نحو بلورة مشروع عربي للنهوض باللغة العربية
نايف عبوش




بات من المعلوم أن اليونسكو اعتمدت يوم 18 كانون الأول من كل عام، يوماً عالمياً للغة العربية، في الدورة 190 للمجلس التنفيذي للمنظمة، التي انعقدت بين الثالث والثامن عشر من تشرين الأول الماضي، في مقر المنظمة بباريس، حيث جاء في القرار أن المجلس التنفيذي (يدرك ما للغة العربية من دور وإسهام في حفظ، ونشر حضارة الإنسان، وثقافته)، وأن هذه اللغة، (هي لغة اثنين وعشرين عضواً من الدول الأعضاء في اليونسكو، وهي لغة رسمية في المنظمة، ويتحدث بها ما يزيد عن 422 مليون عربي، ويحتاج إلى استعمالها أكثر من (5ر1) مليار من المسلمين).




وفي إطار هذا الاعتراف الأممي النوعي بأهمية دور اللغة العربية، وإسهامها في حفظ، ونشر حضارة الإنسان، وثقافته، فلا شك أن الوقت قد حان الآن للنهوض باللغة العربية بإلحاح أكثر من ذي قبل، تمشياً مع ضرورات هذا الاعتماد، وسعياً للحفاظ عليها من تحديات المسخ والتشويه، التي تجسدت في الوقت الحاضر، في شيوع استخدام اللهجات العامية، واعتماد تدريس اللغات الأجنبية في كل مراحل التعليم، واعتماد الانكليزية للتدريس في التعليم العالي، ولاسيما في العلوم الصرفة.




والمقلق الآن حقا هو ظاهرة عولمة الفضائيات، والشبكة العنكبوتية بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات، وما تشكله هذه الظاهرة الخطيرة من تحدي جديد للمسخ، من خلال إشاعة استخدام العامية، والتوسع باستخدام المفردات الأجنبية في البرامج، والدردشات، والتغريديات، وغيرها من تجليات التواصل الاجتماعي، وتمظهراته المتعددة.




ولعل المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية، الذي سيعقد في دبي خلال الفترة من 7 إلى 9 مايو 2013 المقبل، والذي تستضيفه دولة الإمارات، سيكون خطوة جادة في هذا الاتجاه، إذ يتطلع من يحضر المؤتمر ممن يعنيهم أمر الحفاظ على اللغة العربية من الباحثين، والمفكرين، والأكاديميين، والدعاة، إلى رفده بخبراتهم العملية، ومعارفهم المتراكمة، بالأفكار البناءة، والحلول العملية، التي يؤمل منها أن تبلور مشروعاً عربياً موحداً للحفاظ على لغة الضاد، والخروج بتوصيات موضوعية، تضع استراتيجية عمل عربية موحدة في هذا المجال، لمواجهة تحديات مسخ اللغة العربية بصوره المتعددة، وفي المقدمة منها بالطبع، الدعوة إلى استخدام اللهجات العامية بدل اللغة الفصيحة، واستعمال الأحرف اللاتينية بدل الأحرف العربية في الكتابة، وإسقاط الإعراب في الكتابة، والنطق، وإحلال اللغات الأجنبية بدل اللغة العربية في التدريس الجامعي، واعتماد تعليم اللغات الأجنبية منذ الصفوف الأولى في مدارسنا على حساب اللغة العربية، والادعاءات المضادة بأنها لغة صعبة، ومعقدة، وغير سهلة التعلم، مما يصرف الناس عن تعلمها، والتحدث بها، وما تعنيه تلك التحديات الكبيرة من تهديد للغة العربية بالمسخ، والضياع، بالإضافة إلى تعكسه من تداعيات خطيرة على الهوية العربية بمرور الزمن.




ولا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أن نهج مسخ الهوية العربية، من خلال الدعوة بإلحاح لإشاعة استخدام العامية، يصب في ذات إستراتيجية عولمة الفرنجة، التي بدأت تعبث بالعربية في كل مجالات ألاستخدام، من خلال إستراتيجية عولمة استخدام اللغات الأجنبية العالمية، والانكليزية منها بالذات، كونها لغة تدريس العلوم في المعاهد، والجامعات، إضافة إلى عولمة استخدامها في برامجيات، وشبكة الانترنت، والمواقع العنكبوتية، والقنوات الفضائيات وغيرها، من وسائل الاتصال الجماهيري، والفضاء المعلوماتي، وواضح ما تشكله هذه الأدوات التقنية الرقمية المعاصرة، بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات، من مخاطر جدية على اللغة العربية، ومسخ ملامحها.




وإذا كان الأمر في ضوء تلك التحديات، يتطلب الانتباه إلى مخاطر تداعيات استخدام اللهجة العامية، والحذر من التأثيرات السلبية لوسائل العولمة المفتوحة على لغتنا العربية، التي تتجسد في فرنجة مقرفة، ورطانة لاحنة، تؤثر على سلامة اللغة، بل وتهددها بالانقراض، فلا بد إذن من التحرك على عجل، ضمن خطة عربية مركزية مدروسة يؤطرها مشروع متكامل للنهوض، يستهدف التوسع في دراسات علوم اللغة العربية، ونشر كليات اللغة العربية، ومعاهد تعليمها، وتشجيع الدارسين فيها بالمتاح من الامتيازات، والعمل في نفس الوقت على تعريب الدراسة في الجامعات العربية، والتوسع في إنشاء المواقع الحاسوبية، والبرامجيات الخادمة للغة العربية، وتخصيص يوم وطني للاحتفال بلغة الضاد، وتنظيم مسابقات للمتفوقين بها، وغيرها مما يعن في البال، من وسائل بعث الحياة في مشروع النهوض باللغة العربية الفصحى، لغرض الارتقاء المقتدر بواقع راهن حالها المتردي، حفاظا عليها من المسخ، وحماية لها من الانقراض، والسمو بها لتكون لغة العلوم المعاصرة، ووسيلة نقل الثقافة العربية للآخر، كما كانت من قبل.