بالتجربة، أو بإخبار الثقة من الأطباء؛ لحديث جابر - رضي اللّه عنه - قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على رسول اللّه ، أخبر بذلك، فقال: " قتلوه، قتلهم اللّه، ألا سألوا إذا لم يعلموا ! فإنما شفاء العِِيِّ السؤال (3)، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر، أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده " (4). رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، وصححه ابن السّكن.

    - ج _ إذا كان الماء شديد البرودة، وغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله، بشرط أن يعجز عن تسخينه، ولو بالأجر، أو لا يتيسر له دخول الحمام؛ لحديث عمرو بن العاص _ رضي اللّه عنه _ أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة شديدة البرودة، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول اللّه ، ذكروا ذلك له، فقال: " يا عمرو، صليت بأصحابك، وأنت جنب؟ ". فقلت: ذكرت قول اللّه، عزّ وجل: " وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً " [النساء: 39]. فتيممت، ثم صليت فضحك رسول اللّه، ولم يقل شيئاً (5). رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، والدَّارقطني، وابن حبان، وعلقه البخاري.
    وفي هذا إقرار، والإقرار حجة؛ لأنه لا يقر على باطل.

    - د _ إذا كان الماء قريباً منه، إلا أنه يخاف على نفسه، أو عرضه، أو مَاله، أو فوت الرفقة، أو حال بينه وبين الماء عدوّ، يخشى منه؛ سواء كان العدو آدميَّا أو غيره، أو كان مسجوناً، أو عجز عن استخرا جه؛ لفقد آلة الماء، كحبل ودلو؛ لأن وجود الماء في هذه الأحوال كعدمه، وكذلك من خاف إن اغتسل، أن يرمى بما هو بريء منه، ويتضرر به، جاز التيمم(6).

    - هـ _ إذا احتاج إلى الماء حالاً أو مآلاً؛ لشربه أو شرب غيره، ولو كان كلباً غير عقور، أو احتاج له؛ لعجن أو طبخ، وإزالة نجاسة غير معفو عنها، فإنه يتيمم، ويحفظ ما معه من الماء. قال الإمام أحمد - رضي اللّه عنه: عدة من الصحابة تيمموا، وحبسوا الماء؛ لشفاههم. وعن علي - رضي اللّه عنه - أنه قال، في الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة، ومعه قليل من الماء، يخاف أن يعطش: يتيمم، ولا يغتسل. رواه الدارقطني (7).
    قال ابن تيمية: ومن كان حاقناً، عادماً للماء، فالأفضل أن يصلي بالتيمم، غير حاقن من أن يحفظ وضوءه، ويصلي حاقناً.

    - وـ إذا كان قادراً على استعمال الماء، لكنه خشي خروج الوقت، باستعماله في الوضوء أو الغسل، فأنه يتيمم، ويصلي، ولا إعادة عليه (8).

    _____________

    - (1) البخاري: كتاب التيمم - باب الصعيد الطيب وضوء المسلم... (1 / 94، 97)، ومسلم (2 / 140، 141)، والنسائي: كتاب الطهارة باب التيمم بالصعيد (1 / 171)، ومسند أحمد (4 / 434، 435)، ومسند أبي عوانة (1 / 308).

    - (2) أبو داود: كتاب الطهارة باب الجنب يتيمم (332، 333)، والنسائي: كتاب الطهارة باب الصلوات بتيمم واحد (1 / 171)، والترمذي: أبواب الطهارة باب ما جاء في التيمم للجنب... (1 / 211، 212)، وأحمد، في "المسند" (5 / 180)، والدارقطني (1 / 187)، وصححه الألباني، في: صحيح النسائي (311)، وإرواء الغليل (153)، وصحيح الجامع (3860).

    - (3) "العي" الجهل.

    - (4) أبو داود: كتاب الطهارة - باب في المجروح يتيمم (1 / 239)، الحديث رقم (239)، وابن ماجه، عن ابن عباس: كتاب الطهارة باب في المجروح تصيبه جنابة.... (572)، والدارقطني: كتاب الطهارة، باب جواز التيمم لصاحب الجراح، مع استعمال الماء، وتعصيب الجراح (1 / 190)، ومسند أحمد (1 / 330) الجزء الأول من الحديث، والحديث حسن، ولكن بدون قوله:"ويعصر....". فهي زيادة ضعيفة، منكرة؛ لتفرد هذا الطريق الضعيف بها. انظر: صحيح ابن ماجه (464)، وتمام المنة (131).

    - (5) أبو داود: كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم (1 / 238)، الحديث رقم (334)، ومسند أحمد (4 / 203، 204)، والسنن الكبرى، للبيهقي (1 / 225)، وسنن الدارقطني (1 / 177)، وذكره البخاري تعليقاً بصيغة التمريض (1 / 95 )، وصححه العلامة الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 181).

    - (6) كالصديق يبيت عند صديقه المتزوج، فيصبح جنباً.

    - (7) انظر: السنن (1 / 202).

    - (8) انظر: تمام المنة (132).


    وبالمرة القادمة إن شاء الله تعالى الكلام عن:

    "الصَّعيدُ الذي يُتيمَّمُ به"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (43)

    "الصَّعيدُ الذي يُتيمَّمُ به"

    يجوز التيمم بالتراب الطاهر، وكل ما كان من جنس الأرض؛ كالرمل، والحجر،والجص؛ لقول اللّه تعالى: " فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً " [المائدة: 6]. وقد أجمع أهل اللغة على أن الصعيد وجه الأرض؛ تراباً كان، أو غيره.


    "كيفيةُ التيمُّمِ"

    على المتيمم أن يقدم النية (1)، وتقدم الكلام عليها في "الوضوء"، ثم يسمي اللّه تعالى، ويضرب بيديه الصعيد الطاهر، ويمسح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين، ولم يرد في ذلك أصح، ولا أصرح من حديث عمار - رضي اللّه عنه - قال: أجنبت، فلم أصب الماء، فتمعّكتُ (2) في الصعيد، وصليت، فذكرت ذلك للنبي ، فقال: " إنما كان يكفيك هكذا ". وضرب النبي بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه (3). رواه الشيخان. وفي لفظ آخر: " إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب، ثم تنفخ فيهما، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين " (4). رواه الدارقطني.
    ففي هذا الحديث الاكتفاء بضربة واحدة، والاقتصار في مسح اليدين على الكفين، وأن من السنة، لمن تيمم بالتراب، أن ينفض يديه، وينفخهما منه، ولا يعفّر به وجهه.


    "ما يباحُ به التيمُّمُ"

    التيمم بدل من الوضوء والغسل عند عدم الماء، فيباح به ما يباح بهما؛ من الصلاة، ومسِّ المصحف، وغيرهما، ولا يشترط لصحته دخول الوقت، وللمتيمم، أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض، والنوافل، فحكمه كحكم الوضوء، سواء بسواء؛ فعن أبي ذر - رضي اللّه عنه - أن النبي قال: " إن الصعيد طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء، فليُمِسَّه بشرَتَه؛ فإن ذلك خير " (5). رواه أحمد، والترمذي وصححه


    "نواقِضُه"

    ينقض التيمم كل ما ينقض الوضوء؛ لأنه بدل منه، كما ينقضه وجود الماء، لمن فقده، أو القدرة على استعماله، لمن عجز عنه، لكن إذا صلى بالتيمم، ثم وجد الماء، أو قدر على استعماله بعد الفراغ من الصلاة، لا تجب عليه الإعادة، وإن كان الوقت باقياً؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي اللّه عنه - قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فصليا، ثم وجد الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول اللّه ، فذكرا له ذلك، فقال للذي لم يعد: " أصبتَ السنة، وأجزأتك صلاتك " (6). وقال للذي توضأ، وأعاد: "لك الأجر مرتين ". رواه أبو داود، والنسائي.
    أما إذا وجد الماء، وقدر على استعماله بعد الدخول في الصلاة، وقبل الفراغ منها، فإن وضوءه ينتقض، ويجب عليه التطهر بالماء؛ لحديث أبي ذر المتقدم. وإذا تيمم الجنب أو الحائض؛ لسبب من الأسباب المبيحة للتيمم، وصلى، لا تجب عليه إعادة الصلاة، ويجب عليه الغسل، متى قدر على استعمال الماء؛ لحديث عمر - رضي اللّه عنه - قال: صلى رسول اللّه بالناس، فلما انْفَتل من صلاته، إذا هو برجل معتزل، لم يصل مع القوم، قال: "ما منعك يا فلان، أن تصلي مع القوم ؟". قال: أصابتني جنابة، ولم أجد ماء. قال: "عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك". ثم ذكر عمران، أنهم بعد أن وجدوا الماء، أعطى رسول اللّه الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، وقال: " اذهب، فأفرغه عليك " (7). رواه البخاري.

    ___________

    - (1) وهي فرض في التيمم أيضاً.

    - (2) "تمعكت" تمرغت، وزناً ومعنى.

    - (3) البخاري: كتاب التيمم، باب التيمم ضربة (1 / 96)، ومسلم: كتاب الحيض، باب التيمم (1 / 80، 81) مع اختلاف في الألفاظ.

    - (4) الدارقطني: كتاب الطهارة، باب التيمم (1 / 183).

    - (5) تقدم تخريجه، في (ص 103).

    - (6) أبو داود: كتاب الطهارة - باب في التيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت (1 / 241)، الحديث رقم (338)، والنسائي: كتاب الغسل والتيمم باب التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة (1 / 231)، والدارقطني (1 / 189)، والدارمي: كتاب الطهارة، باب التيمم (1 / 155)، والسنن الكبرى للبيهقي (1 / 231)، وفتح الباري (9 / 127)، وصححه الشيخ الألباني، في: صحيح النسائي (420)، وصحيح أبي داود (365)، والمشكاة (533).

    - (7) تقدم تخريجه، في (ص 103).



