تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفي الناس بعهد وميثاق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفي الناس بعهد وميثاق

    رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفي الناس بعهد وميثاق


    عبد الحميد عمرو



    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفى الناس بعهد وميثاق، سعد بوفائه وأمانته البعيد والقريب، والعدو والخصم الألد قبل الحبيب، لم يتخلف وفاؤه صلى الله عليه وسلم حتى لأعدائه, الذين جهدوا في إطفاء دعوته, وكادوا له ولصحابته؛ فأرغمهم على الاعتراف بفضله وهم في أوج عداوته، يقول مكرز لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما عُرِفتَ بالغدر صغيرا ولا كبيرا، ولكن عرفت بالبر والوفا».

    روى ابن سعد في الطبقات وحسنه ابن حجر من حديث عثمان بن طلحة رضي الله عنه وكان حاجب البيت، قال: كنا في الجاهلية نفتح الكعبة يوم الاثنين والخميس؛ فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة مع الناس؛ فأغلظت عليه ونلت منه، فحلم عني صلى الله عليه وسلم، ثم قال لي: «يا عثمان لعلك ترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت»؛ فقال عثمان: لقد هلكت قريش يومئذ وذلت؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بل عمرت قريش يومئذ وعزت».

    فتح مكة

    وتدور الأيام ويفتح الله -عزوجل- على نبيه مكة وينزل بها، فلما اطمأن الناس خرج فطاف بالبيت، ثم دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة، فصلى ركعتين ثم جلس، فقال له عمه العباس وعلي بن أبي طالب -رضى الله عنهما-: اجمع لنا الحجابة مع السقاية؛ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفق ينظر في وجوه القوم، ثم قال: «أين عثمان بن طلحة»؛ فجيء به، فقال: «هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء»، وفي رواية أنه لما ولَّى عثمان دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له: «ألم يكن الذي قلت لك؟»، يذكره باليوم الذي أغلظ عليه فيه وبقوله صلى الله عليه وسلم : «يا عثمانُ، لعلَّك سترى هذا المفتاحَ يومًا بيدي أضعُه حيث شئت»؛ فقال له عثمان: بلى بأبي أنت وأمي، وأشهد أنك رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم».

    هل يغدر محمد صلى الله عليه وسلم ؟

    وفي قصة هرقل حين قال لأبي سفيان، وكان يومئذ مشركاً عدوا لرسول الله: هل يغدر محمد؟ فلم يستطع أبو سفيان أن يخفي شمس وفائه صلى الله عليه وسلم ، فقال: لا، فقال هرقل: وكذلك الرسل لا تغدر، وأنى له صلى الله عليه وسلم أن يغدر وقد شنع على الغادرين، وذم الخائنين، وبين أن الغدر والخيانة من صفات المنافقين؟!؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال صلى الله عليه وسلم : «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصا، وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».

    بيان صدقه ووفائه صلى الله عليه وسلم

    كان صلى الله عليه وسلم أوفى الناس إذا نظر الناظر في وجهه، تبين صدقه، ووفاءه، وأمانته، وكم من أناس أُعطوا الفراسة، ورُزقوا نقاء السريرة، فلا ينظرون إلى وجوه الناس إلا تبين لهم الصادق من الكاذب، وتميز الأمين من الخائن، ثبت في السنن من حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما نظرت في وجهه، أُلقى في قلبي الإسلام، فقلت يا رسول الله: إني لا أرجع إلى قريش أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرُدَ -يعني الرسل- ولكن ارجع؛ فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع إلينا»، قال: فأتيت قريشاً فأبلغتهم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتشهدت وأسلمت.

