ملخص الرسالة

آراء الإمام ابن حِبَّان الأصولية في صحيحه

جمعًا وتوثيقًا ودراسة

مقدمة البحث:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:فإن طلب العلم من أعظم العبادات، وثوابه يفضل ثواب أكثر القربات، وتنزل على مجالسه السكينة والرحمات، فمن نِعم الله على عبده أن يوفقه لسلوك درب المتعلمين، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
ألا وإنَّ أفضل علم يتشرف المرء بطلبه ومعرفته علم الكتاب والسُّنَّة، فالعالم بهما هو من العلماء حقًّا، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
ولما كان علم أصول الفقه من أجلّ العلوم وأفضلها؛ إذ به يعرف مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم على وفق أسس سليمة صحيحة في الاستنباط - فعلى قواعده تبنى الأحكام الفقهية، فهو للفقه كالأصل للبناء، المعول عليه في الاستدلال والاستنباط، وفهم الدلالات، ومعرفة طرق الترجيح، ودفع التعارض، فلا غنى لطالب العلم عن هذا الفن، فإليه يحتاج الفقيه والمتفقه، وعنه لا يستغني المفسر والمحدِّث؛ ولذلك اتجهت رغبتي للمواصلة في مرحلة الماجستير في هذا التخصص الجليل.وبعد إنهاء السَّنة المنهجية أخذت أبحث في الكتب وأستشير مشايخنا الأعلام بالقسم وأجول ببصري وعقلي، حتى وفقني الله - سبحانه بمنه وكرمه - للوقوف على الآراء الأصولية عند عالِم السُّنَّة في زمانه ألا وهو الإمام العالم المتقن المحقق الحافظ العلامة محمد بن حِبَّان البُسْتي السجستاني - رحمه الله - المتوفي سنة 354 هـ، من خلال صحيحه "صحيح ابن حِبَّان".وفيما يلي بيان لأهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة فيه، والمنهج الذي التزمته فيه، وخطة البحث.
أهمية الموضوع، وأسباب اختياره:
كان سبب اختياري لهذا الموضوع الأمور التالية:
1- إبراز آراء الأئمة المتقدمين في علم أصول الفقه، مما يسهم في دعم الدارسات التاريخية لعلم الأصول.
2- إظهار جهود فقهاء المحدثين الأصولية، وبيان أن لهم آراء أصولية أصيلة بُني عليها فقههم.
3- إظهار شخصية الإمام الحافظ ابن حِبَّان الأصولية الفقهية، فقد اشتهر عنه أنه أحد كبار علماء الحديث، ولكن الجانب الأصولي والفقهي عنده لم يشتهر، ففي إبراز آرائه الأصولية بيان لتلك الشخصية.
4- المكانة العلمية التي يتمتع بها الإمام ابن حِبَّان، فقد جمع الله له علم الحديث، وعلم الفقه، وعلم العربية، ولهذا يقول عنه الذهبي[1]: وابن حِبَّان فمن كبار الأئمة..، وقال عنه أيضًا: هذا مع ما كان عليه من الفقه، والعربية، والفضائل الباهرة، وكثرة التصانيف[2].
5- تقدم عصر الإمام ابن حِبَّان على كثير من علماء الأصول المشتهرين حيث توفي سنة 354 ه، ومن المعلوم أن علم الأصول كغيره من سائر العلوم مر بمراحل متعددة في تطوره، فحياته العلمية قريبة العهد من إمام هذا الفن الإمام الشافعي رحمه الله[3] ووجود كبار علماء المذاهب على اختلافها، لاسيما إذا علمنا أن ابن حِبَّان قد تلقّى عن أكثر من ألفي شيخ، ولهذا يقول الإمام الذهبي معقبًا: كذا فلتكن الهمم[4].
6- محاولة جمع الآراء الأصولية لهذا الإمام الجليل، تسهيلًا على الباحثين، وتقريبًا للطالبين، لعدم وجود كتاب لابن حِبَّان في أصول الفقه.
7- كذلك من الأسباب: صلته العلمية بإمام هذا الفن - الإمام الشافعي - عن طريق مشايخه، فقد روى في صحيحه عن الشافعي، حيث قال: سمعت ابن خزيمة[5] يقول: سمعت المزني[6] يقول: سمعت الشافعي يقول:...، وقال رحمه الله: أخبرني محمد بن المنذر بن سعيد[7]، عن الحسن بن محمد بن الصيّاح الزعفراني[8]، قال: سمعت الشافعي يقول:...، وقال: سمعت موسى بن محمد الديلمي[9] بأنطاكية[10] يقول: سمعت الربيع بن سليمان[11] يقول: سمعت الشافعي يقول[12]:... مما يدلك على تلقيه مِن هؤلاء الأعلام الأصوليين.الدارسات السابقة:بعد البحث وسؤال أهل الاختصاص، لم أجد من تناول الجانب الأصولي عند ابن حِبَّان، وإن كان هناك كتاب للأستاذ الدكتور/ عبد المجيد محمود باسم "معالم فقه ابن حِبَّان" تناوله في بابين، جعل الباب الأول في الأصول التي استند عليها ابن حِبَّان في فقهه، إلا أنها يسيرة جدًّا[13].
مع العلم بأن هناك جوانب علمية أخرى عند هذا الإمام قد تناولها الباحثون على اختلاف تخصصاتهم في مجال الحديث، وقد كان لهذا الجانب القدح المعلى من الدراسات، وكذا في مجال العقيدة.
فوجود هذه الدراسات عن هذا الإمام في فنون شتى يجعل الباحث يسعى لاستخراج ما بقي من كنوز عند هذا الإمام، وخاصة الجوانب التي لم تفرد ببحث علمي كالجانب الأصولي عنده رحمه الله.
منهج البحث:
يتلخص المنهج الذي اتبعته في هذا البحث في النقاط التالية:
أولًا: جمعت المادة العلمية المتعلقة بأبواب الرسالة من مصادرها المعتمدة، وتمَّ توزيعها حسب خطة البحث المرسومة كالآتي:
1- ما يتعلق بدراسة شخصية هذا الإمام، فقمتُ بجمعها من كتب التراجم والطبقات، مستفيدًا مما كتب عنه في البحوث الخاصة.
2- ما يتعلق بالحالة السياسية والعلمية في عصره، قمت بجمعها من كتب التراجم، والطبقات، والتاريخ.
3- ما يتعلق بآرائه الأصولية قمت بجمعها من كتابه: صحيح ابن حِبَّان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وذلك من خلال تعليقاته على الأحاديث التي يوردها.
ثانيًا: اتبعت في دراسة آراء ابن حِبَّان الخطوات التالية:
1) ذكر الآراء الأصولية لابن حِبَّان من خلال صحيحه حسب أبواب أصول الفقه - وفصوله - وضم النظير إلى نظيره.
2) وما وجدت لابن حِبَّان فيه رأيًا ذكرته، وإلا سقط ذلك المبحث وتكلَّمت عن المبحث الذي يليه.
3) عند ذكر رأي ابن حِبَّان أعقبه ببيان موافقته أو مخالفته لجمهور أهل العلم.
4) أذكر رأيه بنقل كلامه، مع ذكر ما استدل به ابن حِبَّان إن وجد، أو بأشهر ما استدل به القائلون بهذا القول.
5) أصدِّر كل مسألة - غالبًا - بمظانها في الكتب الأصولية بهامش الصفحات؛ ليسهل الرجوع إليها لمن أراد الاستزادة منها ومعرفة كلام الأصوليين فيها.
6) لم يعرِّف ابن حِبَّان الحدود الأصولية، فحينئذٍ أذكر تعريفًا يتضح به المدلول.
7) أتْبع بعد رأي ابن حِبَّان الأصولي، الأثر الفقهي - إن وجد - وذلك لربط الأصول بالفروع، وبيان استعماله القواعد الأصولية في استنباط الأحكام من الأحاديث التي أوردها.
8) عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور، بذكر اسم السورة ورقم الآية.
9) خرجت الأحاديث الواردة في البحث، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، وإن كان في غيرهما ذكرت من خرجه وأكتفي بتصحيح ابن حِبَّان له لأنه لا يورد في صحيحه إلا ما توفرت فيه شروط الصحة عنده.
10) عرَّفت بالأعلام الوارد ذكرهم من المصادر المعتمدة.
11) وضعت الفهارس العلمية للبحث.خطة البحث:وتشتمل على مقدمة، وفصل تمهيدي، وثلاثة أبواب، وخاتمة.المقدمة:
وتتضمن: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة عليه، والمنهج الذي سلكته في البحث.
تمهيد:
في التعريف بالمؤلف: ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول:
التعريف بعصر الإمام ابن حِبَّان.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية.
المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية.
المبحث الثالث: الحالة العلمية.
الفصل الثاني: حياة الإمام ابن حِبَّان الشخصية والعلمية، وفيه عشرة مباحث:المبحث الأول: اسمه ونسبه.
المبحث الثاني: ولادته.
المبحث الثالث: نشأته العلمية وطلبه للعلم ورحلاته.
المبحث الرابع: شيوخه.المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: آثاره العلمية.
المبحث السابع: مذهبه.
المبحث الثامن: ثناء العلماء عليه.المبحث التاسع: محنته.
المبحث العاشر: وفاته.
الباب الأول: آراء ابن حِبَّان في الأدلة، وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: القرآن.
الفصل الثاني: السُّنَّة.
الفصل الثالث: الإجماع.
الفصل الرابع: القياس.
الباب الثاني: آراؤه في الدلالات، وفيه سبعة فصول:
الفصل الأول: الأمر.
الفصل الثاني: النهي.
الفصل الثالث: العام.
الفصل الرابع: التخصيص.
الفصل الخامس: المفهوم.
الفصل السادس: المطلق والمقيد.
الفصل السابع: المجمل.
الباب الثالث: آراؤه في النسخ والتعارض والجمع، وفيه فصلان:
الفصل الأول: آراؤه في النسخ.
الفصل الثاني: آراؤه في التعارض والجمع.
الخاتمة: وتشمل أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.
الفهارس العلمية:
1) فهرس الآيات القرآنية.
2) فهرس الأحاديث النبوية.
3) فهرس الأعلام.
4) فهرس المصطلحات العلمية، والألفاظ الغريبة المعرف بها.
5) فهرس المصادر والمراجع.
6) فهرس الموضوعات.وفي الختام أحمد الله وأشكره على نعمه التي أسبغها، فله الحمد والشكر أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه فله الحمد.ثم أتقدَّم بشكري لوالديَّ الكريمين - حفظهما الله - اللذَين أمدّاني بالدعاء، ويؤازراني بالحماسة والتشجيع، ولا أملك حيالهما إلا أن أقول كما أمرني ربي: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].
كما أتقدم بالشكر الجزيل، والثناء الجميل إلى مشرف هذه الرسالة فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بكر إسماعيل، الذي فتح لي قلبه قبل بيته، وأفادني بتوجيهاته وأرائه السديدة، الذي ما بخل عليَّ بوقت ولا جهد، مع ما كنت أسببه له من تعب، واختلافي عليه، ولم أر منه السآمة والملل جزاه الله خير الدنيا والآخرة، فله مني الشكر والعرفان.
كما أشكر صاحبي الفضيلة المناقشَيْن الكريمَيْن على ما تحمّلاه من عناء قراءة الرسالة، وإبداء الملاحظات عليها لتتمّ الفائدة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، وفضيلة الأستاذ المشارك الشيخ الدكتور: عبد الرحمن بن محمد القرني، حفظهما الله وسددهما، ونفع بعلمهما، ورفع قدرهما.ثم أشكر كل من صنع لي معروفًا من مشايخ أعلام، وأساتذة كرام، وزملاء أعزاء، وأقارب أوفياء، فلهم مني الشكر والعرفان.ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى هذا الصرح العلمي الشامخ، متمثلًا في جامعة أم القرى، فجزى الله القائمين عليها خير الجزاء، وأن يعينهم على أداء واجبهم إنه سميع مجيب.كما أسأله أن يرزقنا علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، فهو العليم الحكيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين.

[1] هو: مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي، من أسرة تركمانية، وهو تميمي بالولاء، من أشهر المصنفين في التاريخ والحديث، تتلمذ على ابن الصابوني ومحب الدين الطبري وابن تيمية وغيرهم، ومن أشهر كتبه: تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء، توفي سنة 748هـ. انظر: "البداية والنهاية" (14 /243)، "طبقات السبكي" (9/ 100)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (3 /426).
[2] "سير أعلام النبلاء" (16 /92 - 94).
[3] هو محمد بن إدريس بن العباس بن شافع القرشي المطلبي، أحد الأئمة الأربعة، صاحب المناقب الكثيرة، له مصنفات منها: الرسالة في أصول الفقه، وأحكام القرآن وجماع العلم. انظر: "طبقات الشافعية" للسبكي (1 /192).
[4] "سير أعلام النبلاء" (16 /92 - 94).
[5] هو محمد بن إسحاق بن خزيمة بن صالح بن بكر، الحافظ، الحجة، الفقيه، شيخ الإسلام، إمام الأئمة، أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي، سمع من إسحاق بن راهويه، والمزني، ومحمد بن عبدالحكم وغيرهم، له: "كتاب التوحيد"، و"الصحيح" في الحديث، توفي سنة 311هــ، انظر: "سير أعلام النبلاء" (14/ 365).
[6] هو العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد، أبو إبراهيم إسماعيل بن يحي بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الشافعي، له كتب كثيرة، من أشهرها مختصره في الفقه، توفي سنة 264هــ، انظر: "سير أعلام النبلاء" (12/ 493).
[7] هو العالم الحافظ المتقن أبو عبد الرحمن وأبو جعفر محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان بن رجاء بن عبدالله بن الصحابي العباس بن مرداس السلمي الهروي، أخذ العلم عن محمد بن القشيري وأحمد الرمادي، وأحمد بن عيسى المصري وخلقٍ كثير، وكان واسع الرواية جيد التصنيف، توفي سنة 303هــ، انظر: "سير أعلام النبلاء" (14/ 221).
[8] هو العلامة شيخ الفقهاء والمحدثين أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح البغدادي الزعفراني، أخذ العلم عن سفيان بن عيينة، وأبي معاوية الضرير، ووكيع الجراح وخلق كثير، قرأ على الشافعي كتابه القديم، وكان مقدمًا في الفقه والحديث ثقة جليلًا، توفي في عشر التسعين سنة 260هــ، انظر: "سير أعلام النبلاء" (12/ 262).
[9] قال عنه ابن حِبَّان في كتابه "المجروحين": «موسى بن محمد أبو طاهر الدمياطي البلقاوي، يروي عن مالك والموقري وذويهما، يضع الحديث على الثقات ويروي ما لا أصل له عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار للخواص»، (2/ 242)، وانظر: "لسان الميزان" (6/ 127).
[10] أَنْطاكِيةَ: بالفتح ثم السكون والياء مخففة، بينها وبين حلب يوم وليلة، فتحت على يد أبي عبيدة بن الجراح، وكانت ثغرًا عظيمًا من ثغور المسلمين. انظر: "معجم البلدان" (1/ 266)، و"مراصد الاطلاع"، و"أطلس العالم" (39).
[11] هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل، الإمام المحدث الفقيه الكبير، صاحب الإمام الشافعي وناقل علمه، وشيخ المؤذنين، ومستملي مشايخ وقته، وكانت الرحلة إليه في كتب الشافعي، توفي سنة 270هــ، انظر: "سير النبلاء" (12/ 587).
[12] "صحيح ابن حِبَّان" (5/ 497).
[13] انظر: "معالم فقه ابن حِبَّان" (10).

رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/library/0/138711/#ixzz6EaKsxpK9