    وبالمرة القادمة إن شاء الله تعالى نتكلم عن:

    "المسْحِ على الجبيرةِ،ونحوها "

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (44)

    "المسْحِ على الجبيرةِ،ونحوها "


    مشروعيَّة المسْحِ على الجبيرةِ، والعصابَةِ: يشرع المسح على الجبيرة، ونحوها، مما يربط به العضو المريض؛ لأحاديث وردت في ذلك، وهي، وإن كانت ضعيفة، إلا أن لها طرقاً يشد بعضها بعضاً، وتجعلها صالحة للاستدلال بها على المشروعية؛ من هذه الأحاديث حديث جابر، أن رجلاً أصابه حجر، فشجّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه، هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا: لا نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على رسول اللّه ، وأخبر بذلك، فقال: " قتلوه، قتلهم اللّه، ألا سألوا إذْ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر، أو يعصب على جرحه، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده " (1). رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، وصححه ابن السّكن.
    وصح عن ابن عمر، أنه مسح على العصابة (2).

    حُكْمُ المسْحِ: حكم المسح على الجبيرة الوجوب، في الوضوء والغسل، بدلاً من غسل العضو المريض، أو مسحه.

    متى يَجبُ المسْحُ ؟ من به جراحة، أو كسر، وأراد الوضوء، أو الغسل، وجب عليه غسل أعضائه، ولو اقتضى ذلك تسخين الماء؛ فإن خاف الضرر من غسل العضو المريض، بأن ترتب على غسله حدوث مرض، أو زيادة ألم، أو تأخر شفاء، انتقل فرضه إلى مسح العضو المريض بالماء، فإن خاف الضرر من المسح، وجب عليه أن يربط على جرحه عصابة، أو يشد على كسره جبيرة، بحيث لا يتجاوز العضو المريض، إلا لضرورة ربطها، ثم يمسح عليها مرة تعمها.

    والجبيرة أو العصابة لا يشترط تقدم الطهارة على شدِّها، ولا توقيت فيها بزمن، بل يمسح عليها دائماً في الوضوء والغسل، ما دام العذر قائماً.

    مبطلاتُ المسْحِ: يبطل المسح على الجبيرة، بنزعها من مكانها، أو سقوطها عن موضعها عن برء، أو براءة موضعها، وإن لم تسقط.


    "صلاة فاقد الطهورين"

    من عُدم الماء، والصعيد بكل حال، يصلي على حسب حاله، ولا إعادة عليه؛ لما رواه مسلم، عن عائشة، أنها استعارت من أسماء قلادة، فهلكت، فأرسل رسول اللّه ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي شكَوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن الحُضَير: جزاك اللّه خيراً، فواللّه، ما نزل بك أمر قط، إلا جعل اللّه لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين منه بركة (3). فهؤلاء الصحابة، صلوا حين عدموا ما جعل لهم طهوراً، وشكوا ذلك للنبي ، فلم ينكره عليهم، ولم يأمرهم بالإعادة، قال النووي: وهو أقوى الأقوال دليلاً.

    _________

    - (1) تقدم تخريج الحديث، في (ص 103)، وأن الحديث حسن، إلا قوله: "ويعصر، أو يعصب....". فإنها رواية منكرة، ضعيفة.

    - (2) رواه البيهقي، في: السنن الكبرى (1 / 228)، وصححه الألباني، في: تمام المنة (134)، وانظر: إرواء الغليل (1 / 142).

    - (3) تقدم تخريجه، في (ص 103 ).


    وبالمرة القادمة إن شاء الله تعالى نتكلم عن:

    "الدماء الطبيعية للنساء"

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (45)

    "الدماء الطبيعية للنساء"


    "الحَـيْـضُ"


    - (1) تَعْريفُه: أصل الحيض في اللغة: السيلان، والمراد به هنا: الدم الخارج من قُبل المرأة، حال صحتها، من غير سبب ولادة، ولا افتضاض.

    - (2) وقْتُه: يرى كثير من العلماء، أن وقته لا يبدأ قبل بلوغ الأنثى تسع سنين (1)، فإذا رأت الدم قبل بلوغها هذا السن، لا يكون دم حيض، بل دم علة وفساد، وقد يمتد إلى آخر العمر، ولم يأت دليل على، أن له غاية ينتهي إليها، فمتى رأت العجوز المسنّة الدم، فهو حيض.

    - (3) لَوْنُه: يشترط في دم الحيض، أن يكون على لون من ألوان الدم الآتية: أ- السواد؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي : " إذا كان دم الحيضة، فإنه أسود يعرف (2)، فإذا كان كذلك، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئ، وصلي؛ فإنما هو عرق " (3). رواه أبو داود، والنسائي، وابن حبان، والدارقطني، وقال: رواته كلهم ثقات. ورواه الحاكم، وقال: على شرط مسلم.
    ب - الحمرة؛ لأنها أصل لون الدم.
    ج - الصفرة؛ وهي ماء تراه المرأة،كالصديد، يعلوه إصفرار.
    د - الكدرة؛ وهي التوسط بين لون البياض والسواد،كالماء الوسخ؛ لحديث عَلقمة ابن أبي علقمة، عن أمه مرجانة مولاة عائشة - رضي اللّه عنها - قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدِّرجة (4)، فيها الكُرْسف، فيه الصفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة ؟ فتقول لهن: لا تعجَلْنَ، حتى ترين القَصة (5) البيضاء. رواه مالك، ومحمد بن الحسن، وعلقه البخاري.
    وإنما تكون الصفرة والكدرة حيضاً في أيام الحيض، وفي غيرها لا تعتبر حيضاً؛ لحديث أم عطية - رضي اللّه عنها - قالت: كنا لا نعد الصفرة والكدرة، بعد الطهر، شيئاً (6). رواه أبو داود، والبخاري، ولم يذكر: "بعد الطهر".

    - (4) مُدَّتُه (7): لا يتقدر أقل الحيض، ولا أكثره، ولم يأت في تقدير مدته، ما تقوم به الحجة.
    ثم إن كانت لها عادة متقررة، تعمل عليها؛ لحديث أم سلمة - رضي اللّه عنها - أنها استفتت رسول اللّه ، في امرأة تُهراق الدم ؟ فقال: " لتنظر قدْر الليالي والأيام، التي كانت تحيضهن، وقدرهن من الشهر، فتدع الصلاة، ثم لتغتسل، ولتستثفر(8)، ثم تصلي " (9). رواه الخمسة، إلا الترمذي.
    وإن لم تكن لها عادة متقررة، ترجع إلى القرائن المستفادة من الدم؛ لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش المتقدم، وفيه قول النبي : " إذا كان دم الحيض، فإنه أسودُ يُعْرَف ". فدلّ الحديث على، أن دم الحيض متميز عن غيره، معروف لدى النساء.

    - (5) مدَّةُ الطُّهرِ بين الحيضَتَيْن: اتفق العلماء على، أنه لا حدَّ لأكثر الطهر المتخلل بين الحيضتين، واختلفوا في أقله؛ فقدره بعضهم بخمسة عشر يوماً، وذهب فريق منهم إلى، أنه ثلاثة عشر، والحق، أنه لم يأت في تقدير أقله دليل ينهض للاحتجاج به.

    __________

    - (1) تسع سنين: أي؛ قمرية، وتقدر السنة القمرية بنحو من 354 يوماً.

    - (2) "يعرف" بضم الأول، وفتح الراء: أي؛ تعرفه النساء، أو بكسر الراء: أي؛ له عرف ورائحة.

    - (3) أبو داود: كتاب الطهارة، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (1 / 195)، برقم (286)، والنسائي: كتاب الطهارة، باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة (1 / 123)، والمستدرك للحاكم: كتاب الطهارة، باب أحكام الاستحاضة (1 / 174) وقال: صحيح على شرط مسلم، والسنن الكبرى للبيهقي (1 / 325)، ومشكل الآثار للطحاوي (3 / 306)، وصححه الشيخ الألباني، في: صحيح النسائي (209)، والإرواء (204)، وصحيح الجامع (765).

    - (4) "بالدرجة" بكسر أوله، وفتح الراء والجيم، جمع درج، بضم فسكون: وعاء تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها، أو بالضم ثم السكون، تأنيث درج، وهو ما تدخله المرأة من قطن وغيره؛ لتعرف هل بقي من أثرالحيض شيء، أم لا. و"الكرسف" القطن.

    - (5) "القصة" القطنة: أي؛ حتى تخرج القطنة بيضاء نقية، لا يخالطها صفرة.
    والحديث في موطأ الإمام مالك، الحديث رقم (99) باب طهر الحائض، والبخاري تعليقاً:كتاب الحيض (1/89)، وصححه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 218).

    - (6) البخاري: كتاب الحيض، باب الصفرة والكدرة... (1 /89)، وأبو داود: كتاب الطهارة، باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر (1 / 215)، الحديث رقم (307)، والنسائي: كتاب الحيض، باب الصفرة والكدرة (1 / 187)، الحديث رقم (368) بلفظ البخاري، وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الصفرة والكدرة (1 / 212)، الحديث رقم (647) بلفظ البخاري، وانظر: إرواء الغليل (1 / 219).

    - (7) اختلف العلماء في المدة؛ فقال بعضهم:لا حد لأقله. وقال آخرون: أقل مدته يوم وليلة. وقال غيرهم: ثلاثة أيام. وأما أكثره؛ فقيل: عشرة أيام. وقيل: خمسة عشر يوماً.

    - (8) "ولتستثفر": أي؛ تشد خرقة على فرجها.

    - (9) أبو داود:كتاب الطهارة - باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض، رقم (274)،(1 / 71)، والنسائي: كتاب الحيض باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر (1 / 182)، وابن ماجه: كتاب الطهارة باب ما جاء في المستحاضة.... (623)، والسنن الكبرى للبيهقي (1 / 332)، ومسند أحمد (6 / 320)، ومشكل الآثار للطحاوي (3 / 303)، والدارقطني (1 / 207)، وصححه الألباني، في: صحيح النسائي (202، 343)، وصحيح الجامع (5076).


    ولقاؤنا بالمرة القادمة إن شاء الله مع :

    "النـُـفَـاسُ"

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (46)

    "النـُـفَـاسُ"


    - (1) تَعْريفُه: هو الدم الخارج من قُبُل المرأة؛ بسبب الولادة، وإن كان المولود سقطاً.

    - (2) مُدَّتُه: لا حدَّ لأقل النفاس، فيتحقق بلحظة، فإذا ولدت، وانقطع دمها عقب الولادة، أو ولدت بلا دم، وانقضى نفاسها، لزمها ما يلزم الطاهرات؛ من الصلاة، والصوم، وغيرهما، وأما أكثره، فأربعون يوماً؛ لحديث أم سلمة - رضي اللّه عنها - قالت: كانت النُّفساء تجلس على عهد رسول اللّه أربعين يوماً (1). رواه الخمسة، إلا النسائي، وقال الترمذي - بعد هذا الحديث -: قد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي ، والتابعين، ومن بعدهم، على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك؛ فإنها تغتسل، وتصلي، فإن رأت الدم بعد الأربعين، فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين.

    ______________

    - (1) أبو داود: كتاب الطهارة باب ما جاء في وقت النفساء (311، 312)، والترمذي: أبواب الطهارة باب ما جاء في كم تمكث النفساء (139)، وابن ماجه: كتاب الطهارة باب النفساء كم تجلس (648، 649)، والدارقطني (1 / 222)، والحديث حسن، حسنه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 222).


    وبالمرة القادمة إن شاء الله نبدأ من:

    "ما يُحرمُ على الحَائضِ ، والنُّفساءِ"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (47)

    "ما يُحرمُ على الحَائضِ ، والنُّفساءِ"


    تشترك الحائض والنفساء مع الجنب، في جميع ما تقدم مما يحرم على الجنب، وفي أن كل واحد من هؤلاء الثلاث يقال له: محدث حدثاً أكبر. ويحرم على الحائض والنفساء - زيادة على ما تقدم - أمور:
    - (1) الصَّوْمُ: فلا يحل للحائض والنفساء أن تصوم، فإن صامت، لا ينعقد صيامها، ووقع باطلاً، ويجب عليها قضاء ما فاتها، من أيام الحيض والنفاس في شهر رمضان، بخلاف ما فاتها من الصلاة؛ فإنه لا يجب عليها قضاؤه؛ دفعاً للمشقة، فإن الصلاة يكثر تكرارها، بخلاف الصوم؛ لحديث أبي سعيد الخدري، قال: خرج رسول اللّه في أضحى، أو فطر إلى المصلَّى، فمرَّ على النساء، فقال: " يا معشر النساء، تصدّقن؛ فإني رأيتكنَّ أكثر أهل النار ". فقلن: وبِمَ يا رسول اللّه ؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن العشير؛ ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للبِّ الرجل الحازم، من إحداكن ! " قلن: وما نقصان عقلنا وديننا، يا رسول اللّه ؟ قال: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ " قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت، لم تصل، ولم تصم". قلن: بلى. قال: "فذلك نقصان دينها " (1). رواه البخاري، ومسلم. وعن معاذة، قالت: سألت عائشة - رضي اللّه عنها - فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول اللّه ، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (2). رواه الجماعة.

    - (2) الوطء: وهو حرام بإجماع المسلمين، بنص الكتاب والسنة، فلا يحل وطء الحائض والنفساء، حتى تطهر؛ لحديث أنس، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهنَّ في البيوت، فسأل أصحاب النبي النبي ؟ فأنزل الله - عز وجل -: "وَيَسْأَلُونَك عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ *[ البقرة: 222]. فقال رسول اللّه : " اصنعوا كل شيء، إلا النكاح ". وفي لفظ: " إلا الجماع ". رواه الجماعة إلا البخاري (3). قال النووي: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها، صار كافراً مرتدّاً، ولو فعله غير معتقد حله، ناسياً، أو جاهلاً الحرمة، أو وجود الحيض، فلا إثم عليه، ولا كفارة، وإن فعله عامداً، عالماً بالحيض، والتحريم مختاراً، فقد ارتكب معصية كبيرة، يجب عليه التوبة منها.
    وفي وجوب الكفارة قولان؛ أصحهما، أنه لا كفارة عليه (4). ثم قال: النوع الثاني، أن يباشرها فيما فوق السرة، وتحت الركبة، وهذا حلال بالإجماع، والنوع الثالث، أن يباشرها فيما بين السرة والركبة، غير القبل والدبر، وأكثر العلماء على حرمته. ثم اختار النووي الحل مع الكراهة؛ لأنه أقوى من حيث الدليل، انتهى ملخصاً.
    والدليل الذي أشار إليه، ما روي عن أزواج النبي ، أن النبي كان إذا أراد من الحائض شيئاً، ألقى على فرجها ثوباً (5). رواه أبو داود.
    قال الحافظ: إسناده قوي. وعن مسروق بن الأجدع، قال: سألت عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت: كل شيء، إلا الفرجَ (6). رواه البخاري في "تاريخه".

    ______________

    - (1) البخاري:كتاب: الحيض - باب ترك الحائض الصوم (1 / 83 )، وفي: كتاب الصوم - باب الحائض تترك الصوم والصلاة (3 / 45) الجزء الأخير من الحديث، ومسلم:كتاب الإيمان - باب بيان نقصان الإيمان بنقصان الطاعة... (1 / 86، 87) بألفاظ مختلفة عن البخاري، واللفظ هنا للبخاري.

    - (2) البخاري:كتاب: الحيض - باب لا تقضي الحائض الصلاة (1 / 88)، ومسلم:كتاب الحيض - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (1 / 265)، رقم (69)، والترمذي: أبواب الطهارة - باب ما جاء في الحائض، أنها لا تقضي الصلاة (1 / 235)، رقم (130)، وابن ماجه (631)، وانظر: الإرواء (1 / 220)، وأبو داود:كتاب الطهارة - باب في الحائض لا تقضي الصلاة (1 / 180، 181)، رقم (262، 263)، والنسائي:كتاب الحيض - باب سقوط الصلاة عن الحائض (1 / 191)، رقم (382 ).

    - (3) مسلم: كتاب الحيض باب جواز قراءة القرآن في حجر الحائض (3 / 211)، وأبو داود: كتاب الطهارة باب في مؤاكلة الحائض، ومجامعتها (258)، والنسائي: كتاب الطهارة باب تأويل قول الله، عز وجل: "ويسألونك عن المحيض* وكتاب الحيض باب ما ينال من الحائض (277، 357)، والترمذي: كتاب الطهارة باب ما جاء في مؤاكلة الحائض، وسؤرها (133 تحفة)، وابن ماجه: كتاب الطهارة باب ما جاء في مؤاكلة الحائض، وسؤرها (644).

    - (4) هذا الكلام فيه نظر؛ لأنه قد ثبت عن رسول الله ، أنه قال: "يتصدق بدينار، أو نصف دينار". رواه أبو داود، والنسائي، وغيرهما، وهو صحيح، وانظر: إرواء الغليل (1 / 217).

    - (5) أبو داود:كتاب الطهارة - باب في الرجل يصيب منها دون الجماع (1 / 186) الحديث رقم (272)، وهو حسن، وانظر: فتح الباري (1 / 482).

    - (6) ورواه الدارمي، في: كتاب الصلاة والطهارة باب مباشرة الحائض (1 / 241).

    والمرة القادمة إن شاء الله تعالى:

    "الاستحاضة"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (48)

    "الاستحاضة"


    تَعْريفُها: هي استمرار نزول الدم وجريانه، في غير أوانه.
    - (1) أحوالُ المستحاضَةِ: المستحاضة لها ثلاث حالات:
    ا - أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفة هي مدة الحيض، والباقي استحاضة؛ لحديث أم سلمة، أنها استفتت النبي في امرأة تُهْراق الدم ؟ فقال: " لتنظر قدر الليالي والأيام، التي كانت تحيضهن، وقدرهن من الشهر، فتدع الصلاة، ثم لتغتسل، ولتستثفر، ثم تصلي (1) ". رواه مالك، والشافعي، والخمسة، إلا الترمذي. قال النووي: وإسناده على شرطهما.

    قال الخطابي: هذا حكم المرأة يكون لها من الشهر أيام معلومة، تحيضها في أيام الصحة، قبل حدوث العلة، ثم تستحاض فتهريق الدم، ويستمر بها السيلان، أمرها النبي أن تدع الصلاة من الشهر قدر الأيام التي كانت تحيض، قبل أن يصيبها ما أصابها، فإذا استوفت عدد تلك الأيام، اغتسلت مرة واحدة، وحكمها حكم الطواهر.

    ب - أن يستمر بها الدم، ولم يكن لها أيام معروفة؛ إما لأنها نسيت عادتها، أو بلغت مستحاضة، ولا تستطيع تمييز دم الحيض، وفي هذه الحالة يكون حيضها ستة أيام، أو سبعة، على غالب عادة النساء؛ لحديث حَمْنَة بنت جحش، قالت: كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة، فجئت رسول اللّه أستفتيه، وأخبره...

    فوجدته في بيت أختي، زينب بنت جحش. قالت: فقلت: يا رسول اللّه، إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، قد منعتني الصلاة والصيام ؟ فقال: "أنعت لك الكرْسُف (2)؛ فإنه يذهب الدم ". قالت: هو أكثر من ذلك. قال " فتلجمي ". قالت: هو أكثر من ذلك. قال: " فاتخذي ثوباً ". قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثجُّ ثجّا. فقال: " سآمرك بأمرين؛ أيهما فعلت، أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليها، فأنت أعلم ". فقال لها: " إنما هذه ركْضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم اللّه، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت، واستنقيت، فصلي أربعاً وعشرين ليلة، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي؛ فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء، وكما يطهرن بميقات حيضهن وطهْرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، فتغتسلين، ثم تصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب، وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، فكذلك فافعلي، وصلي، وصومي، إن قدرت على ذلك".
    وقال رسول اللّه : " وهذا أحب الأمرين إلي " (3). رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال: وسألت عنه البخاري ؟ فقال: حديث حسن. وقال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح.