    وفاؤه صلى الله عليه وسلم لهوازن

    وقد وفَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهوازن، ورد عليهم أموالهم وأسراهم وسباياهم، وفاءً لرضعات كانت بينه وبين بعضهم؛ ففي يوم حنين، سبى أصحابه السبايا، والذراري، والأموال، من هوازن وثقيف؛ فجاءه وفد هوازن متأخرا، يقولون له: يا رسول الله، إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك، فلو أنا أرضعنا للحارث، أو النعمان لرجونا عطفهم وعائدتهم وأنت خير المكفولين؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس أصحابه يعلن البر والوفاء يقول: «إن إخوانكم جاؤوا تائبين، وقد رأيت أن أرد إليهم سبيهم؛ فمن أحب أن يطيب لذلك فليفعل، أما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم أيها الوفد»، حينها قال المهاجرون وقد أسرهم مشهد الوفاء: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

    وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأعتقهم جميعاً عن بكرة أبيهم لرضعات كانت بينه وبين بعضهم، وجيء في السبايا بأخته الشيماء؛ فعرفت بنفسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهش لها وبش وبسط ردائه، وجعل يسأل عن حالها، ثم خيرها بين أن تقيم عنده وذاك أحب له، أو ترجع لقومها ويمتعها؛ فاختارت قومها، فوسع صلى الله عليه وسلم في العطاء, ومتعها من الجواري والنعم والشاء, فهو أحق الناس بالوفاء.

    صفتان خسيستان

    الغدر والخيانة صفتان خسيستان ذميمتان,لا يتصف بهما إلا ذليل مهان ضعيف جبان, لا يستطيع مواجهة خصمه في العلن فيغدره في السر والخفاء والكتمان؛ فيجازيه الله يوم القيامة بالفضيحة على رؤوس الخلائق ويركبه الذل والهوان، في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان»، وعند مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لكل غادر لواء عند إسته يوم القيامة يُرفع له على قدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة».

    نكيره صلى الله عليه وسلم على الخائنين

    لقد اشتد نكير رسول الله صلى الله عليه وسلم على من اتصف بالغدر الخيانة, وامتدح أصحابه والقرون الفاضلة من بعده بالوفاء والأمانة، وتخلفت القرون عن فضلهم بسبب انتشار الغدر والخيانة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمران بن حصين صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينُذرون ولا يوُفون، ويظهر فيهم الِسِّمَن»، وفي رواية ابن مسعود عند الشيخين أيضا: «ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ»، وروي البخاري ومسلم في صحيحهما والترمذي، وابن ماجه في سننهما من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن عن رفع الأمانة، فقال: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجَتْهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ أَخَذَ حَصىً فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ؛ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ»، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِما لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيّا أَوْ يَهُودِيّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلاَّ فُلاَناً وَفُلاَناً.

    وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه

    ومن نبع وفائه صلى الله عليه وسلم أنه لم ينس ما قدمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام؛ فعن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر»، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: «إِنَّ آمَنَ النَّاسِ عَلِيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خَلَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقِيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ».

    وفاؤه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته

    ومن نبع وفائه صلى الله عليه وسلم ، وفاؤه للسيدة الفاضلة خديجة -رضي الله عنها- التي واسته بماله وحسبها، ونصرته صلى الله عليه وسلم؛ فما نسي النبي لها ذلك الجميل؛ فعمَّها بوفائه في حياتها وبعد مماتها -رضي الله عنها-؛ فمن وفائه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، أنه كان يكرم صديقات زوجته خديجة -رضي الله عنها- بعد موتها، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ يَقُولُ: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةٍ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةٍ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ».

    الواجب علينا

    الواجب علينا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نفي بالعهود والمواثيق، وأجل تلك العهود عهد الله -تعالى- الذي أخذه علينا أن نؤمن به وحده، ولا نشرك به أحدًا، وأن نفي بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فندافع عن سيرته وسنته، وأن نعمل بشريعته، وأن نعلي رايته صلى الله عليه وسلم لنكون ممَّن سمَّى الله -تعالى- في كتابه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}(الأح زاب: 23).

    صورةً مشرفةً للإسلام

    وواجب علينا أن نكون صورةً مشرفةً للإسلام، وأن نكون أوفياء مع الناس جميعًا، لا فرق في الوفاء بين قريب أو بعيد، صديق أو عدو، مؤمن أو كافر؛ فالأخلاق في الإسلام لا تتلوَّن، وإنما هي ثابتة لا تحابي أحدًا على حساب أحد، وقال -عزَّ مِن قائل-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}(الر عد: 19، 20).
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. افتراضي رد: رسول الله صلى الله عليه وسلم أوفي الناس بعهد وميثاق

    اللهم صلي وسلم على محمد كما صليت على ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم.
    سبحان الله وبحمده

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •