التجديد.. من أكثر المصطلحات خداعا ومجانبة للواقع


عبد المنعم الشحات



(العالمانية) أو فصل الدين عن الدولة أو بالأحرى عن تنظيم حياة الناس - منهج غربي يمكن التعايش بينه وبيْن بعض الأديان، ولكن لا يمكن التعايش بينه وبيْن الإسلام الذي جاء في القرآن الكريم أول مصادره، قول الله -عز وجل- لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162-163)، وأطول آية في القرآن تختص بالمعاملات، وهي آية الدين، وفي القرآن أحكام تختص بالبيع والإجارة، والقرض والهبة؛ فضلاً عن العقوبات التي تعد أخص ما تمارسه الدول مِن صلاحيات.
ودعاة العالمانية يقسِّمونها إلى ثلاث مراتب:
(1) عالمانية ضد الدين وترفض وجوده: ومِن أشهرها: (المذاهب الإلحادية الدارونية والماركسية)، ويصفون هذه أحيانًا بالعالمانية الفرنسية.
(2) عالمانية لا دينية: وهي عالمانية تنادي بفصل الدين عن الحياة، ولا تمانع مِن وجود الدين إذا كان دينًا عالمانيًّا أو حرَّفه أتباعه ليوافق العالمانية، وهي النوع الأكثر انتشارًا في أوروبا، ويصفونها أحيانًا بالعالمانية الإنجليزية.
(3) عالمانية تحترم الدين: وهي الطور الجديد مِن العالمانية، الذي بدأت كثير مِن دول أوروبا في تطبيقه، ولا يختلف عن سابقه في ضرورة فصل الدين عن التشريع في الدولة، ولكنه يسمح للدولة بالاهتمام بذلك الدين (العالماني أو المعلمن)، بل ويرى توظيفه لتحقيق أهداف اجتماعية وسياسية بما يعني أن هذا النوع مِن العالمانية لا ينادي بالفصل التام بيْن الدين والسياسة، ولكنه يُخضِع الدين للسياسة بدلاً مِن إخضاع السياسة للدين، وهذه يطلقون عليها العالمانية الأميركية.
كلها منحرفة ومصادمة للقرآن
وإذا نظرتَ إلى هذه الأقسام الثلاثة؛ فستجد أنها كلها منحرفة ومصادمة للقرآن الكريم فضلاً عن السنة النبوية الشريفة مع أن بعضها أهون شرًّا مِن بعض، ولكن هذا الأقل شرًّا ينقلب إلى الأكثر خطرًا حينما يستعمله أصحابه لتمرير هذا الباطل، فإذا خرج مَن يبين مصادمة العالمانية للإسلام قالوا: أنتم لا تدركون أن العالمانية أنواع، وأننا ندعو إلى النوع الذي (لا يضاد الدين) أو (النوع الذي يحترم الدين) غير منتبهين إلى أن هذه الأنواع جائرة في حكم الإسلام غير ملتزمة بالحد الواجب للعبد المسلم، وهو أن يقول للشرع: «سمعتُ وأطعتُ».
استعمال مصطلحات حسنة
ثم إن هؤلاء متى انكشفتْ حيلتهم فروا إلى استعمال مصطلحات حسنة، ولكنهم لا يعنون بها إلا تلك العالمانية القبيحة، ومِن أكثر هذه المصطلحات خداعًا ومجانبة للواقع مصطلح التنوير، وحسبك مِن شر أن يرى بعضهم أن كل مَن ينتسب إلى الدين في ظلام يحتاج إلى تنوير هؤلاء، الذي لا يعدو أن يكون تشويهًا للدين وتحريفًا له.

مصطلح (التجديد)
وعلى مسار آخر: وَجد هؤلاء مصطلحًا له أصل شرعي ويكثر تكراره في كتب التراث، وهو مصطلح (التجديد)؛ فركبوا هذا المصطلح وهو لا يعني عندهم إلا معنى واحدًا، وهو إخضاع الدين للسياسة، ولكل ما يستجد ويتجدد مِن نظريات، سواء كانت في مجال كيف بدأ الخلق؟ وهو مجال غيبي محض عند المسلمين، أم في مجالات الاقتصاد أم الاجتماع أم السياسة، وكلما تطورت تلك النظريات أو انتقلت مِن النقيض إلى النقيض لزم علماء الدين في حث هؤلاء أن يعيدوا قراءة الدين أو تأويله أو بالمعنى الصحيح (تحريفه).