    قال الخطابي - تعليقاً على هذا الحديث: إنما هي امرأة مبتدأة، لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميِّزة لدمها، وقد استمر بها الدم، حتى غلبها، فرد رسول اللّه أمرها إلى العرف الظاهر، والأمر الغالب من أحوال النساء، كما حمل أمرها في تحيُّضها كل شهر مرة واحدة، على الغالب من عادتهن، ويدل على هذا قوله: " كما تحيض النساء ويطهرن، بميقات حيضهن وطهرهن ".
    قال: وهذا أصل في قياس أمر النساء بعضهن على بعض، في باب الحيض، والحمل، والبلوغ، وما أشبه هذا من أمورهن.

    ج- ألا تكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض عن غيره، وفي هذه الحالة تعمل بالتمييز؛ لحديث فاطمة بنت أبي حُبَيْش، أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي : " إذا كان دم الحيض، فإنه أسودُ يُعْرَف، فإذا كان كذلك، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضَّئي، وصلي، فإنما هو عِرْقٌ " (4). وقد تقدم.

    (3) أحكَامُهَا: للمستحاضة أحكام، نلخصها فيما يأتي:
    أ- أنه لا يجب عليها الغسل لشيء من الصلاة، ولا في وقت من الأوقات، إلا مرة واحدة، حينما ينقطع حيضها. وبهذا قال الجمهور، من السلف والخلف.

    ب - أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة؛ لقوله في رواية البخاري: " ثم توضئي لكل صلاة ".
    وعند مالك يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحدث آخر.

    جـ - أن تغسل فرجها قبل الوضوء، وتحشوه بخرقة أو قطنة؛ دفعاً للنجاسة، وتقليلاً لها، فإن لم يندفع الدم بذلك، شدت مع ذلك على فرجها، وتلجمت، واستثفرت، ولا يجب هذا، وإنما هو الأولى.

    د - ألا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة، عند الجمهور؛ إذ طهارتها ضرورية، فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.

    هـ - أنه يجوز لزوجها أن يطأها في حال جريان الدم، عند جماهير العلماء؛ لأنه لم يرد دليل بتحريم جماعها.
    قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، فالصلاة أعظم. رواه البخاري (5). يعني، إذا جاز لها أن تصلي، ودمها جار، وهي أعظم ما يشترط لها الطهارة، جاز جماعها. وعن عكرمة، عن حمنة بنت جحش، أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها (6). رواه أبو داود، والبيهقي. وقال النووي: إسناده حسن.
    و أن لها حكم الطاهرات؛ تصلي، وتصوم، وتعتكف، وتقرأ القرآن، وتمس المصحف وتحمله، وتفعل كل العبادات. وهذا مجمع عليه (7).

    _________________

    - (1) تقدم تخريجه، في (ص 111).

    - (2) "أنعت لك الكرسف": أصف لك القطن. "تلجمي" شدي خرقة مكان الدم على هيئة اللجام، و"الثج" شدة السيلان.

    - (3) أبو داود: كتاب الطهارة باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (287)، والترمذي: كتاب الطهارة باب ما جاء في المستحاضة.... (1 / 221 225) وابن ماجه: كتاب الطهارة باب ما جاء في البكر إذا أبتدأت مستحاضة.... (627)، وأحمد (6 / 381، 382، 439، 440)، وحسنه الشيخ الألباني، في: إرواء الغليل (1 / 202).

    - (4) تقدم تخريجه، في (ص 110).

    - (5) البخاري معلقاً، ووصله ابن أبي شيبة، والدارمي، وانظر: الفتح (1 / 510).

    - (6) رواه أبو داود، في: كتاب الطهارة، باب المستحاضة يغشاها زوجها (1 / 81).

    - (7) دم الحيض دم فاسد، أما دم الاستحاضة، فهو دم طبيعي؛ لذا منعت من العبادات في الأول، دون الثاني.


    ونلتقي بالمرة القادمة إن شاء الله تعالى مع :

    "الـصَّـلاةُ"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (49)

    "تمهيد حول الصلاة"

    الصلاة عبادة، تتضمن أقوالاً وأفعالاً مخصوصة، مفتتحة بتكبير اللّه تعالى، مختتمة بالتسليم.


    "منزلتُهَا في الإسْلامِ"

    وللصلاة في الإسلام منزلة، لا تعدلها منزلة أية عبادة أخرى؛ فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال رسول اللّه :
    " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللّه " (1).
    وهي أول ما أوجبه اللّه تعالى من العبادات، تولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج، من غير واسطة؛ قال أنس: فرضت الصلاة على النبي ليلة أُسري به خمسين، ثم نقصت، حتى جُعلت خمساً، ثم نودي: " يا محمد، إنه لا يبدَّل القول لديَّ، وإن لك بهذه الخمس خمسين ". رواه أحمد، والنسائي، والترمذيُّ وصححه.

    وهي أول ما يحاسب عليه العبد، نقل عبد اللّه بن قرط، قال: قال رسول اللّه : " أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت، فسد سائر عمله". رواه الطبراني.
    وهي آخر وصية وصى بها رسول اللّه أمته عند مفارقة الدنيا، جعل يقول - وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة -:
    " الصَّلاةَ الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم ".
    وهي آخرما يفقد من الدين، فإن ضاعت، ضاع الدين كله؛ قال رسول اللّه :
    " لتنقضن عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبث الناس بالتي تليها؛ فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة ". رواه ابن حبان، من حديث أبي أمامة.

    والمتتبع لآيات القرآن الكريم، يرى أن اللّه سبحانه يذكر الصلاة، ويقرنها بالذكر تارة: " إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " [ العنكبوت:45]، " قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى " [الأعلى:14، 15]، " وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي " [ طه: 14].
    وتارة يقرنها بالزكاة: " وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ " [ البقرة: 110].
    وتارة بالنسك: " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " [الكوثر: 2]،: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [الأنعام: 162، 163].

    وأحياناً يفتتح بها أعمال البرّ، ويختتمها بها، كما في سورة "المعارج" وفي أول سورة "المؤمنون": " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * إلى قوله: " وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *[المؤمنون: 1 -11].
    وقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة، أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف؛ فقال تعالى: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ " [ البقرة:238، 239].
    وقال، مبيناً كيفيتها في السفر، والحرب، والأمن: " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً " [النساء: 101، 103].

    وقد شَدَّد النكير على من يفرّط فيها، وهدد الذين يضيعونها؛ فقال - جل شأنه -:
    " فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غياً" [مريم: 59]. وقال: " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ " [الماعون: 4، 5].

    ولأن الصلاة من الأمور الكبرى، التي تحتاح إلى هداية خاصة، سأل إبراهيم، عليه السلام، ربه أن يجعله هو وذريته مقيماً لها، فقال: " رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ " [ إبراهيم: 40].

    _______________

    - (1) الترمذي: كتاب الإيمان - باب ما جاء في حرمة الصلاة (5 / 11، 12) الحديث رقم (2616)..


    وبالمرة القادمة إن شاء الله الكلام عن :

    "حُكْمُ تَرْكِ الصَّلاةِ"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (50)

    "تمهيد حول الصلاة"

    "حُكْمُ تَرْكِ الصَّلاةِ"


    ترك الصلاة، جحوداً بها، وإنكاراً لها كفر، وخروج عن ملة الإسلام، بإجماع المسلمين. أما من تركها، مع إيمانه بها، واعتقاده فرضيتها، ولكن تركها تكاسلاً، أو تشاغلاً عنها، بما لا يعد في الشرع عذراً، فقد صرَّحت الأحاديث بكفره، ووجوب قتله؛ أما الأحاديث المصرحة بكفره، فهي:

    - 1- عن جابر، قال: قال رسول اللّه : " بين الرجل وبين الكفر، ترك الصلاة "(1). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

    - 2- وعن بريدة، قال: قال رسول اللّه : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها، فقد كفر" (2). رواه أحمد، وأصحاب السنن.

    - 3- وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن النبي ، أنه ذكر الصلاة يوماً، فقال: " من حافظ عليها، كانت له نوراً، وبرهاناً، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم تكن له نوراً، ولا برهاناً، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارونَ، وفرعونَ، هامانَ، وأبَيِّ بن خلف " (3). رواه أحمد، والطبراني،وابن حبّان. وإسناده جيد.
    وكون تارك المحافظة على الصلاة مع أئمة الكفر، في الآخرة، يقتضي كفره.
    قال ابن القيم: تارك المحافظة على الصلاة؛ إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته؛ فمن شغله عنها ماله، فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه، فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته ووزارته، فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته، فهو مع أبَيِّ بن خلف.

    - 4- وعن عبد اللّه بن شقيق العقيلي، قال: كان أصحاب محمد لا يرونَ شيئاً من الأعمال تركه كفر، غيرَ الصلاة (4). رواه الترمذي، والحاكم على شرط الشيخين.

    - 5- قال محمد بن نصر المِروَزي: سمعت إسحاق يقول: صحَّ عن النبى ، أن تاركَ الصلاة كافر، وكذلك رأيُ أهل العلم، من لدن محمد ، أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر، حتى يذهب وقتها،كافر.

    - 6- وقال ابن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة، أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً،حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفاً. ذكره المنذريُّ في "الترغيب والترهيب". ثم قال: قد ذهب جماعة من الصحابة، ومَن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة، متعمداً تركها، حتى يخرج جميع وقتها؛ منهم عمر بن الخطاب، وعبد اللّه ابن مسعود، وعبد اللّه بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد اللّه، وأبو الدرداء - رضي اللّه عنهم - ومن غير الصحابة؛ أحمد بن حنبل، وإسحاق بن رَاهويه، وعبد اللّه ابن المبارك، والنّخعي، والحكم بن عتيبة، وأبو أيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم، رحمهم اللّه تعالى.

