مسك الختام - أين نحن من الساعات الثلاث الأُوَل؟




للكاتب: سالم الناشي





حياتنا المعاصرة مملوءة -إلى حد هائل- بكثرة مشكلاتها وتتابع فتنها وتعدُّد مسؤولياتها؛ بحيث يصبح المرء عاجزًا أو شبهَ عاجز أحيانـًا عن أن يجد نفسَه ويفتشَ فيها، ويشخِّصَ أمراضها ويسعى في علاجها، ومع أنه ليس له بديل عن ذلك، فلابد إذاً من ساعات يستقطعها المرء استقطاعًا من العمل والأهل والأولاد -بل حتى والعمل الدعوي- لنفسه، كما روي في حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعًا: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت صحف إبراهيم؟، قال: «كانت أمثالاً كلها...» الحديث، وفيه: «وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن تكون له ساعات؛ فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب..»؛ فأين نحن من الساعات الثلاث الأُوَل؟! أم أصبحت حياتنا تدور حول الساعة الأخيرة؟!

هل غلبتنا على عقلنا حتى صار نمط الحياة الاستهلاكيُّ التَرَفِيُّ الذي يعيشه الغرب هو الطريقةَ المثلى كما يرونها؟! وحتى العمل الدعوي، كثرت فيه المشكلات التي تستهلك الأوقات، حتى لا تدع للمشارك فيه فرصة للجلوس مع نفسه، ومنبع هذه المشكلات أيضًا هو: إما من نمط الحياة الاستهلاكي، أو من أمراض القلوب الشيطانية.

فتعسر بذلك أمر التربية والتهذيب رغم التضييق الشديد على وسائله في واقعنا الأليم؛ فلابد لنا من وقفة مع أنفسنا لاستقطاع هذه الساعات، والقرآنُ العظيم ينتظمها لنا انتظامًا إذا قرأناه بالتدبر، ولاسيما إذا كان في الصلاة؛ فتجتمع مناجاة الرب بالدعاء، ومحاسبةُ النفس بالتدبر في صفات المؤمنين، والكافرين، والمنافقين، وتذكرِ الآخرة، والتفكرُ في صنع الله بالتدبر في الآيات المتضمنة لآيات الآفاق والأنفس، كما أنها تجمع لنا إلى ذلك حل المشكلات المعضلات التي ربما أخذت من الناس ليس ساعات في البحث والمناقشات، بل سنوات.

لذلك فنحن في حاجة عظيمة إلى تغيير سُلَّم الأولويات، حتى لا نجعل في آخرها نصيبَنا من كتاب الله، الذي فيه خَبَرُ مَن قبلَنا ونَبَأُ ما بعدَنا وفَصْلُ ما بيننا، بل نجعله على رأسها، وحتى لا نضيع الساعات الثلاث: المناجاة والمحاسبة والتفكر، عسى أن تَحيَا القلوبُ وتستنيرَ بنور الله -تعالى-؛ فيَفيضَ منها النورُ على مَن حولها؛ فيَتغيرَ واقعُنا إلى ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، وتنجحَ دعوتُنا في اختراق الحُجُب، وإزالةِ الظلمات عن البصائر، وتحريرِ القلوب والأبدان من أَسر عبودية الشهوات.