رسالة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى أهل الحوطة
يذكرهم بنعمة الإسلام بسبب الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله
.بسم الله الرحمن الرحيم من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الإخوان من أهل الحوطة، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
اعلموا أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، ولا يكفي أحدهما عن الآخر، في النجاة والسلامة، من الوعيد الدنيوي والأخروي.
وقد من الله عليكم بدين الإسلام، واختصكم به دون كثير من الأنام،
لما أتاح الله لكم شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى،
فدعا إلى ما دعت إليه الرسل، من معرفة الله وخشيته وعبادته وحده لا شريك له، والقيام بالأركان الإسلامية، والأصول الإيمانية.
فأعز الله بذلك من قبله ونصره، ورفع قدرهم وشأنهم، وجعلهم ملوكا، تهابهم الأمم، وينقاد لأمرهم جمهور العرب، باديتهم وحاضرتهم؛ ولم يزالوا كذلك قاهرين ظاهرين،
حتى حدث ما حدث، ووقع ما وقع من الإعراض، والقسوة، والتمادي على معاصي الله.
فسلط الله عليهم العدو، وافترقت الكلمة، وانخرم النظام،
وعثا الفجرة اللئام، في دماء أهل الإسلام وأموالهم، وكثر الخوض، ونسي العلم،
والتبس أمر التوحيد والإيمان على كثير من الخلق،
وصارت فتنة عمياء صماء، لا يبصر صاحبها ولا يسمع،
وما زال غمامها لم ينقشع، وليلها يحلو لك ولا يدبر، وأبناؤها بساحتكم تحاول إطفاء نور الله.
فسارعوا وبادروا إلى التوبة والإقلاع والندم والاستغفار،
وتعاونوا على البر والتقوى، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [سورة الأعراف آية: 170] .
فراجعوا دينكم قبل أن يحل من أمر الله ما لا تدفعون، وينْزل من بأسه ما لاتردون {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104] .
ويجب على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يعينهم بحسب طاقته، بيده أو بلسانه؛
وهذا من أسباب بقاء التوحيد فيكم والإسلام، وحمايتكم دياركم عن عباد الأوثان والأصنام،
وحفظ ما خولكم الله من سوابغ الفضل والإنعام،
وكثير من الناس يحصل منهم أسباب، ووسائل وذرائع، إلى زوال النعم؛ وحلول السخط والنقم
.منها
: التهاون بنعمة الإسلام والتوحيد، واختلاف القلوب،
والعدواة الظاهرة، وترك نصرة الإسلام والتوجع لمصابه،
والإقبال على الدنيا، ونسيان الآخرة،
والاستخفاف بالأركان الإسلامية،
كإضاعة الصلاة، ومنع الزكاة، وأخذها بغير حقها، وترك السمع والطاعة لولي الأمر، من الأمراء والعلماء.
فهذه أسباب وعلامات على نزول العقوبة، وحلول النقمة، وانتقال النعمة، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [سورة الإسراء آية: 16] .
وبلادكم ليست على الحال الأولى في مبدإ الإسلام وبعده،
والعاقل يعرف ذلك في نفسه، وأهل بلده.
وقد ذم الله تعالى من قست قلوبهم، ولم يتضرعوا عند حلول بأسه وانتقامه، فقال تعالى:: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام آية: 43] .
وذم تعالى من ليس فيهم بقية ينهون عن الفساد في الأرض، ويأخذون على أيدي السفهاء،
فقال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [سورة هود آية: 116] .
يخبر تعالى أنهم اتبعوا الشهوات، وآثروا اللذات، فكانوا من جملة المجرمين.وقال تعالى:: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُم ْ إِلَى حِينٍ} [سورة يونس آية: 98] .
فدلت هذه الآية على أن الإيمان والعمل الصالح يكشف العذاب عند نزوله، ويمنع به المؤمن حينا من الدهر.
وقد أمدكم الله بنعمه، وعمر بلدكم ومساكنكم بالإسلام، والسمع والطاعة،
فاحذروا الرجوع على أعقابكم،
وتبديل النعمة، قال تعالى:: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة البقرة آية: 211] .وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم ْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} إلى قوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سورة سبأ آية: 15 –19] .
فتدبروا ما في هذه الآيات الكريمات، التي هي من أوضح الواضحات، وأبين الحجج والبينات،
وتفطنوا فيما ذكر من الإعراض عن الشكر، وما اقتضاه من العقوبة والعذاب،
وفقنا الله وإياكم لتدبر القول وحسن العمل والختام، وصلى الله على محمد
[الدرر السنية فى الاجوبة النجدية -ج -14 - ص184].