    ___________

    - (1) مسلم: كتاب الإيمان - باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (1 / 87، 88)، وأبو داود: كتاب السنة - باب في رد الإرجاء (2 / 512)، والترمذي: كتاب الإيمان - باب ما جاء في ترك الصلاة (5 / 13)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء فيمن ترك الصلاة (1 / 342)، ومسند أحمد (3 / 389).

    - (2) الترمذي: كتاب الإيمان - باب ما جاء في ترك الصلاة (5 / 13، 14)، الحديث رقم (2621)، ومستدرك الحاكم: كتاب الإيمان - باب التشديد في ترك الصلاة (1 / 6، 7)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، لا تعرف له علة بوجه من الوجوه، فقد احتجا جميعاً بعبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، واحتج مسلم بالحسين بن واقد، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعاً، وابن ماجه: كتاب الإقامة - باب ما جاء فيمن ترك الصلاة (1 / 342)، رقم (1079)، ومسند أحمد (5 / 346)، والدارقطني: كتاب الوتر - باب التشديد في ترك الصلاة (2 / 52)، والسنن الكبرى للبيهقي: كتاب صلاة الاستسقاء - باب جماع أبواب تارك الصلاة (3 / 366).

    - (3) موارد الظمآن ص (87)، برقم (254)، ومسند أحمد (2 / 169) وفي "مجمع الزوائد": رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات.

    - (4) مستدرك الحاكم: كتاب الإيمان - باب التشديد في ترك الصلاة (1 / 7)، والترمذي: كتاب الإيمان- باب ما جاء في ترك الصلاة (5 / 14).


    ونستكمل بالمرة القادمة إن شاء الله تعالى.....
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (51)

    ونستكمل مع بقية الكلام عن:

    "حُكْمُ تَرْكِ الصَّلاةِ"


    أما الأحاديث المصرحة بوجوب قتله، فهي:
    - 1- عن ابن عباس، عن النبي قال: " عرى الإسلام، وقواعد الدين ثلاثة، عليهنَّ أُسِّسَ الإسلام، من ترك واحدةً منهن، فهو بها كافر، حلال الدم؛ شهادة أن لا إله إلا اللّه، والصلاةُ المكتوبة، وصومُ رمضان " (1). رواه أبو يَعلى بإسناد حسن. وفي رواية أخرى: " من ترك منهنَّ واحدةً باللّه اللّه، فهو كافر، ولا يقبل منه صَرْفٌ، ولا عدلٌ (2)، وقد حل دمه وماله " (3).

    - 2- وعن ابن عمر، أن النبي قال: " أمرْتُ أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأنَّ محمداً رسولُ اللّه اللّه، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللّه عزَّ وجل " (4). رواه البخاري، ومسلم.

    - 3- وعن أم سلمة، أن رسولَ اللّه قال: " إنه يستعملُ عليكم أمراءُ، فتعرفون، وتنكرون، فمن كره، فقد برئ، ومن أنكر، فقد سلم، ولكن من رضي، وتابَع " (5). قالوا: يا رسول اللّه، ألا نقاتلهم ؟ قال: " لا، ما صلوا ". رواه مسلم. جعل المانع من مقاتلة أمراء الجور الصلاة.

    - 4- وعن أبي سعيد، قال: بعث عليّ - وهو على اليمن - إلى النبي بذُهيْبة، فقسمها بين أربعة، فقال رجل: يا رسول اللّه، اتق اللّه. فقال: "ويلك !! أو لست أحقَّ أهل الأرض أن يتقيَ اللّه ؟". ثم ولّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول اللّه، ألا أضربُ عنقه ؟ فقال:" لا، لعله أن يكون يصلي". فقال خالد: وكم من رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال النبي : " إني لم أومر، أن أنقِّبَ عن قلوب الناس، ولا أشقّ بطونهم " (6). مختصر من حديث للبخاري، ومسلم.
    وفي هذا الحديث أيضاً، جعل الصلاة هي المانعة من القتل، ومفهومُ هذا، أن عدم الصلاة يوجب القتل.

    ________________

    - (1) مسند أبي يعلى (4 / 236)، برقم (22)، وقال الهيثمى في "مجمع الزوائد": رواه أبو يعلى بتمامه، ورواه الطبراني في الكبير بلفظ "بني الإسلام على خمس" ولم يذكركلام ابن عباس الموقوف، وإسناده حسن، أما محقق مسند أبي يعلى، فقال: إسناده ضعيف، مؤمل بن إسماعيل سيء الحفظ.

    - (2) "لا يقبل منه صرف، ولا عدل": لا يقبل منه فرض، ولا نفل.

    - (3) الترغيب والترهيب (1 / 382)، وقال: رواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس مرفوعاً، وقال فيه: الحديث، ورواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن بلفظ: " بني الإسلام على خمس... فمن ترك واحدة منهم، كان كافراً حلال الدم "، والدر المنثور (1 / 298).

    - (4) البخاري: كتاب الإيمان - باب: "فإِن تابوا وأقاموا الصلاة* (1 / 13)، ومسلم: كتاب الإيمان - باب الأمر بقتال الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه (1 / 52)، حديث رقم (34).

    - (5) مسلم: كتاب الإمارة - باب وجوب الإنكار على الأمراء، فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك (3 / 1480)، حديث رقم (63).

    - (6) البخاري: كتاب المغازي - باب بعث علي بن أبى طالب عليه السلام وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع (5 / 207)، ومسلم:كتاب الزكاة - باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2 / 742)، ومسند أحمد (3 / 4).



    وللكلام بقية إن كان بالعمر بقية........
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (52)

    ونستكمل مع بقية الكلام عن:

    "حُكْمُ تَرْكِ الصَّلاةِ"



    رأْيُ بعْضِ العلمَاءِ الأحاديث المتقدّمة ظاهرها يقتضي كفر تارك الصلاة، وإباحة دمه، ولكن كثيراً من علماء السَّلف والخلف؛ منهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، على أنه لا يكفر، بل يفسق ويستتاب، فإن لم يتب، قتل حدّاً، عند مالك، والشافعي، وغيرهما.

    وقال أبو حنيفة:لا يقتل، بل يُعزَّر، ويحبس، حتى يصلي. وحملوا أحاديث التكفير على الجاحد، أو المستحل للترك، وعارضوها ببعض النصوص العامة،كقول اللّه تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ " [ النساء: 116]. وكحديث أبي هريرة، عند أحمد، ومسلم، عن رسول اللّه قال:
    " لكل نبى دعوة مُسْتَجَابةٌ، فَتَعَجّلَ كلّ نبيّ دَعْوَتهُ، وإني اختبأتُ دَعوتي؛ شَفاعةً لأمّتي يَوْمَ القِيَامَةِ، فهي نائلة -إن شاءَ اللّه- من ماتَ لا يشْرِكُ باللّه شيئاً " (1).
    وعنه عند البخاري أن رسول اللّه قال:
    "أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا اللّه. خالصاً من قَلْبِه" (2).

    "مناظرةٌ في تاركِ الصَّلاةِ ذكر السبكي في " طبقات الشافعية ":
    أن الشافعي، وأحمد - رضي اللّه عنهما - تناظرا في تارك الصلاة؛ قال الشافعي: يا أحمد، أتقول: إنه يكفر ؟ قال: نعم. قال: إذا كان كافراً، فبم يسلم ؟ قال: يقول: لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه. قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول، لم يتركه. قال: يسلم، بأن يصلي. قال: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم له بالإسلام بها. فسكت الإمام أحمد، رحمهما اللّه تعالى.

    يقول ناقله"يحيى صالح":
    هذه المناظرة بينهما إسنادها ليس بصحيح


    "تحقِيقُ الشوكاني"
    قال الشوكاني: والحق، أنه كافرٌ يُقتل، أما كفره؛ فلأن الأحاديث قد صحت، أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه، هو الصلاة، فتركها مقتضٍ لجواز الإطلاَق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات، التي أوردها المعارضون؛ لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر، غير مانع من المغفرة، واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب، التي سماها الشارع كفراً، فلا مُلجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها.

    _________________

    - (1) مسلم: كتاب الإيمان - باب اختباء النبي دعوة الشفاعة لأمته (1 / 189)، الحديث (338)، والترمذي: كتاب الدعوات - باب فضل لا حول ولا قوة إلا باللّه، حديث رقم (3602)، والذي عند المسند، الجزء الأول منه (2 / 275).

    - (2) البخاري: كتاب العلم - باب الحرص على الحديث (1 / 36)، وفي رواية له أيضاً "من قبل نفسه" كتاب الرقاق - باب صفة الجنة (8 / 146)، والرواية الثانية عند أحمد في "المسند" (2 / 373).


    وبإذن الله تعالى لقاؤنا القادم عن:

    "على مَن تجب الصلاة؟"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (53)

    "على مَن تجب الصلاة؟"


    تجب الصلاة على المسلم، العاقل، البالغ؛ لحديث عائشة، عن النبي قال: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاث (1)؛ عن النائم حتى يستيقظَ، وعن الصبي حتى يحتلم (2)، وعن المجنون حتى يَعْقلَ" (3). رواه أحمد، وأصحاب السنن، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وحسّنه الترمذي.


