السؤال

ما صحة القاعدة كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي ؟
نص الجواب


موضوعات ذات صلة



الحمد لله
أولًا :
سبق في جواب السؤال رقم : (124838) ، أن المعجزة هي الآية الخارقة للعادة التي يؤيد الله بها أنبياءه ورسله ، ويتحدون بها الناس .
أما الكرامة فهي شيء خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد أحد أوليائه .
وهناك فروق كثيرة بين المعجزة والكرامة ، منها :
1 - أن المعجزة مبنية على الإظهار والاشتهار ، وأن صاحبها (وهو النبي) مأمور بإظهارها ، بينما الكرامة مبناها على الكتم والستر ، وصاحبها (وهو الولي) مأمور بكتمانها .
2- المعجزة تكون مقرونة بالتحدي وبدعوى النبوة ، أما الكرامة فغير مقرونة بالتحدي ، ولا بدعوى فضيلة ولا منزلة عند الله .
3 - ثمرة المعجزة تعود بالنفع والفائدة على الغير ، والكرامة في الغالـب خاصة بصاحبها .
4- المعجزة تكون بجميع خوارق العادات ، والكرامة تختص ببعضها .
5- المعجزات خاصة بالأنبياء ، والكرامات تكون للأولياء .
6 - الأنبياء يحتجون بمعجزاتهم على المشركين لأن قلوبهم قاسية ، والأولياء يحتجون بالكرامة على نفوسهم حتى تطمئن وتوقن ولا تضطرب .
نقلًا عن رسالة ماجستير بعنوان : " الولاية والكرامة في العقيدة الإسلامية " للباحث محمد خير العمري .
ثانيًا :
هذه العبارة " كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي" : غير صحيحة بإطلاقها؛ فإن معجزات الأنبياء فوق كرامات الأولياء ، وكرامات الأولياء من آيات الأنبياء .
وهذه الجملة مبنية على أن "الأشاعرة لا يُفرّقون بين المعجزة والكرامة إلا بالتحدّي ، ويجعلون كلّ ما خُرق للنبيّ، لا يمتنع أن يكون للولي .
يقول الجويني : " صار بعض أصحابنا إلى أنّ ما وقع معجزة لنبيّ، لا يجوز وقوعه كرامة لوليّ ؛ فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر ، وتنقلب العصا ثعباناً ، ويحيي الموتى كرامة لولي ، إلى غير ذلك من آيات الأنبياء.
وهذه الطريقة غير سديدة أيضاً. والمرضي عندنا : تجويز جملة خوارق العوائد، في معارض الكرامات " انتهى من "الإرشاد" للجويني (ص 317).
وقال أيضاً : "فإن قيل : ما دليلكم على تجويزها؟ قلنا : ما من أمر يخرق العوائد ، إلا وهو مقدور للربّ تعالى ابتداءً ، ولا يمتنع وقوع شيء لتقبيح عقل، لما مهّدناه فيما سبق ، وليس في وقوع الكرامة ما يقدح في المعجزة ؛ فإنّ المعجزة لا تدلّ لعينها ، وإنّما تدلّ لتعلّقها بدعوى النبيّ الرسالة ، ونزولها منزلة التصديق بالقول.....".
ثمّ قال : "فإن قيل : فما الفرق بين الكرامة والمعجزة؟ قلنا : لا يفترقان في جواز العقل ، إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوة" . "السابق" (ص 317-318).
وقال الباقلاني : "ولذلك أيضاً أجزنا فعل أمثالها [أي المعجزات] ، وما هو من جنس كثير منها ، على أيدي الأولياء والصالحين ، على وجه الكرامة لهم" ، انتهى من "البيان" للباقلاني (ص 48).
والفرق عنده : أنّ المعجزة لا تكون ، حتى يُتحدّى بها.
وهذه فروق ضعيفة بين المعجزة والكرامة.
انظر : "النبوات" لابن تيمية ، تحقيق : الطويل ، هامش (2/ 801) .
ثانيًا :
والفرق الصحيح بين المعجزات والكرامات ، أن يقال : أما " كرامات الأولياء : فهي أيضاً من آيات الأنبياء ؛ فإنّها إنّما تكون لمن يشهد لهم بالرسالة ، فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوّة.
وأيضاً : فإنّ كرامات الأولياء معتادةٌ من الصالحين ، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك ؛ فانشقاق القمر ، والإتيان بالقرآن ، وانقلاب العصا حيّة ، وخروج الدابة من صخرة ، لم يكن مثله للأولياء ؛ وكذلك خلق الطير من الطين ، ولكنّ آياتِهم صغارٌ ، وكبارٌ ؛ كما قال الله تعالى : (فَأَرَاهُ الآيَةَ الكُبْرَى) ؛ فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة ، وقال عن نبيّه محمّد : (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى) ، فالآيات الكبرى مختصة بهم.
وأما الآيات الصغرى : فقد تكون للصالحين ؛ مثل تكثير الطعام ، فهذا قد وجد لغير واحدٍ من الصالحين ، لكن لم يوجد كما وجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه أطعم الجيش من شيء يسير. فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم ، لكن لا يماثلون في قدره ؛ فهم مختصون إمّا بجنس الآيات فلا يكون لمثلهم ؛ كالإتيان بالقرآن ، وانشقاق القمر ، وقلب العصا حية ، وانفلاق البحر ، وأن يخلق من الطين كهيئة الطير ؛ وإمّا بقدرها ، وكيفيتها ؛ كنار الخليل ؛ فإنّ أبا مسلم الخولاني ، وغيره صارت النار عليهم برداً وسلاماً ، لكن لم تكن مثل نار إبراهيم في عظمتها كما وصفوها ، فهو مشاركٌ للخليل في جنس الآية ؛ كما هو مشارك في جنس الإيمان محبة الله وتوحيده. ومعلومٌ أنّ الذي امتاز به الخليل من هذا ، لا يماثله فيه أبو مسلم ، وأمثاله.
وكذلك الطيران في الهواء ؛ فإنّ الجن لا تزال تحمل ناساً ، وتطير بهم من مكان إلى مكان ؛ كالعفريت الذي قال لسليمان : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ، لكن قول الذي عنده علم من الكتاب : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ : لا يقدر عليه العفريت.
ومسرى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليريه الله من آياته الكبرى : أمرٌ اختص به ، بخلاف من يُحمل من مكان إلى مكان ، لا ليريه الله من آياته الكبرى ، أمرٌ اختصّ به ، ولا يعرج إلى السماء" انتهى من"النبوات" لابن تيمية : (2/ 802 - 804).
وقال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي رحمه الله: " اعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعًا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء، بضرورة أو شبه ضرورة، فمنها : حصول إنسان من غير أبوين ، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا ، وأمثال هذا كثير ..
وظهور الكرامة لا تدل على أفضلية صاحبها ، وإنما تدل على صدقه وفضله ، وقد تكون لقوة يقين صاحبها ، وإنما الأفضلية بقوة اليقين ، وكمال المعرفة " ، انتهى من "سبل الهدى والرشاد" (10/237-238) بتصرف.
وقال الشيخ "بكر أبو زيد" في "معجم المناهي اللفظية" (450) عن هذه العبارة : " هذه من عبارات الصوفية ، وللشامي في السيرة (سبل الهدى والرشاد) تقرير نفيس بإبطالها ، وأن الصحيح عكسها . والله أعلم " انتهى.
والله أعلم.


https://islamqa.info/ar/answers/3226...88%D9%84%D9%8A