قَدْ تَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ صَرِيح وَوَاضح ، ثُمَّ إِذَا بِكَ تُفَاجَأُ مِنَ الْمُخَاطَب بِجَوَابٍ يَسُوؤَكَ أوْ فِعْلٍ يَسُوؤك ويَجْرَحُك !!! فَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا الْجَوَاب ، وَتَسْأَلُ نَفْسَكَ : كَيْفَ حَدَثَ هذَا ؟! وَ مالَّذِي جَعَلَهُ يُجِيبُني عَلَى هَذَا النَّحْو ؟َ أَوْ ما الَّذِي جَعَلَهُ يَتَصَرَّفُ مَعِي هَكَذَا؟!

وَالْحَقِيَقَةُ أَنَّ أَسْبَابَ سُوءِ الْفَهْمِ عَدِيدَة :

فَقَدْ يَكُونُ سُوءُ الْفَهْم بِسَبَبِ شُرودِ الْمُخَاطَب; فِي أَوَّلِ الْكَلامِ ; أوْ وَسَطِه ; أَوْ آخِرِه ، فَيَصِلُهُ الْمَعْنَى عَلَى غَيْرِ وَجْهِه الَّذِي أَرَدْتَه .

وَقَدْ يَكُونُ سُوءُ الْفَهْم بِسَبَبِ غَفْلَةِ الْمُخَاطَبِ عَنْ بَعْضِ دَلالاتِ الألْفَاظِ وَمَعَانِيهَا، فَلا يُعْطِي الألْفَاظَ حَقَّهَا مِنَ الْمَعَاني ، أوْ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِك ، يُحَمِّلُهَا مَا لا تَحْتَمِلُ مِنَ الْمَعَاني .

وَقَدْ يَكُونُ سُوءُ الْفَهْم بِسَبَبِ قُصُورِ عِبَارَةِ الْمُتَكَلِّمِ عَنِ الْوَفَاءِ بِكُلِّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي نَفْسِهِ ،فَمَا فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ ، وَمَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَدْ يَكُونُ شيئاً آخَر ، وَأَنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَفَّيْتَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي نَفْسِكَ حَقَّه ، واخْتَرْتَ لَهُ أَكْمَلَ الأَلْفَاظِ وَأَوْضَحَهَا ، وَأَدَلَّهَا عَلَى الْمُرَاد .

وَقَدْ يَكُونُ الْمُخَاطَبُ مُغَفَّلا بِطَبْعه ، لا يَنْتَبِهُ لِكُلِّ مَا قَدْ يُلْقى لَهُ مِنَ الْكَلام ،فَيَنْبَغِي وَالْحَالَةُ هَذِه مُخَاطَبَتُهُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يُطِيق فَهْمَه ، لأنَّ مُخَاطَبَتَهُ بالْقَدْرِ الَّذِي لا يُطِيقُ فَهْمَه ظُلْمٌ له ، وَقَدْ يَدْخُلُ الأَطْفَالُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، فَيَنْبَغِي مُخَاطَبَتُهُمْ بِما يُنَاسِبُ أَعْمَارَهُمْ مِنَ الأَلْفَاظ .

بَلْ قدْ يَكُونُ الْمُخَاطَبُ مُخْتَلا عَقْلِيّاً ، أَوْ مُعَاقاً نَفْسِيّاً ، ثُمَّ يَغُرُّكَ مَظْهَرُه ، وَتَظُنُّ أَنَّهُ سَوِيٌّ فَتُخَاطِبُهُ بِمَا يُخَاطَبُ بِهِ الأسْوِيَاء ، ثُمَّ تَتَوَقَّعُ مِنْهُ ما لا يَكُونُ مِنْ مِثْلِه .

كَمَا قَدْ يَكُونُ الْمَتَكَلِّمُ نَفْسُهُ مُغَفَّلا بِطَبْعِه ، فلا يَنْتَبِهُ لِكَلِمَاتِه .

وَقَدْ تَكُونُ بَعْضُ الْألْفَاظِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ مَعْنىً إِيجَابِي وَمَعْنى سَلْبِي ، وَلا يَنْتَبِهُ الْمُخَاطَبُ للْعَلامَة الَّتِي أَوْدَعَهَا الْمُتَكَلِّمُ فِي الْكلآمِ لِيَصْرِفَهُ عَنِ الْمَعْنَى السَّلْبي ، وَقَدْ كَانَ الأَوْلَى بهِ أَنْ يَحْتَاطَ فَيَجْتَنِبَ اللَّفْظَ الْمَشْتَرَكَ ابْتِدَاءً ; وَقَدْ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ نَفْسُهُ هُوَ مَنْ أَخَلَّ بِهَذِهِ الْعلامَة ; أَعْنِي العلامة الَّتِي تَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنِ الْمَعْنَى السَّلْبي ، فَتَكُونُ ألْفَاظُهُ فِي حَقِيقَتِها دالَّةً عَلَى الْمَعْنَى السَّلْبِي ، وَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ هُوَ الْمُقَصِّر .

وَقَدْ يَكُونُ سُوءُ الْفَهْمِ بِسَبَبِ سُوءِ ظنٍّ مُسْبَقٍ عَنْكَ عِنْدَ الْمُخاطب ،إِمَّا لِتَجْرِبَةٍ سَلْبِيَّة سَابِقَةٍ مَعَك ، أَوْ لِمَوْقِفٍ سَلْبِيٍّ بَلَغَهُ عَنْك وَأنْتَ لا َتَدْرِي ، فَيَكُونُ قَدْبَنَى فِي مُخَيِّلَتِهِ صُورَةً سَيِّئَةً لَك ، وَخَلَقَ لَكَ مرْجِعِيَّةً سَلْبِيَّةً يُفَسِّرُ بِهَا أَفْعَالَكَ وَأَقْوَالكَ وَإِنْ بَدَتْ فِي ظَاهِرِهَا إيجَابِيَّة وَحَسَنَة .

وقَدْ يَكُونُ سُوءُ الْفَهْم بسَبَبِ الانطبَاعِ الأَوَّل الَّذي يَطْبَعُهُ كُلُّ مُحَاوِرٍ فِي مُخَيِّلَةِ الْآخر عِنْدَ أَوَّلِ لِقَاء ، إِمَّا بِنَظْرَةٍ تَبْدُو فِي ظَاهِرِهَا عُدْوَانِيَّة ، أو تَعْبِيرِ وَجْهٍ يَبْدُو فِي ظَاهِرِه كذلك ، أَوْ حَرَكَةٍ تُفْهَمُ عَلَى أَنَّهَا ازْدِراء أوْ عَدَمُ احْتِرَام ، فَيَسْتَدْعِي هّذَا رَدَّةَ فِعْلٍ دِفَاعِيَّةٍ مُضَادَّة مِنَ الآخَر يَحْفَظُ بِهَا كَرَامَتَهُ الَّتي بَدَتْ لَهُ مُسْتَبَاحَة .

وَقَدْ تَخْتَلِفُ لُغَةُ التَّوَاصُل والحِوار بينَ الْمُتَحَاوِرَي ْن بِسَبَبِ فَارِقِ السِّنِّ ، كَالأبِ وَابْنِه مَثَلا ، أوْ كَالأسْتَاذِ وَتِلْمِيذِهِ ، خُصُوصًا إِذَا لمْ يَكُنْ حَبْل التَّواصُلِ بَيْنَهُمَا دَائِمَ الوَصْل ، فَيَتَكَلَّمُ هَذا بِشَيْءٍ قَدْ يَكُون فِي عُرْفِ الجيلِ الآخَرِ ازْدِرَاءً أَوِ احْتِقَارا أَوْ عَدَمَ احْتِرَام .

وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْمُتَحَاوِرَي ْنِ مَشْغُولَ الخَاطِر بِآلامٍ نَفْسِيَّة أَوْ أَحْوالٍ صِحِيَّة أو مَشَاكِل عَائِلِيَّة لا يَعْلَمُ بِها إلا الله ، ولا يَبْدُو كذلك ، بَلْ يَبْدُو للمُتَكَلِّمِ مُخِلا بِأَدَبِ الحوارِ والاسْتِمَاع ، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ به ، وَهُوَ في الحَقِيقَةِ فِي بَلاءٍ عَظِيم .

هذا ، وَقَدْ يَكُونُ لِسُوءِ الْفَهْمِ أَسْبَابٌ أُخْرَى .

وَكُلُّ هَذَا قَدْ يَعْرِفُهُ الْمُتَكَلِّم ، وَيَعْرِفُهُ الْمُخَاطَب ، ثُمَّ إِنَّ سُوءَ الْفَهْمِ مَعَ هَذَا وَارِدٌ جِدّاً ، لِأَنَّ الْحِوَارَ يَجْرِي بِسُرْعَة ، قَدْ يَتعَذَّرُ مَعَهَا فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ التَّفَكُّرُ وَالرَّوِيَّةُ .

فَعَلَى الْمُحَاوِرِ إِحْسَانُ الظَّنِّ ، وَالْتِمَاسُ الْعَذْرِ وَالتَّؤَدَةُ وَالتَّأَنِّي مَا أَمْكَن ، وَأَنْ لا يُبَادِرَ وَيَعْجَلَ بِالْجَوَابِ حَتَّى يَعْلَمَ السَّبَب ; وَيَسْتَوْعِبَ الْحَالَةَ جَيِّدا ، ثَمَّ بَعْدَهَا يَخْتَارُ الرَّدَّ الْأَمْثَل ،فَإنَّ التَّأنّي مِنَ الرَّحْمَن ، والْعَجَلةَ مِنَ الشَّيْطَان .

https://nassayeh.blogspot.com/2020/02/blog-post.html