    "صَلاةُ الصَّبي"

    والصبي، وإن كانت الصلاة غير واجبة عليه، إلا أنه ينبغي لوليه أن يأمره بها، إذا بلغ سبع سنين، ويضربه على تركها، إذا بلغ عشراً؛ ليتمرَّنَ عليها، ويعتادها بعد البلوغ؛ فعن عمرو بن شعَيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه : " مروا أولادَكم بالصلاة، إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها، إذا بلغوا عشراً، وفرّقوا بينهم في المضاجع " (4). رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

    "عدَدُ الفرائضِ"

    الفرائض التي فرضها اللّه تعالى في اليوم والليلة خمس؛ فعن ابن محيريز، أن رجلاً من بني كنانة، يدعى المخدجي، سمع رجلاً بالشام، يدعى أبا محمد، يقول: الوتر واجب. قال: فرحت إلى عبادة بن الصَّامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول اللّه يقول:
    " خمسُ صلوات، كتبهنَّ اللّه على العباد، من أتى بهن، لم يضيع مِنهنَّ شيئاً؛ استخفافاً بحقهنَّ،كانَ لهُ عند اللّه عهد أنْ يدخله الجنة، ومَنْ لم يأت بهنَّ، فليسَ له عند اللّه عَهدٌ؛ إنْ شاء عذَّبه، وإنْ شاء غفر له " (5). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائيُّ، وابن ماجَه، وقال فيه: " ومن جاء بهنَّ، قد انتقص منهنّ شيئاً، استخفافاً بحقهنّ ".

    وعن طلحة بن عبيد اللّه، أن اعرابياً جاء إلى رسول اللّه ، ثائر الشّعر، فقال: يا رسول اللّه، أخبرني ما فرض اللّه عليَّ من الصلوات ؟ فقال: " الصلوات الخمس، إلا أن تطوَّع شيئاً ". فقال: أخبرني ماذا فرض اللّه عليَّ من الصيام ؟ فقال: " شهر رمضان، إلا أن تطوَّع شيئاً ". فقال: أخبرني ماذا فرض اللّه عليَّ من الزكاة ؟ قال: فأخبره رسول اللّه بشرائع الإسلام كلها. فقال: والذي أكرمك، لا أتطوَّع شيئاً، ولا أنقص مما فرض اللّه عليَّ شيئاً. فقال رسول اللّه : " أفلحَ، إن صدق، أو: دخل الجنة، إن صدق " (6). رواه البخاري، ومسلم.

    _______________

    - (1) "رفع القلم" كناية عن عدم التكليف.

    - (2) يحتلم: يبلغ.

    - (3) أبو داود: كتاب الحدود باب في المجنون يسرق أو يصيب حدّاً، برقم (4403)، (4 / 139)، والترمذي: كتاب الحدود عن رسول اللّه باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، برقم (1423)، (4 / 32)، وابن ماجه: كتاب الطلاق - باب طلاق المعتوه، والصغير، والنائم (2 / 658)، برقم (2041)، ومسند أحمد (6 / 100، 101)، ومستدرك الحاكم (2 / 59)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه، والدارمي (2 / 93) كتاب الحدود - باب رفع القلم عن ثلاث.

    - (4) وأبو داود: كتاب الصلاة - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (1 / 334)، برقم (495)، المستدرك (1 / 197)، والفتح الرباني (2 / 237)، برقم (84): كتاب الصلاة.

    - (5) وأبو داود: كتاب الصلاة - باب فيمن لم يوتر (2 / 130، 31)، رقم (1420)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها (1 / 449)، رقم (1401)، مسند أحمد (5 / 315)، والسنن الكبرى للبيهقي (1 / 361): كتاب الصلاة - باب الفرائض الخمس، والنسائي: كتاب الصلاة - باب المحافظة على الصلوات الخمس (1 / 230)، حديث رقم (461).

    - (6) البخاري: كتاب الصوم - باب وجوب صوم رمضان (3 / 31)، ومسلم: كتاب الإيمان - باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (1 / 40، 41).



    وبإذن الله تعالى لقاؤنا القادم مع:

    "مَواقيتُ الصَّلاةِ"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (54)

    "مَواقيتُ الصَّلاةِ"


    للصلاة أوقات محدودة، لابد أن تؤدَّى فيها؛ لقول الله تعالى: " إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً *(1)[ النساء: 103] أى؛ فرضاً مؤكداً، ثابتاً ثبوت الكتاب.
    وقد أشار القرآن إلى هذه الأوقات؛ فقال تعالى: " وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ (2) وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " [ هود:114]. وفي سورة الإسراء: " أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (3) إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً " [الإسراء: 78]. وفي سورة طه: " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى " [طه:130].
    يعني، بالتسبيح قبل طلوع الشمس: صلاة الصبح، وبالتسبيح قبل غروبها: صلاة العصر؛ لما جاء في "الصحيحين"، عن جرير بن عبد اللّه البجلي، قال: كنا جلوساً عند رسول اللّه ، فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: " إنّكُم سترون ربّكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغْلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، فافعلوا". ثم قرأ هذه الآية (4). هذا هو ما أشار إليه القرآن من الأوقات، وأما السّنّة، فقد حددتها، وبينت معالمها، فيما يلي:

    1- عن عبد اللّه بن عمرو، أن رسول اللّه قال: " وقت الظهر، إذا زالت الشمس، وكان ظلّ الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر، ما لم تصفرَّ الشمس، ووقت صلاة المغرب، ما لم يغب الشفق، ووقت العشاء، إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر، وما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، فأمسك عن الصلاة؛ فإنها تطلعُ بين قرنيْ شيطان " (5). رواه مسلم.

    2- وعن جابر بن عبد اللّه، أن النبي جاءه جبريل - عليه السلام - فقال له: قم فصَله. فصلى الظهر، حين زالت الشمسُ، ثم جاءه العصرَ، فقال: قم فصلّه. فصلى العصر، حين صار ظلُّ كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب، فقال: قم فصلّه. فصلى المغرب، حين وجَبت الشمس (6)، ثم جاءه العشاء، فقال: قم فصلِّه. فصلى العشاء، حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر، حين بَرَق الفجر، أو قال: سَطع الفجر، ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصلِّه. فصلى الظهر، حين صار ظلّ كل شيء مثله، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصلِّه. فصلى العصر، حين صار ظلّ كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتاً واحداً، لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء، حين ذهب نصف الليل، أو قال: ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاءه، حين أسفر جدّاً، فقال: قم فصلِّه. فصلى الفجر، ثم قال: "ما بين هذين الوقتين وقت " (7). رواه أحمد، والنسائي، والترمذيّ. وقال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت. يعني، إمامة جبريل.

    ________________

    - (1) "موقوتاً" أي؛ منجماً في أوقات محدودة.

    - (2) قال الحسن: "الصلاة طرفي النهار": الفجر، والعصر، و"زلفاً من الليل" قال: هما زلفتان؛ صلاة المغرب، وصلاة العشاء.

    - (3) "دلوك الشمس" زوالها، أي؛ أقمها لأول وقتها هذا، وفيه صلاة الظهر، منتهياً إلى غسق الليل، وهو ابتداء ظلمته، ويدخل فيه صلاة العصر والعشاءين. و"وقرآن الفجر": أي، وأقم قرآن الفجر: أي؛ صلاة الفجر، و"مشهوداً" تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار.

    - (4) البخاري: كتاب الصلاة - باب فضل صلاة الفجر (1 / 150)، و مسلم: كتاب المساجد - باب فضل صلاتي الصبح والعصر (1 / 439)، حديث رقم (211)، و أبو داود: كتاب السنة - باب في الرؤية (2 / 535).

    - (5) مسلم: كتاب المساجد - باب أوقات الصلوات الخمس (1 / 31)، الحديث رقم (173).

    - (6) "وجبت الشمس" غربت، وسقطت.

    - (7) النسائي: كتاب المواقيت (1 / 263) - باب أول وقت العشاء، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في مواقيت الصلاة (1 / 278، 279، 280)، ومسند أحمد (3 / 330، 331)، والحاكم (1 / 195، 196) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح مشهور، من حديث عبد اللّه بن المبارك، والشيخان لم يخرجاه، والبيهقي: كتاب الصلاة - باب وقت المغرب (1 / 368).


    ونبدأ بالمرة القادمة إن شاء الله تعالى من:

    "وقتُ الظُّهْر"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (55)


    "وقتُ الظُّهْر"

    تبين من الحديثين المتقدمين، أن وقت الظهر يبتدئ من زوال الشمس عن وسط السماء، ويمتد إلى أن يصير ظلّ كل شيء مثله، سوى فيء الزوال، إلا أنه يُستحب تأخير صلاة الظهر عن أول الوقت، عند شدة الحر، حتى لا يذهب الخشوع، والتعجيل في غير ذلك، ودليل هذا:
    - 1- ما رواه أنَس، قال: كان النبيّ إذا اشتد البرد، بكّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر، أبرد بالصلاة (1). رواه البخاري.
    -2- وعن أبي ذر، قال: كنا مع النبيّ في سفر، فأراد المؤذّن أن يؤذّن الظهر، فقال: "أبْرِدْ". ثم أراد أن يؤذن، فقال: "أبْرِدْ". مرتين أو ثلاثاً، حتى رأينا فيء التلول (2)، ثم قال: " إن شدة الحر من فيْح جهنم، فإذا اشتد الحرّ، فأبْرِدُوا بالصلاة " (3). رواه البخاري، ومسلم.

    "غَاية الإِبرَادِ"
    قال الحافظ في "الفتح": واختلف العلماء في غاية الإبراد؛ فقيل: حتى يصير الظلّ ذراعاً، بعد ظلّ الزوال. وقيل: ربع قامة. وقيل: ثلثها. وقيل: نصفها. وقيل غير ذلك. والجاري على القواعد، أنه يختلف باختلاف الأحوال، ولكن بشرط ألا يمتد إلى آخر الوقت.


    "وقتُ صَلاةِ العَصْرِ"

    وقت صلاة العصر يدخل بصيرورة ظل الشيء مثله، بعد فيء الزوال، ويمتد إلى غروب الشمس؛ فعن أبي هريرة، أن النبيّ قال: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" (4). رواه الجماعة، ورواه البيهقي، بلفظ: " من صلى من العصر ركعة، قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما تبقى بعد غروب الشمس، لم يفته العصر " (5).
    لعمل جميعه. وترك معين، في يوم معين، فهذا يحبط عمل اليوم.

    وقتُ الاختيار ِ، ووقتُ الكراهَةِ وينتهي وقت الفضيلة والاختيار، باصفرار الشمس، وعلى هذا يحمل حديث جابر، وحديث عبد اللّه بن عمر المتقدمان.
    وأما تأخير الصلاة إلى ما بعد الاصفرار، فهو، وإن كان جائزاً، إلا أنه مكروه إذا كان لغير عذر؛ فعن أنَس، قال: سمعت رسول اللّه يقول: " تلك صلاةُ المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام، فنقرَها أربعاً، لا يذكر اللّه إلا قليلاً " (6). رواه الجماعة، إلا البخاري، وابن ماجه.
    قال النووي في "شرح مسلم": قال أصحابنا: للعصر خمسة أوقات:
    - (1) وقت فضيلة
    - (2) واختيار
    - (3) وجواز بلا كراهة
    - (4) وجواز مع كراهة
    - (5) ووقت عذر
    - فأما وقت الفضيلة، فأول وقتها، ووقت الاختيار، يمتد إلى أن يصير ظلّ الشيء مثليه، ووقت الجواز إلى الاصفرار، ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار إلى الغروب، ووقت العذر، وهو وقت الظهر، في حق من يجمع بين العصر والظهر؛ لسفر أو مطر، ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء، فإذا فاتت كلها، بغروب الشمس، صارت قضاء.

    "تأكيدُ تعجيلِهَا في يوم الغَيْم"
    عن بُريدة الأسلمي، قال: كنا مع رسول اللّه في غزوة، فقال: " بكّروا بالصلاة في اليوم الغيم؛ فإن من فاتته صلاة العصر، فقد حبط عمله " (7). رواه أحمد، وابن ماجه.
    قال ابن القيم: الترك نوعان: ترك كليّ، لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العمل جميعه. وترك معين، في يوم معين، فهذا يحبط عمل اليوم.

    صلاةُ العصْرِ، هي صَلاةُ الوسْطَى قال اللّه تعالى:"حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" [البقرة: 238] وقد جاءت الأحاديث الصحيحة مصّرحة، بأن صلاة العصر هي الصلاةَُ الوسطى:
    - 1- فعن عليّ - رضي اللّه عنه - أن النبي قال يوم الأحزاب: " ملأ اللّه قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى، حتى غابت الشمس " (8). رواه البخاري، ومسلم. ولمسلم، وأحمد، وأبي داود: " شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر " (9).
    - 2- وعن ابن مسعود، قال: حبس المشركون رسول اللّه عن صلاة العصر، حتى احمرت الشمس، واصفرَّت، فقال رسول اللّه : " شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ اللّه أجوافهم وقبورهم ناراً " (10). أو: " حشا أجوافهم وقبورهم ناراً ". رواه أحمد، ومسلم، وابن ماجه.

    ______________

    - (1) البخاري: كتاب الجمعة - باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة (2 / 8).

    - (2) "الفيء": الظل الذي بعد الزوال. "التلول" جمع تل: ما اجتمع على الأرض، من تراب أو نحو ذلك.

    - (3) البخاري: كتاب الجمعة - باب الإبراد بالظهر في السفر (1 / 242، 143)، و مسلم: كتاب المساجد - باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، لمن يمضي إلى جماعة، وينال الحر في طريقه (1 / 431)، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر (1 / 297، 298)، الحديث رقم (158).

    - (4) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة - باب من أدرك من الفجر ركعة (1 / 151)، ومسلم: كتاب المساجد - باب من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك تلك الصلاة (1 / 424)، رقم (163)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب في وقت صلاة العصر (1 / 288)، رقم (412)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب من أدرك ركعتين من العصر (1 / 257)، والترمذي (1 / 353)، ومسند أحمد (2 / 462) وموارد الظمآن حديث رقم (283) ص (93)، والبيهقي (1 / 368).

    - (5) البيهقي (1 / 367)، ومسند أبي عوانة (1 / 358)، ونصب الراية (1 / 228)، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (3 / 21)، رقم (1482).

    - (6) مسلم: كتاب المساجد - باب استحباب التبكير بالعصر (1 / 434)، رقم (195)، وأبو داود: كتاب الصلاة باب في وقت صلاة العصر (1 / 289)، رقم (413)، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في تعجيل العصر (1 / 301)، رقم (160)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب التشديد في تأخير العصر (1 / 254)، رقم (511).

    - (7) البخاري: كتاب الصلاة باب من ترك العصر (1 /145)، وباب التبكير بالصلاة في اليوم الغيم (1 / 154).

    - (8) البخاري: كتاب الجهاد - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (4 / 52)، ومسلم: كتاب المساجد - باب التغليظ في تفويت صلاة العصر (1 / 436)، الحديث رقم (202)، وابن ماجه: كتاب الصلاة - باب المحافظة على صلاة العصر (1 / 224)، الحديث رقم (684).

    - (9) مسلم: كتاب المساجد - باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (1 / 437)، رقم (205)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب في وقت صلاة العصر (1 / 287)، رقم (409)، ومسند أحمد (1 / 456).

    _ (10) مسلم: كتاب المساجد - باب الدليل لمن قال: إن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (1 / 437)، الحديث رقم (205)، ومسند أحمد (1 / 126).


    والبدء بالمرة القادمة إن شاء الله من:

    "وقتُ صَلاةِ المغْرب"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (56)

    "وقتُ صَلاةِ المغْرب"


    يدخل وقت صلاة المغرب، إذا غابت الشمس، وتوارت بالحجاب، ويمتد إلى مغيب الشفق الأحمر؛ لحديث عبد اللّه بن عمرو، أن النبى قال: " وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق " (1). رواه مسلم. وروي أيضاً، عن أبي موسى، أن سائلاً سأل رسول اللّه عن مواقيت الصلاة، فذكر الحديث، وفيه، فأمره، فأقام المغرب، حين وجبت الشمس، فلما كان اليوم الثاني. قال: ثم أخّر، حتى كان عند سقوط الشفق (2)، ثم قال: " الوقت ما بين هذين " (3).

    قال النووي في "شرح مسلم":
    وذهب المحققون من أصحابنا، إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها، ما لم يغب الشفق، وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك، ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت. وهذا هو الصحيح، أو الصواب الذي لا يجوز غيره.
    وأما ما تقدم في حديث إمامة جبريل، أنه صلى المغرب في اليومين، في وقت واحد، حين غربت الشمس، فهو يدل على استحباب التعجيل بصلاة المغرب، وقد جاءت الأحاديث مصرحة بذلك؛

    - 1- فعن السائب بن يزيد، أن رسول اللّه قال: " لا تزال أمّتى على الفطرة، ما صلّوا المغرب قبل طلوع النجوم " (4). رواه أحمد، والطبراني.

    - 2- وفي "المسند"، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول اللّه : " صلوا المغرب لفطر الصائم، وبادروا طلوع النجوم " (5).

    - 3- وفي "صحيح مسلم "، عن رافع بن خديج: كنا نصلي المغرب مع رسول اللّه ، فينصرف أحدنا، وإنه ليبصر مواقع نَبْله (6).

    - 4ـ وفيه، عن سلمة بن الأكوع، أن رسول اللّه كان يصلي المغرب، إذا غربت الشمس، وتوارت بالحجاب (7).

    ________________

    - (1) مسلم: كتاب المساجد - باب أوقات الصلوات الخمس (1 / 427، 428)، الحديث رقم (174).

    - (2) الشفق،كما في القاموس: هو الحمرة في الأفق من الغروب إلى العشاء، أو إلى قربها، أو إلى قريب العتمة.

    - (3) مسلم: كتاب المساجد - باب أوقات الصلوات الخمس (1 / 429)، الحديث رقم (178).

    - (4) مسند أحمد (3 / 249)، وفي "الزوائد": رواه أحمد، والطبرانى في: الكبير، ورجاله موثقون (1 / 315).

    - (5) مسند أحمد (5 / 421)، وفي "الزوائد": رواه أحمد، ولفظه عند الطبراني: "صلوا صلاة المغرب، مع سقوط الشمس". (1 / 315).

    - (6) البخاري: كتاب الصلاة - باب وقت المغرب (1 / 147)، ومسلم: كتاب المساجد - باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس (1 / 441)، الحديث رقم (217).

    - (7) البخاري: كتاب الصلاة - باب وقت المغرب (1 / 147)، ومسلم: كتاب المساجد - باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس (1 / 441)، الحديث رقم (216).


    وبالمرة القادمة إن شاء الله تعالى مع:

    "وقتُ العشَاءِ"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (57)

    "وقتُ العشَاءِ"

    يدخل وقت صلاة العشاء، بمغيب الشفق الأحمر،ويمتد إلى نصف الليل؛ فعن عائشة، قالت: كانوا يصلون العتمة (1)، فيما بين أن يغيب الشفق، إلى ثلث الليل الأول (2). رواه البخاري.
    وعن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه : " لولا أن أشقَّ عَلى أمتي، لأمَرْتُهُم أنْ يُؤخّرُوا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه " (3). رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
    وعن أبي سعيد، قال: انتظرنا رسول اللّه ليلةً بصلاة العشاء، حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فجاء، فصلى بنا، ثم قال: " خذوا مقاعدكم؛ فإن الناس قد أخذوا مضجعهم، وإنكم لن تزالوا في صلاة، منذ انتظرتموها، لولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، وحاجة ذي الحاجة، لأخرّت هذه الصلاة إلى شطر الليل " (4). رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وابن خزيمة، وإسناده صحيح.

    هذا وقت الاختيار، وأما وقت الجواز والاضطرار، فهو ممتد إلى الفجر؛ لحديث أبي قتادة، قال: قال رسول اللّه : " أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة، حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى " (5). رواه مسلم.

    والحديث المتقدم في المواقيت يدل على أن وقت كل صلاة ممتد، إلى دخول وقت الصلاة الأخرى، إلا صلاة الفجر؛ فإنها لا تمتد إلى الظهر، فإن العلماء أجمعوا، أن وقتها ينتهي بطلوع الشمس.

    ________________

    - (1) "العتمة": العشاء.

    - (2) البخاري: كتاب الأذان - باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس (1 / 219).

    - (3) الترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الأخيرة (1 / 310، 311)، برقم (167)، وابن ماجه: كتاب الصلاة - باب وقت صلاة العشاء (1 / 226)، برقم (691)، والفتح الرباني (2 / 274)، برقم (150).

    - (4) أبو داود: كتاب الصلاة - باب في وقت العشاء الآخرة (1 / 293)، برقم (422)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب آخر وقت العشاء (1 / 268)، برقم (538)، وابن ماجه: كتاب الصلاة - باب وقت صلاة العشاء (1 / 226)، برقم (693)، والفتح الرباني (2 / 275)، برقم (154) كتاب الصلاة، وصحيح ابن خزيمة (1 / 78)، برقم (345).

    - (5) مسلم: كتاب المساجد - باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها (1 / 473)، رقم (311).

    ونستكمل بالمرة القادمة إن شاء الله تعالى ...
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد


    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (58)

    واليوم مع استكمال الكلام عن:

    "وقتُ العشَاءِ"


    استحبابُ تأخير ِصَلاةِ العشاءِ عن أوّلِ وقتِهَا والأفضل تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقتها المختار، وهو نصف الليل؛ لحديث عائشة، قالت: أعتم (1) النبي ذات ليلة، حتى ذهب عامّةُ الليل، حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: " إنه لوقْتُها، لولا أن أشقَّ عَلى أمّتي " (2). رواه مسلم، والنسائي.

    وقد تقدم حديث أبي هريرة، وحديث أبي سعيد، وهما في معنى حديث عائشة، وكلها تدل على استحباب التأخير وأفضليته، وأن النبي ترك المواظبة عليه؛ لما فيه من المشقة على المصلِّين.

    وقد كان النبي يلاحظ أحوال المؤتمّين، فأحياناً يُعجّل، وأحياناً يؤخّر؛ فعن جابر، قال: كان رسول اللّه يصلي الظهر بالهاجرة (3) والعصرَ، والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت الشمس، والعشاء؛ أحياناً يؤخّرها، وأحياناً يعجل، إذا رآهم اجتمعوا، عجل، وإذا رآهم أبطئوا، أخّر، والصبح كانوا - أو -كان النبي يصلّيها بغلس (4) (5). رواه البخاري، ومسلم.


    "النوم قبلها، والحديث بعدها"

    يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها؛ لحديث أبي بَرْزة الأسلمي، أن النبي كان يستحب أن يؤخّر العشاء، التي تدعونها العتمةَ، وكان يكره النّوم قبلها، والحديث بعدها (6). رواه الجماعة. وعن ابن مسعود، قال: جدبَ لنا رسول اللّه السمَر بعد العشاء. (7) رواه ابن ماجه. قال: جدب؛ يعني زجرنا، ونهانا عنه.
    وعلة كراهة النوم قبلها، والحديث بعدها، أن النوم قد يفوت على النائم الصلاة في الوقت المستحب، أو صلاة الجماعة، كما أن السّمَر بعدها يؤدي إلى السهر، المضيع لكثير من الفوائد، فإن أراد النوم، وكان معه من يوقظه، أو تحدث بخير، فلا كراهة حينئذ.
    فعن ابن عمر، قال: كان رسول اللّه يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك، في أمر من أمور المسلمين، وأنا معه (8). رواه أحمد، والترمذي وحسنه.
    وعن ابن عباس، قال: رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول اللّه عندها؛ لأنظر كيف صلاة رسول اللّه بالليل، فتحدث النبي مع أهله ساعة، ثم رقد (9). رواه مسلم.

    _______________

    - (1) "أعتم" أي؛ أخر صلاة العشاء. و"عامة الليل" أي؛ كثير منه، وليس المراد أكثره، بدليل قوله: "إنه لوقتها". قال النووي: ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول، إلى ما بعد نصف الليل؛ لأنه لم يقل أحد من العلماء: إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل.

    - (2) مسلم: كتاب المساجد - باب وقت العشاء وتأخيرها (1 / 442)، الحديث رقم (219)، والنسائي: كتاب المواقيت، باب آخر وقت العشاء (1 / 267)، الحديث رقم (535).

    - (3) "الهاجرة" شدة الحر نصف النهار، عقب الزوال.

    - (4) "الغلس": ظلمة آخر الليل.

    - (5) البخاري: كتاب الصلاة - باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا (1 / 148)، ومسلم: كتاب المساجد باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها (1 / 446، 447)، الحديث رقم (233).


    - (6) البخاري: كتاب الصلاة - باب ما يكره من النوم قبل العشاء (1 / 149)، ومسلم: كتاب المساجد باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها (1 / 447)، برقم (237)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب (1 / 262)، برقم (525)، وابن ماجه: كتاب الصلاة - باب النهي عن النوم قبل صلاة العشاء، وعن الحديث بعدها (1 / 229)، برقم (701)، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء، والسمر بعدها (1 / 312، 313)، برقم (168)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب في وقت صلاة النبي (1 / 281، 282)، برقم (398).

    - (7) ابن ماجه: كتاب الصلاة - باب النهي عن النوم قبل صلاة العشاء، وعن الحديث بعدها (1 / 230)، رقم (703)، وفي "الزوائد": هذا إسناد رجاله ثقات، ولا أعلم له علة، إلا اختلاف عطاء بن السائب، ومحمد بن الفضل إنما روى عنه بعد الاختلاط، ومسند أحمد (1 / 410).

    - (8) الترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في الرخصة في السهر بعد العشاء (1 / 315)، و مسند أحمد (1 / 26).

    - (9) مسلم: كتاب صلاة المسافرين - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1 / 530)، رقم (190).


    وبالمرة القادمة إن شاء الله تعالى الكلام عن:

    "وقتُ صَلاةِ الصُّبحِ"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره ....للقراءة ---------متجدد

    "فقه السنة" محقق للشيخ الألباني وغيره

    (59)

    "وقتُ صَلاةِ الصُّبحِ"


    يبتدئ الصبح من طلوع الفجر الصادق، ويستمر إلى طلوع الشمس، كما تقدم في الحديث.

    "استحبابُ المبادرةِ بها"

    يستحب المبادرة بصلاة الصبح، بأن تصلى في أول وقتها؛ لحديث أبي مسعود الأنصاري، أن رسول اللّه صلى صلاة الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى، فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس، حتى مات، ولم يَعُد أن يُسفر (1). رواه أبو داود والبيهقي، وسنده صحيح.
    وعن عائشة، قالت: كن نساء المؤمنات يَشْهدن مع النبي صلاة الفجر، مُتَلفِّعات بمروطهنّ (2)، ينقلبن إلى بيوتهن، حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس (3). رواه الجماعة.
    وأما حديث رافع بن خديج، أن النبي قال: " أصبحوا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجوركم ". وفي رواية: " أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر " (4). رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وابن حبّان، فإنه أريد به الإسفار بالخروج منها، لا الدخول فيها، أي؛ أطيلوا القراءة فيها، حتى تخرجوا منها مسفرين، كما كان يفعله رسول اللّه ؛ فإنه كان يقرأ فيها الستين آية، إلى المائة آية، أوأريد به تحقق طلوع الفجر، فلا يصلي مع غلبة الظن.


    "إدراك ركْعَةٍ من الوقتِ"

    من أدرك ركعة من الصلاة، قبل خروج الوقت، فقد أدرك الصلاة؛ لحديث أبي هريرة، أن رسول اللّه قال: " من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة " (5). رواه الجماعة.
    وهذا يشمل جميع الصلوات، وللبخاري: " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر، قبل أن تغرب الشمس، فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح، قبل أن تطلع الشمس، فليتم صلاته " (6). والمراد بالسجدة الركعة، وظاهر الأحاديث، أن من أدرك الركعة من صلاة الفجر أو العصر، لا تكره الصلاة في حقه، عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وإن كانا وقتي كراهة، وأن الصلاة تقع أداء، بإدراك ركعة كاملة، وإن كان لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت.

    _________________

    - (1) أبو داود: كتاب الصلاة - باب ما جاء في المواقيت (1 / 278، 279)، برقم (394)، و البيهقي (1 / 364)

    - (2) "متلفعات بمروطهن": ملتحفات بأكسيتهن.

    - (3) البخاري: كتاب الصلاة - باب وقت الفجر (1 / 151)، ومسلم: كتاب المساجد - باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها (1 / 446)، برقم (231)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب في وقت الصبح (1 / 293)، برقم (423)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب التغليس في الحضر (1 / 271)، برقم (546)، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في التغليس بالفجر (1 / 287، 288)، برقم (153)، وابن ماجه: كتاب الصلاة - باب وقت صلاة الفجر (1 / 220)، وموطأ مالك (1 / 20).

    - (4) أبو داود: كتاب الصلاة - باب فى وقت الصبح (1 / 294)، برقم (424)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب الإسفار (1 / 272)، برقم (549)، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء في الإسفار بالفجر (1 / 289)، برقم (154)، وابن ماجه: كتاب الصلاة - باب وقت صلاة الفجر (1 / 221)، برقم (672)، وموارد الظمآن، برقم (263، 264) ص (89 )، والفتح الرباني (2 / 279)، برقم (164).

    - (5) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة - باب من أدرك من الصلاة ركعة (1 / 151)، ومسلم: كتاب المساجد - باب من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك تلك الصلاة (1 / 423)، برقم (161)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب من أدرك من الجمعة ركعة (1 / 669)، برقم (1121)، والنسائي: كتاب المواقيت - باب من أدرك ركعة من الصلاة (1 / 274)، برقم (554)، والترمذي: أبواب الصلاة - باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة (2 / 402، 103)، برقم (524)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة (1 / 356)، برقم (1122).

    - (6) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة - باب من أدرك من العصر ركعة (1 / 146).


    ونبدأ بالمرة القادمة إن شاء الله من :

    "النوم عن الصلاة أو نسيانها"
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •