السؤال
عرفت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ونصه: (إن الله يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه كما تخلل الباقرة)، أنا الآن في كلية اللغة العربية، وأتدرب على التحدث بالفصحى، وهي ليست من سليقتي، وأجد أحيانا عناء في التدرب، ولكن غايتي أنني أريد أن اتحدث بها بفصاحة وبلاغة، فهل هذا يعتبر من التخلل المذكور في الحديث؟ وهل معنى الحديث أن الإنسان لا يحاول أن يصبح بليغا بالدربة، طالما إنها ليست من سليقته وطبيعته؟ وهل هذا التخلل ينطبق على اللغة العربية فقط أم على أي لغة أخرى؟
نص الجواب
الجواب :
الحمد لله
أولا:
من المعلوم أن الوحي من كتاب وسنة جاء بلغة العرب؛ فلا يفهم إلا على وفق قوانين هذه اللغة؛ فلذا يكون التفقه في هذه اللغة والتخصص في فنونها، ثم تعليمها لعامة المسلمين، من أمور الدين، مأمور به المسلم شرعا؛ إما وجوبا أو استحبابا.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
" فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح، والتشهد، وغير ذلك.
وما ازداد من العلم باللسان، الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، وأنزل به آخر كتبه: كان خيرا له " انتهى من"الرسالة" (ص 48 - 49).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ومعلوم أن " تعلم العربية؛ وتعليم العربية " فرض على الكفاية؛ وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن. فنحن مأمورون، أمر إيجاب أو أمر استحباب: أن نحفظ القانون العربي؛ ونصلح الألسن المائلة عنه؛ فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة؛ والاقتداء بالعرب في خطابها. فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصا وعيبا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 252).
ثانيا:
وأما حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ ) رواه الترمذي (2853)، وأبو داود (5005)، وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ"، وصححه أبو حاتم الرازي في "العلل" (6 / 305 - 307)، وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 540).
فهذا الحديث - قطعا - لا يتناول أصل تعلم لغة العرب وقوانينها، وتعليمها للناس، لأن هذا أمر شرعي فيه حفظ الفهم الصحيح لمعاني الكتاب والسنة؛ والشرع لم يأت بالنهي عن المصالح الشرعية؛ وإنما ينهى عن المفاسد، أو ما يؤدي إليها.
ولذا نجد الشرع يحث على الفصاحة والبلاغة التي تحقق مصالح الشرع؛ ومن ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم لحسان رضي الله عنه في قوله الشعر دفاعا عن الإسلام.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: "مَرَّ عُمَرُ فِي المَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ ) ؟ قَالَ: نَعَمْ" رواه البخاري (3212) ومسلم (2485).
فيحمل الحديث على التفاصح الذي لا يحقق مصلحة وإنما هو في ذاته مفسدة أو يؤدي إليها؛ وهو على أوجه:
الوجه الأول: أن تكون هذه البلاغة على وجه التكلف؛ كأن يتعمد الشخص الكلام بالفصيح من الكلام عند من لا يفقهه ولم يعتده ، كعامة الناس؛ فهذا التفاصح ربما يؤول بصاحبه إلى الرياء وطلب الشهرة، ولا يتحقق منه المقصود من الكلام ، وهو البيان والإفهام.
يتبع