ليس في الدنيا والآخرة شرٌ وداءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصي
أحمد فريد




قال بعضهم: المعاصي سلسلة في عنق العاصي، لا يفكه منها إلا الاستغفار والتوبة.
وقال بعضهم الذنوب جراحات، وربَّ جرحٍِ جاء في مقتل.
وقال بعضهم: أرقهم قلوباَ أقلهم ذنوباً.
وقال بعضهم: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة.
وقال بعضهم: إذا أجمع العبد على ترك الذنوب، أتته الأمداد من الله - عز وجل - من كل جانب.
وقال بعضهم: من علامة من غرق في الذنوب، أن لا ينشرح صدره لقيام الليل، وصيام النهار.
وقيل لبعضهم: لا نستطيع قيام الليل. قال: أبعدتكم الذنوب. وفي رواية كبلتكم خطاياكم.
قال ابن القيم - رحمه الله -: فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا شك، وأن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شرٌ و داءٌ إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذى أخرج الوالدين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور، إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذى أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره، وباطنه، فجعلت صورته أقبح صورة و أشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعداَ، وبالرحمة لعنة، وبالجنة ناراَ تلظى، وبالإيمان كفراَ، وبموالاة الغنى الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والعصيان، فهان على الله غاية الهوان، وسقط من رحمته غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب - تعالى -فأهواه، ومقته أكبر المقت فأراده، فصار قواداَ لكل فاسق ومجرم، رضى لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة، فعياذاً بك اللهم من مخالفة أمرك، وارتكاب نهيك.
وما الذى أغرق أهل الأرض كلهم، حتى علا الماء فوق رأس الجبال، وما الذى سلط الريح العقيم على قوم عادٍ، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟

وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم.
وما الذى رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء، أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد
وما الذى أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟
وما الذى أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق.
وما الذى خسف بقارون وداره وماله واهله؟
وما الذى أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميرا؟
وما الذى بعث على بنى إسرائيل قوماً أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية، فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تتبيراً.
وما الذى سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات، مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب- تبارك وتعالى -: (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)[الأعراف: 167]
وقال - رحمه الله - في الفوائد:
نتائج المعصية: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال.