مصعب بن عمير حامل الراية يوم أحد
عيد صلاح



ولد مصعب بن عمير في مكة، ونشأ في أسرة ذات ثراء واسع، فكان أعطر أهل مكة، وأوفاهم بهاء وجمالا وشبابا، ونال من حب والديه وتدليلهما ما لم يظفر بمثله أحد.
في بداية ظهور الإسلام، كان الرسول يدعو الناس سرا، ويجتمع بأصحابه خفية عن قريش، في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وحينما سمع مصعب بن عمير بتلك الدعوة الجديدة، انطلق ذات مساء، إلى دار الأرقم بن الأرقم، وهناك كان الرسول يلتقي بأصحابه -صلى الله عليه وسلم-، ويتلو عليهم آيات من القرآن، ولم يكد مصعب يستمع إلى القرآن، حتى مس فؤاده، وشعر بحلاوته، وأدرك أنه كلام الله -تعالى-، وليس كلام البشر، ودخل في الإسلام.
أرادت أمه أن تؤذيه، كي يرجع عن إسلامه، فمضت إلى ركن قصي، من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه إغلاقه، وظل مصعب في الحبس، غير أن قلبه ظل معلقا بالله -تعالى-، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتاقت نفسه إلى رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه والاجتماع بهم، ومعرفة المزيد من تعاليم دين الإسلام، الذي أشرق به قلبه وعقله، وظل هكذا حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة، فاحتال مصعب لنفسه، حتى استطاع الفرار إلى أرض الحبشة، بعد أن غافل أمه وحراسه.
مكث مصعب في الحبشة، ثم عاد مع إخوانه المهاجرين إلى مكة، وحينذاك حاولت أمه أن ترده عن دينه، فقد منعت عنه عطاءها، وما كانت تفيض به عليه من نعمة، لكنه ظل صابرا على الحق، متمسكا بإسلامه.
حاولت أمه حبسه ومنعه من الهجرة مرة أخرى، فأخذ عهدا على نفسه، لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه، وأنها لتعلم صدق عزمه إذا هم، فتراجعت عن ذلك، وودعته باكية، وودعها باكيا وخرج للهجرة إلى الحبشة مرة ثانية.
بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، كي ينشر الإسلام، ويدعو إلى الله، وقد فهم مصعب رسالته تماما، ووقف عند حدودها، وأدرك أنه داعية إلى الله -تعالى-، ومبشر بدينه، الذي يدعو الناس إلى الهدى، وإلى الصراط المستقيم.
ومضت الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه إلى المدينة، بعدما انتشرت فيها الدعوة الإسلامية، وآمن المسلمون فيها، على أنفسهم وأموالهم، وعبدوا الله هناك في حرية، فحقدت قريش على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-.
وخافت قريش من انتشار الإسلام في كل مكان، وتعاظم مكانة المسلمين، وأرادت أن تقضي على الدعوة الإسلامية هناك، فجمعت صفوفها وحاربت النبي -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، في غزوة بدر، والتي انكسرت فيها شوكة الكفار، رغم كثرة عددهم وعدتهم، وانتصر المسلمون انتصارا عظيما، وشارك مصعب في تلك الغزوة، وأبلى بلاء حسنا.
وفي غزوة أحد، اختار الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصعبا، كي يحمل الراية، ونشبت المعركة الرهيبة، واشتد القتال، وخالف الرماة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتركوا موقعهم في أعلى الجبل، بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين، لكن ذلك سرعان ما تحول نصر المسلمين إلى هزيمة.
ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش، تهجم عليهم من أعلى الجبل، وتعمل فيهم على حين غرة سيوفهم، ولما رأى الكفار الفوضى تعم صفوف المسلمين، ركزوا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لينالوا منه، وأدرك مصعب ذلك، فرفع اللواء عاليا، وانطلق نحو الأعداء يشغلهم عن رسول الله بنفسه، وأخذ يقاتلهم وهو يحمل الراية في تقديس بيد، ويد أخرى تضرب بالسيف في عنفوان، وتكاثر الأعداء عليه، وضربوا على يده اليمنى فقطعت، فأمسك اللواء بيده اليسرى، وهو يقول" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل"، وضربوا على يده اليسرى فقطعت، فمال على اللواء بعضديه إلى صدره، وهو يقول: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل).
ثم ضرب مرة ثالثة، فوقع مصعب، وسقط اللواء، وبعد انتهاء المعركة وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- على جسده قائلا: لقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة ولا أحسن لمة منك، ثم ها أنتذا أشعث الرأس في بردة، ثم هتف قائلا: إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة.
______________________________ ____________________
المصادر:
أسد الغابة.
سيرة ابن هشام، من سيرة ابن إسحاق.
السيرة النبوية وأخبار الخلفاء لابن حيان.
مغازي الواقدي.